مآخذ ومهالك

أبو عبيدة

قوبل خطابي في الدعوة الى صياغة فكر اسلامي تغييري وثوري بلغة معاصرة تتواصل مع الشارع العام ولا تكون قاصرة على أهل الاختصاص بالفقه بمراجعه القديمة بهجوم من البعض تجاوز الفكرة بكثير الى شخصي ونواياي ،مما جعلني أتساءل عن جدوى الحوار مع رجال نحسن الظن فيهم فيقابلون ذلك بكل سوء ظن ممكن.
لذلك سأتحدث اليوم عن العيوب المهنية التي توجد لدى كثيرين من المشايخ ،حيث أن المشيخة تحولت عند كثيرين الى مهنة لها عيوبها كأي مهنة أخرى ،وحديثي ليس من باب التنابز بالاتهامات وانما هو من باب الاشارة الى معوقات قد تعيق العمل الاسلامي بالكامل وتوقعنا جميعا في أسوأ المهالك.
وقبل كل شيئ فانني أعلن تقديري واحترامي لكل العاملين في الدعوة الى الله عزوجل والتعليم الشرعي ،سيما علماؤنا الأفاضل ومشايخنا الكبار الذين كانت وماتزال لهم بصمات في حياتي شخصيا وفي حياة الأفراد والجماعات ،فأرجو ألا يفهم ماأقول على أنه استخفاف بأحد منهم ،انما هو النصح والنقد اللطيف مع الاعتذار مسبقا عن الهفوات والزلات.
أولا لابد من الاشارة الى عزلة مجموعة من سادتنا المشايخ عن الحياة العامة ،الاجتماعية والفكرية والثقافية والاكتفاء بالمتون والشروح وحياة الصالحين ممن حولهم ،أذكر في هذا الصدد مقالا كنت قد قرأته للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تحت عنوان (داعية في خمارة)، وفيه أن شيخا زار خمارة وتاب على يديه العشرات في ليلة واحدة ،هناك بعض المشايخ من مايزال يتفاخر بانه لا يملك جهاز تلفزيون في بيته ،ومع تقديري لتقواهم الا أنني لو كنت من المفتين لأوجبت وجود التلفزيون على الأقل في بيوت المشايخ حتى يطلعوا على مايحدث في العالم ،فهو النافذة التي يطل بها على مايجري بصرف النظر عن مصداقية بعضها أو دجلها،وهنا يأتي أمر التمحيص والمقارنة واكتشاف الصادق من الكاذب!! وفهمكم كفاية .
أنا لا أدعو سادتي المشايخ ليزوروا الحانات بل أجلهم عن ذلك ،ولكنني أرى أن عليهم أن يدخلوا حياة الناس و يستمعوا اليهم كما يسمعهوهم ،والأمر ليس سهلا كما قد يتصور البعض ،فهناك من لا يقدر على أن يجعلك تكمل جملة واحدة ،فاذا به يقاطعك بما يعتقد يقينا أنه الحق والصواب ،وقد يفتيك في مسألة وأنت تسأله في مسألة أخرى .
الصالحون ياسادة ممن هم حولكم هم من خير صحبة، ولكن الذين يحتاجون اليكم خارج دائرة الصحبة اكثر ،ولا بد أن تقيموا معهم جسورا تصل اليهم عبرها ما تفيضون من تسديد وبصائر ،أن تذهبوا اليهم ،وتكلموهم بلغتهم ،وتتعرفوا على أجوائهم ومشكلاتهم وما يعانون منه من أعراض الغزو الفكري والأخلاقي ،ومثله العزلة عن الحياة الفكرية والثقافية ،أنا أفهم أن للاختصاص ضروراته وما يحتاجه من وقت وجهد ،ولكن الجهل بما عليه الحياة الفكرية والعلمية المعاصرة يجعل الداعية في عزلة لا يمكن أن يتجاوزها ،فان تكلم ظهر عجزه وفقره وتهافت خطابه بالكامل.
وأذكر هنا مثالين رائعين –في ظني -يوضحان ماقصدت ،ألم يزر الامام الشهيد حسن البنا ماقيل أنه حوالي سبعة آلاف مدينة وقرية اجتمع بشبابها في المقاهي والنوادي والجامعات والمدارس ،واليوم أسس الشيخ محمد العوضي مشروع ركاز الذي قصد به أن يزور الشيخ ومن معه الأسواق والجامعات والنوادي ويلتقي بالرجال والنساء والشباب والشابات ليدعو الى دين الله عزوجل من واقع مشكلات من يدعوهم ، لا من مجرد ماعنده من حقائق يرتاح اليهاو يؤمن بها، ولركاز موقع على الانترنت يمكن زيارته والاطلاع على نشاطاته .
كذلك لا بد من التواصل مع الثقافات الوافدة والتي لم تعد ثقافات غربية بعيدة عنا ،فهي اليوم موجودة في كل مدرسة وجامعة ومكتبة ومسرح وناد وصحيفة ومجلة ،هذه الثقافات تحمل الكثير مما يهدد العمل الاسلامي ويمكن أن يطعنه في مقتل ،لا شك أننا –المسلمين- نفتخر باليقينيات التي نستقيها من القرآن والسنة ،ولكن العالم اليوم يتكلم بلغات أخرى ،ومن واجبات التبليغ أن نفهم هذه اللغات ونستوعبها ونحسن الحوار معها ،أكاد أقول أن هذا الحوار قد انقطع مع رحيل مالك بن نبي ومحمد الغزالي وأنور الجندي ورشدي فكار وعبد الوهاب المسيري ،ماعدا محمد عمارة أطال الله في عمره مع كثرة الطاعنين فيه من سادتنا المشايخ،انني أرى اليوم الشباب كيف يتهافتون على كتب تحمل الكثير من السموم ،وكلام أكثر مشايخنا أن لاتردوا عليهم ،ولاتقرأوا لهم ،فهم لا يستحقون أي اهتمام ،لعلكم بالرد عليهم تشهرونهم ،ياسادتي ان من تضنون عليهم بالشهرة والانتشار بردكم عليهم قد صاروا أكثر من نار على علم ،وكتبهم وأفكارهم تدرس في المدارس والجامعات ،وتعقد لها الندوات والدورات ،والمؤتمرات والمهرجانات ،وهذه يحضرها عشرات الآلاف ،بينما دروسكم يحضرها العشرات ،وكتبكم يقرؤها المئات ،فهل ماتزالون تخشون أن تساهموا في نشر أفكار هؤلاء مع ندرة قاصديكم ،وكثرة قاصديهم ،لم يفعل ذلك سلف الأمة الذين تفتخرون وأنا معكم بالانتساب اليهم ، الأشعري نفسه وهو واضع علم التوحيد المدرسي وظف أحيانا فلسفة اليونان التي أخذت أبعادا في المجتمع في زمانه في صياغة أدلته،هل تعرفون أن مصطلح (واجب الوجود) هو مصطلح من ابتكار أرسطو ،فحتى متى ندفن رؤوسنا في التراب،ونقول عندنا مايكفينا ،واليوم ان أذن الله بالفتح مع حركة الربيع العربي ،لا بد أن تجلسوا مع أصحاب هذه الثقافات لا لكي تديروا دروسا في مسجد ،وانما لتديروا أمور البلاد والعباد ،فاتقوا الله في أنفسكم وفي الناس الذين قد يختاروكم لتمثلوهم.
ان عشرات الشباب من قاصديكم في المساجد ممن عليهم سيماء الصلاح لا يمثلون شباب الأمة بالكامل ،هناك الملايين الذين يرتضعون الرذائل الفكرية والأخلاقية في كل شارع ومدينة ،وليس من واجبكم فقط تزكية العشرات من رواد دروسكم وترك الملايين فرائس للشيطان لا تبذلون أدنى الجهود لتخليصهم من براثنه ،وماأقوله ليس مجرد فذلكة من فيلسوف مغرور كما أسماني أحدهم سامحه الله ،انها سيرة الأنبياء من نوح الى ابراهيم الى موسى وعيسى الى محمد عليهم أفضل الصلوات والتسليم ، أما كان –عليه الصلاة والسلام –يأتي الناس أيام المواسم في مضاربهم ليبلغهم دعوة الله تعالى ؟أجل ما كان واحد منهم يجلس في مسجده ينتظر الناس ليأتوا اليه ليلقنهم دروسا في أصول العبادات وآداب المعاملات ، هذا كان بعد أن استقر أمر الدعوة ،والفاحص يرى نوعا من التشابه بين ماصرنا اليه ،وما كان من أمر البدايات !!لست ضد تدريس العلوم الشرعية حتى تفصيل تفصيلاتها ،ولكنني قبل هذا مع انقاذ ملايين الشباب من النار ،من عذابات الدنيا والآخرة ،فمن لهؤلاء ان لم تكونوا أنتم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين