مأثرة خليفة


بقلم عبد الحكيم الأنيس
 
   هو يوسف بن محمد: المستنجد بالله ابن المقتفي لأمر الله.
ولد ببغداد سنة 518هـ ، ومات فيها سنة 566 عن (48) سنة، تولى فيها ولايةَ العهد (8) سنوات، وتولى الخلافةَ (11) سنة.
  
كان من رعيته في بغداد العلامةُ الكبير أبو الفرج ابن الجوزي، وقد شهد فيه شهادةً كبيرة فقال: " كان المستنجد موصوفاً بالفهم الثاقب، والرأي الصائب، والذكاء الغالب، والفضل الباهر، له نظم بديع، ونثر بليغ، ومعرفة بعمل آلات الفلك والإسطرلاب " .
ومن أجلِّ صفاته أنه كان شديداً على المفسدين.
 
            والمأثرة التي تستوقف الناظرَ في سيرة حياته هي أنه سَجَنَ رجلاً كان يسعى بالناس ويرفعُ عنهم أخباراً كاذبة، واتهاماتٍ مغرضة، فجاء رجلٌ وعرَضَ أنْ يفتديه، وبذَلَ فيه عشرةَ آلاف دينار ليخرجه من السجن، وهنا قال هذا الخليفة العادلُ العاقلُ لذلك الرجل: " أنا أعطيك عشرة آلاف دينار ودلَّني على رجلٍ آخر مثله لأحبسه وأكفَّ شرَّه عن الناس "[1] !
 
            رحم اللهُ المستنجدَ، وجزاه عن رعيته خيراً، فقد ذُكِرَ أنه "كان موصوفاً بالعدل والرفق" ، وهذه المأثرةُ من ذلك العدل، ومن ذلك الرفق.
 
            إنَّ فتحَ الباب للساعين النمّامين المغرضين يُفسِدُ القلوب، وينغِّصُ عيشَ الناس، ويغيِّرُ قلب الحاكم على رعيته، وقلوبَ الرعية على حاكمها، وما أكثرَ ما تضيع حقوقٌ، وتُهدر أموالٌ من وراء وشاية كاذبة، ونقل ملفَّق، وغرضٍ فاسدٍ خبيث، والعاقلُ مَنْ أوصد الأبوابَ أمام كلِّ واشٍ نقَّالٍ، فاسدٍ مُفْسِدٍ، نمّامٍ مريضٍ، واكتفى من الناس بما يَظْهَرُ منهم، ولم يَتطلبْ العثرات، ولم يَكشفْ عن المستورات، ولم يَبحثْ عن العورات.


[1]. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 478

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين