لوَدَدْت أنّي عشت عَيْشَ الأغبياء



حينما أقرأ تعليقات العقلاء على جريمة الأمس الفظيعة التي ارتكبتها داعش أكاد أرى الألم والأسى والحسرة تتفجر من بين كلماتهم مخلوقاتٍ حيةً ثلاثيةَ الأبعاد. أناسٌ تتفطّر قلوبهم من هول الجريمة ويقتلهم الغمّ وهم يتساءلون: أيصنع ذلك مسلمون؟ ثم أقرأ تعليقات أنصار داعش على الجريمة نفسها فأراهم في دنيا أخرى، لا هَمّ ولا غَمّ ولا حسرةَ ولا ألم، بل هو الرضا والبهجة بانتصار الإسلام وارتفاع راية الدولة الإسلامية بعد طول غياب.
عندما أرى ذلك كله أرثي للعقلاء وأغبط المغفلين. أتذكّر قول الحكماء:"ضعفُ العقل أمانٌ من الغم" وقولهم: "ما سُرّ عاقل قط"، وأكاد أهتف مع الهاتفين:

 

مَن لي بعيش الأغبياء فإنّه *** لا عيشَ إلا عيشُ من لا يعلم


ما أرى ابن نباتة السعدي روى ذلك البيت إلا في أنصار داعش، وفيهم قال البحتري:


أرى العقلَ بؤساً في المعيشة للفتى *** ولا عيشَ إلا ما حَباك به الجهلُ


ولكن لا؛ لا بارك الله في راحة في الدنيا تعقبها حسرةٌ في الآخرة، ولَشقاءُ العمر في مكابدة بهائم داعش أهون من موقفٍ بين يدي الله يَسأل الرجلَ فيه: لماذا عطّلتَ عقلك الذي أنعمت به عليك وميّزتك به عن البهائم والدواب وسائر المخلوقات؟ سيقول: يا ربّ، وقعت في هوى داعش. فيقول المولى عز وتبارك: الحقْ في النار بمن عاديتَ أوليائي في هواه.
* * *
يا أيها العقلاء: هذا قدَركم، أن تَشْقوا بعقولكم وسط المجانين الفرحين بجرائم داعش وأهوالها، أمّا جدال أولئك القوم فاتركوه منذ اليوم، ففينا وفيهم أطلق المتنبي حكمته المشهورة:


ذو العقل يَشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجَهالة بالشّقاوة يَنعَمُ
ومن البليّة عَذلُ من لا يَرعَوي *** عن غيّه وخطابُ من لا يَفهمُ

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين