ليست دعوة للطلاق بل فرصة لتعديل المسار

ليست دعوة للطلاق بل فرصة لتعديل المسار

 

يحيى عثمان

أستاذي الفاضل: أكتب إليك وأنا شبه مطلقة؛ ففي الليل أحزم أمري وأقرر طلب الطلاق؛ وفي النهار أجدني تراجعت خوفاً من شبح الطلاق! علاقتي مع زوجي معقدة ومتشابكة؛ فهو به كثير من المزايا لكن أيضاً به الكثير من العيوب.. صعب عليّ أن أقول: هو زوج صالح أم طالح؛ في تصرف ما أجده نعم الزوج؛ وتصرف آخر بئس العشير؛ في حيرة من أمري.

لا أنكر أيضاً أنه نتيجة حالة الاضطراب التي أعانيها من تقييمي له فإن ردود فعلي خليط من التخبط وردود الفعل العفوية حلوها ومرها أتوقع أنه أيضاً يعاني من علامة استفهام حول علاقتنا؛ فهو مرجئ أموراً مهمة تخصنا لعدم استقرار علاقتنا وعبر عن ذلك صراحة: «دعينا الأول نرى كيف ستسير بنا الأحداث»» حالة من الضبابية تحيط بنا أثرت سلبا على كل علاقاتنا؛ وأصبحت تدفعنا دفعاً نحو الانفصال.

معذرة: بدأت بوصف حالتنا قبل التعريف بنفسي! فأنا زوجة في منتصف الثلاثينيات، متزوجة من حوالي 10 سنوات، وزوجي في بدايات الأربعينيات، تزوجنا زواجاً تقليدياً بناء على تزكية صديق والدي؛ قابله والدي وأعجبه، فتمت عدة لقاءات بيننا ثم عُقِد بعدها القران! رزقنا الله بثلاثة أولاد: يعمل كل منا بالتدريس؛ وهو مشغول بعد المدرسة بالدروس الخصوصية؛ وأنا مشغولة بالمنزل والأولاد وبعض الدروس الخصوصية.

نعاني في حياتنا من الرتابة وانغلاق كل منا على نفسه؛ ليس بيننا مشتركات: أشعر أنني أعيش بمفردي؛ كل طلباتي سواء الشخصية أو المنزلية أنا مسؤولة عنها، نعم إذا طلبت منه يلبي؛ ولكن أين هو؟ حتى العلاقة الخاصة.. مدرس يدخل الحصة وهو محضر المادة، لكنه يؤديها دون انفعال ولا روح؛ فتصل الطلبة دون طعم ولا رائحة!

هو يتحمل كل مصروفات البيت ويرفض مشاركتي؛ عف اللسان؛ يريد كل شيء مثالياً لم تحدث بيننا مشكلات تعلو فيها الأصوات أو يتدخل الأهل ؛ فكل منا منزو في ركن من الحياة التي تجمعنا أو فرضت علينا دائم النقد ولو بنظراته؛ والد مثالي إن وجد وقتا ونادراً ما يحدث؛ قليل الحديث؛ لا أعلم عنه شيئاً ولا يسألني عن شيء يثق بي ثقة مطلقة كأنني امرأة في التسعينيات؛ لدرجة تشعرني بعدم اهتمامه؛ لا يراجعني في أي قرار أتخذه في المنزل؛ وإن سألته يومئ رأسه بالموافقة، وإن كررت السؤال يرد بعناء: كما ترين.

كل منا متوجس من الآخر خائف من مواجهته؛ بل دعني أكن أكثر وضوحاً بل يتوجس كل منا من مواجهة نفسه؛ فنهرب من النظر في العيون؛ وإذا شاء الله وتلاقت أعيننا فسرعان ما يغير كل منا نظراته؛ وأتساءل: من هذا؟ أهذا حقاً زوجي؟ وكأنني أراه أول مرة.

ولعلي أكون أشجع منه: وآخذ بالمبادرة باستشارتك: ماذا نفعل؟ أنا لا أتحدث عن مشكلتي بل مشكلتنا وقد أرسلت له أني سأستشير حضرتك؛ وكم تفاجأت من إشادته بذلك؛ ونحن منتظرون رأيكم.

يمكن تقسيم الاستشارات التي تردنا إلى نوعين:

الأول: يمكن تحديد وتصنيف المشكلة بوضوح. والاستشارة تكون حول كيفية التصرف تجاه المشكلة.

الثاني: نواجه فيه صعوبة في تقييم الحالة التي تواجه السائل؛ وهذا هو الأصعب والحالة التي نحن بصددها من هذا النوع؛ هي مشكلة مركبة؛ فكلا الزوجين يرى الآخر علامة استفهام. وذلك بسبب صعوبة تقييمه لزوجه.

هذا توصيفنا لطبيعة المشكلة؛ وسنتناول الاستشارة من النقاط التالية: توصيف المشكلة، وضرورة الإسراع بحلها وطريقة الحل.

1 - توصيف المشكلة:

إن من أهم أسباب التوافق الزواجي تحديد الصورة الذهنية لسمات الزوج الذي يناسبني -ومن المؤكد أنني لن أجد هذا

النموذج في الواقع- ثم إدارة الفجوة بين المأمول والواقع؛ فواضح من مسيرة الزواج أنه لم يتم التعارف الكافي بين الزوجين ليقررا مدى ملاءمة كل منهما للآخر ثم لم يتم الانفتاح النفسي بين الزوجين؛ ليعبر كل منهما عما يتمناه من الآخر. ومدى إمكانية قدرة كل زوج على تلبية متطلبات زوجه منه؛ فإن لبى فلله الحمد وهذه حالة مثلى، ولكن الواقع أن هناك بعض المتطلبات قد لا يستطيع أحد الزوجين تلبيتها لزوجه.

في هذه الحالة؛ أمام الزوج عدة خيارات تتوقف على مدى قيمة وأهمية مطلبه؛ وهل يمكن التجاوز عنه أو جزء منه أو تعديله أو الإصرار على طلبه؛ وإن لم يلب الزوج فله الحق في الطلاق، نحن أمام حالة زواج تمت دون تقييم وزواج عفوي دون قرار وحياة زوجية انغلق كل زوج على نفسه، وفجأة اكتشف أنه يعيش مع شخص لم يعرفه رغم مرور 10 سنوات وإنجاب 3 أولاد. بالتالي لا يعرف أي منهما مدى قيمته عند زوجه ولا قيمة زوجه لديه.. علاقة ضبابية.

2 - ضرورة الإسراع بحلها:

إن استمرار العلاقة بين الوالدين -ولا أقول الزوجين لأن الذي يربطهما هو فقط العقد الشرعي ولكنهما لا يحييان حياة

زوجية- على هذا النحو يمثل عبئا نفسيا؛ ما يؤدي بها إلى حالة من الاضطراب النفسي، وقد يتطور الأمر إلى اكتثاب؛ أو اتخاذ قرار انفعالي بالطلاق!

3 - طريقة الحل:

على كلا الزوجين أن يقوم بالخطوات التالية. ويجب أن تتم وهما في حالة عادية: بعيدا عن أي مؤثرات طارئة على حالتهما النفسية؛ فيجب ألا يكونا مبتئسين ولا مبتهجين: ويجب أن يخلص كل منكما النية لله ويقرأ ما تيسر من القرآن: ثم يصلي ركعتين طلبا للهداية والدعاء بالتوفيق؛ ويجلس بعيدا عن أي مؤثرات تشتت تفكيره: ويفكر بعمق في كل خطوة من الخطوات التالية:

يسأل نفسه: ما الحد الأدنى الذي يجب أن يتوفر في زوجي -وأؤكد الحد الأدنى- حتى أحيا حياة زوجية طيبة: وإن لم يتحقق فالطلاق هو الحل؟ وما الحد الأقصى الذي يمكنني أن أتحمله من زوجي وأن أتعايش معها والذي يمكن تحديده من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية:

ب- بيان بتوصيف دفيق لإيجابيات وسلبيات زوجي:

أسترجع مسيرة حياتنا الزوجية: وأكتب في ورقة إيجابيات زوجي كزوج: وفي ورقة من أهم أسباب التوافق الزوجي تحديد الصورة الذهنية لسمات الزوج ثم إدارة الفجوة بين المأمول والواقع أرتب كلا من الإيجابيات والسلبيات تنازليا (القيمة الفضلى إيجابيا فالأقل: وكذلك السلبية الأكثر ضررا لي ثم الأقل وهكذا، وأراجع..

ج- تحديد الفجوة بين ما يرضيني والواقع:

- مقارنة الصفات التي أشترط أن تكون بزوجي في (أ) بالإيجابيات في (ب): فإن وجدت كلها فلله الحمد، وإن لم تتوافر كلها فنسجل الإيجابيات التي يجب أن يتحلى بها زوجي.

- مقارنة السلبيات التي يجب ألا تكون بزوجي في (أ) بالسلبيات التي في (ب)، فإن لم توجد فلله الحمد وإن وجد بعضها فنسجل السلبيات التي يجب أن يتخلى عنها زوجي.

د- اتخاذ القرار المشترك (خطة إصلاح - انفصال - طلاق):

إن كانت المحصلة توافر الإيجابيات الأساسية التي اشترطت أن تكون متوافرة في زوجي وقد عافاه الله من السلبيات التي اشترطت عدم توافرها فيه فأسجد لله حامدا شاكرا وأبحث في كيفية تطوير العلاقة الزوجية، (وهذه إن شاء اللّه نتناولها في حلقة أخرى).

المحصلة قائمة بإيجابيات يجب أن يتحلى بها زوجي وسلبيات يجب أن يتخلى عنها زوجي حتى يمكن لي أن أستمر في هذا الزواج.

ثم يجلس الزوجان وأمامهما قائمة بالإيجابيات التي يجب توافرها فيهما والسلبيات التي يجب أن يتخليا عنها؛ فإن تعاهدا على ذلك فالله وليهما، وعليهما أن يتبعا برنامج تعديل سلوك (وإن شاء الله نتناول ذلك لاحقاً)؛ وإن أصر أحدهما على البقاء على حالته. فأنصح أن يتفقا على الانفصال وليس الطلاق.

الانفصال:

وفيه يظل العقد قائماً بين الزوجين، ويرتبان أمورهما كأنهما قد تطلقا فتظل الزوجة مع الأولاد بالمنزل، ويستقل الزوج

بسكن خاص؛ لمدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد على 6 أشهر. وفي نهاية الفترة يعيد طرح الأسئلة السابقة؛ فإن وجد أنه:

- اكتشف إيجابيات في زوجه لم يكن يدركها.

- أو بالغ في سلبيات زوجه وأنه يمكن التعايش معها.

- أو يكتشف أن سلبيات الطلاق أضخم من سلبيات زوجه.

فحينها يقول: الحمد للّه. وعليه أن يعود لزوجه؛ ليبحثا معاً في كيفية تطوير العلاقة الزوجية.

أما إذا أصر أي منهما على موقفه؛ أو وجد أن الانفصال أقل ضرراً من استمرار الزواج. فلله الحكمة البالغة: فالطلاق هو الحل والله يعوضهما خيراً.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين