![ماالفرقُ بيْنَ العفوِ والمغفرةِ؟](https://islamsyria.com/storage/Setting/default_image/no.png)
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد:
ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنَّ العفوَ أبلغُ من المغفرة ؛ لأنَّ العفو محوٌ، والمغفرة سِترٌ :
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله :
" الْعَفوُّ : هُوَ الَّذِي يمحو السَّيِّئَاتِ ، ويتجاوز عَن الْمعاصِي ، وَهُوَ قريب من الغفور ، وَلكنَّه أبلغُ مِنْهُ، فَإِنَّ الغفرانَ يُنبئُ عَن السَّتْر، وَالْعَفو يُنبئُ عَن المحو، والمحو أبلغ من السّتْر" . انتهى من "المقصد الأسنى" (ص 140) .
وقال الشيخ محمد منير الدمشقي رحمه الله في "النفحات السّلفية" (ص 87):
" العفو في حق الله تعالى : عبارة عن إزالة آثار الذّنوب بالكلّية ، فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين ، ولا يطالبه بها يوم القيامة ، ويُنسيها من قلوبهم ، لئلا يخجلوا عند تذكيرهم بها، ويُثبِت مكانَ كلِّ سيئةٍ حسنةً ، والعفو أبلغ من المغفرة ؛ لأنَّ الغفران يشعر بالسّتر، والعفو يشعر بالمحو، والمحو أبلغ من الستر " انتهى .
وذهب آخرون إلى أنَّ المغفرةَ أبلغُ من العفو ؛ لأنَّها سترٌ، وإسقاطٌ للعقاب ، ونيلٌ للثواب، أما العفو: فلا يلزم منه السّترُ ، ولا نيلُ الثواب .
قال ابن جزِّي رحمه الله :
" العفو : ترك المؤاخذة بالذّنب .
والمغفرة تقتضي ـ مع ذلك ـ : السّتر .
والرحمة تجمع ذلك مع التفضّل بالإنعام " انتهى من " التسهيل" (1/ 143) .
وقال الرَّازي في "تفسيره" (7/ 124):
" الْعَفْو أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْعِقَابَ، وَالْمَغْفِرَة أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ جُرْمَهُ ، صَوْنًا لَهُ مِنْ عَذَابِ التَّخْجِيلِ وَالْفَضِيحَةِ، كَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: أَطْلُبُ مِنْكَ الْعَفْوَ ، وَإِذَا عَفَوْتَ عَنِّي فَاسْتُرْهُ عَلَيَّ " انتهى .
قال الكَفَوي رحمه الله :
" الغفرانُ: يَقْتَضِي إِسْقَاطَ الْعقَاب ، ونيلَ الثَّوَاب، وَلَا يسْتَحقّهُ إِلَّا الْمُؤمنُ، وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْبَارِي تَعَالَى .
وَالْعَفو : يَقْتَضِي إِسْقَاطَ الَّلوم والذَّم، وَلَا يَقْتَضِي نيلَ الثَّوَاب .." انتهى من "الكلِّيات" (ص 666) .
وقال أبوهلال العسكري في "الفروق اللغويّة:" (413-414):
" الْفرق بَين الْعَفو والغفران :
أَنَّ الغفرانَ : يَقْتَضِي إِسْقَاطَ الْعقَاب ، وَإِسْقَاطُ الْعقَاب هُوَ إِيجَابُ الثَّوَاب ؛ فَلَا يسْتَحقُ الغفرانَ إِلَّا الْمُؤمنُ الْمُسْتَحقُ للثَّواب . وَلِهَذَا لَا يسْتَعْملُ إِلَّا فِي الله ، فَيُقَال : غفر اللهُ لَك ، وَلَا يُقَال غفرَ زيدٌ لَك ، إِلَّا شاذَّاً قَلِيلاً ...
وَالْعَفو : يَقْتَضِي إِسْقَاطَ الَّلوم والذَّم ، وَلَا يَقْتَضِي إِيجَابَ الثَّوَاب ، وَلِهَذَا يسْتَعْمل فِي العَبْد ، فَيُقَال : عَفا زيدٌ عَن عَمْرٍو ؛ وَإِذا عَفا عَنهُ : لم يجب عَلَيْهِ إثابتُه .
إِلَّا أَنَّ الْعَفو والغفران : لما تقَارب معنياهما ، تداخلا ، واستُعملا فِي صِفَات الله جلَّ اسْمُه على وَجهٍ وَاحِد ٍ؛ فَيُقَال : عَفا الله عَنهُ ، وَغفر لَهُ ؛ بِمَعْنىً وَاحِدٍ .
وَمَا تعدَّى بِهِ الَّلفظانِ يدلُّ على مَا قُلْنَا ، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول عَفا عَنهُ ، فَيَقْتَضِي ذَلِك إِزَالَةَ شَيْءٍ عَنهُ . وَتقول : غفر لَهُ فَيَقْتَضِي ذَلِك اثباتُ شَيْءٍ لَهُ" انتهى .
وبهذا يتبيَّنُ أنَّ المغفرةَ أبلغُ من العفوِ، على القول الرَّاجح ؛ لما تتضمَّنُه من الإحسانِ والعطاءِ.
أمَّا القولُ بأنَّ المغفرةَ : أنْ يسامحَك اللهُ عنِ الذَّنب ، مع بَقائه في صحائفِك، وأنَّ العفوَ مسامحةٌ مع محوِ الذَّنب من الصَّحائف فلا يدلُّ عليه الدَّليلُ.
والله تعالى أعلمُ .
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
![](https://islamsyria.com/front/imgs/bg-vector.png)
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول