لماذا يصوم مَن لا يصلّي؟

هذه ظاهرة يلاحظها الكثير من الناس في بلادنا، وهي أنّ الكثير ممَّن لا يخشى الله من "المسلمين" ولا يسجد له تجده حريصا على عدم تفويت صيام رمضان، مع أنّ الصلاة والصيام فريضتان من الله عز وجل، مع أولوية الصلاة ومركزيّتها في الدين، ورغم معرفته بذلك فهو مداوم على ترك الصلاة مع صيامه في رمضان، فما السرّ في ذلك؟

السبب في نظري هو أنّ الصيام يختلف عن الصلاة في كونه فريضة مرتبطة بعادات وتقاليد اجتماعية، تحضر فيها الرقابة المجتمعية بشكل طاغ، ويبدو من لا يصوم كمن يرتكب عارًا مجتمعيًا يستحق عليه اللوم والتقريع، ومن هنا فإنّ معظم الناس يفضّلون الانسجام مع مجتمعاتهم وتقاليدها، وهو ما يجعله ينصاع لفريضة الصيام. أضف إلى ذلك أنّ الصيام مصحوب بمجموعة من الأجواء الموسمية التي باتت في عقل كل مسلم (حقيقي أو على الهُوية) ذكريات جميلة يجد متعةً في عودتها كل عام وممارستها، ولا يحب أن يكون خارج هذه "اللعبة" التي يمارسها الجميع!

أما الصلاة، فهي كلّها إيمان، ولهذا سمّاها الله في كتابه إيمانًا فقال في شأن القِبلة: {وما كان اللهُ ليُضيع إيمانَكم} أي: صلاتكم. ومعظم المسلمين الذين يصلّون يمارسون معظم صلواتهم بشكل فردي بعيدًا عن أعين المجتمع؛ وذلك لطبيعة الحياة المعاصرة التي لا تسمح لجميع الناس بالحضور إلى المسجد في جميع الصلوات، ومن هنا فالمواظبة عليها مرتبطة بوازع ذاتي.

وفي الصلاة يتجرّد المسلم من جميع علائق الدنيا، فجميع جوارحه ورغباته مُعطّلة: لا يأكل ولا يشرب ولا يلتفتُ ولا يمشي ولا يضحك ولا يستمع إلى شيء ولا ينظر إلى شيء ولا يشغل يده في شيء، فهي توحيد محض وعبوديَّة خالصة لله. ومثل هذه الفريضة لا يحرص على المداومة عليها في الغالب – منفردا أو في جماعة – إلا إنسانٌ وقر الإيمان في قلبه. وفضلا عن ذلك، فهي تحمل طابع المداومة اليومية خمس مرات بخلاف الصيام الذي هو عبادة موسمية.

ومما يؤكد ذلك أنّه حين دار الزمان دورته وجاء رمضان مجددًا في أيام الصيف الطويلة الحارّة وجدنا الكثير من هؤلاء يتركون الصيام أيضا، وذلك لأنه مرتبط عندهم بتقاليد اجتماعية أكثر من ارتباطه بالدافع الديني، وهذه التقاليد ليست من القوة بحيث تدفعهم إلى مكابدة الصوم الطويل في الأيام الحارة.

وكذلك تجد بعض هؤلاء يزكّون ولا يصلّون، فالزكاة أيضًا ترتبط بعلائق الناس، وترتبط كذلك بفضيلة الكرم، وهي خصلة أخلاقية يحبّ الناس الانتساب إليها ويحبّون العطف على الفقراء، خصوصا في مجتمعاتنا العربية الكريمة، ويشعرون في دخيلة أنفسهم بالراحة حين يؤدونها، وبالخجل ولوم الذات من عدم إخراجها.

ولهذا فإذا كنتَ من هؤلاء الذين يصومون ويزكّون ولكنّهم لا يقيمون للصلاة وزنًا، ولا يسجدون لله سجدة إخلاص؛ فاعلم أنّ في القلب خللا عظيما، إذ السلوك الظاهر يحصل بدافع داخلي ينطلق من القلب ويظهر على الجوارح. فإذا كنت تعلم أن الله لم يعظّم فريضة من العبادات مثلما عظّم الصلاة، وكنتَ مع ذلك تاركًا لها غير آبهٍ بها ومُعظّما مع ذلك فرائض أخرى أقلّ منها؛ فاعلم أنّ الخلل يكمن في دوافعك، وأنّ القلب مُدنَفٌ ولا علاج له إلا بالتوبة والإنابة إلى الله.

*إضافة: فائدة المنشور هي دفع من يصوم ولا يصلي إلى المداومة على الصلاة، وأن يسجد لربه ويدعوه ويتذلل إليه تائبا عما فات من عمره بغير صلاة. وليس من المنطقي أن يستنتج أحدٌ أن هدف المنشور هو دعوة من يصوم ولا يصلي إلى ترك الصيام! فهذا استنتاج عجيب ولم أشر إلى شيء منه في المنشور.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين