لماذا يسيئون إلى نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم .؟! وماذا يجب علينا .؟!

د. عبد المجيد البيانوني

عضو رابطة العلماء السوريين

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، نبيّه المصطفى ، ورسوله المجتبى ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد ؛ يقول الله تعالى : « إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ، وأعدّ لهم عذاباً مهيناً (57) » الأحزاب .
بين الحين والآخر يستيقظ العالم على ضجّة توقظ النائم ، وتحرّك الساكن ، وتستفزّ المشاعر .. والمستهدفون دائماً هم أمّة الإسلام بقيمها ومقدّساتها ، من أدنى الأرض إلى أقصاها ..
موجات متلاحقة ، متقاربة متجاورة ، لا تكاد تهدأ موجة ، حتّى تثور أخرى ، وموجة اليوم إساءة وقحة لمقام خير الأنبياء والمرسلين ، خاتم النبيّين ، وسيّد الأوّلين والآخرين ، المبعوث رحمة للعالمين ، له من الله أزكى الصلاة وأتمّ التسليم ..
فلماذا هذه الاعتداءات الوقحة على مقدّسات الأمّة وقيمها .؟ وماذا ووراءها .؟
لماذا هذه الهجمة الشرسة ، التي لا تكاد تنتهي إلاّ لتبدأ ، ولا تكاد تنسى حتّى تثار من جديد .؟! لماذا يسيئون إلى نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم .؟! وماذا يجب علينا .؟!
وللإجابة عن ذلك لا بدّ لنا أن نعي جملة حقائق :
ـ ينبغي أن نعلم أوّلاً أنّ هذه الإساءات الوقحة ليست تصرّفات فرديّة عفويّة ، وإنّما هي خطّة ممنهجة ، تقف وراءها جهات مسئولة متعدّدة ، تدفعها وتؤيّدها ، وتموّلها وتدافع عنها ، ولها أهدافها الدينيّة والسياسيّة ، القريبة والبعيدة .. وكلّ ما جرى سابقاً ، ويجري الآن يؤكّد هذه الحقيقة ويؤيّدها ..
ـ وينبغي أن نعلم أيضاً أنّ هذه الإساءات لمقدّسات الأمّة وقيمها ليست جديدة ولا معاصرة .. إنّها قديمة قدم هذه الدعوة الربّانيّة ، وتلك سنّة الله في أنبيائه ورسله .. أن يبتلوا بالأراذل الأشرار ، وأن ينالوا منهم أسوأ الأذى والإساءات ، ثمّ تكون العاقبة لهم : « كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي ، إنّ الله قويّ عزيز (21) » المجادلة ، « سنّة الله في الذين خلوا من قبل ، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً (62) » الأحزاب .
ـ إنّهم بهذه الإساءات لمقدّساتنا يريدون أن يقيسوا نبض عواطفنا ، ومدى حساسيتنا من انتهاك مقدّساتنا ، ومدى انتصارنا لها .. كما تفعل إسرائيل بانتهاك حرمات المسجد الأقصى بين الحين والآخر ، وانتهاك حرمات المساجد على وجه العموم ..
ـ وهم يريدون أن يشتّتوا انتباهنا ، ويضعفوا قوانا ، ويشغلونا عن معارك أخرى ، وانتهاكات لحرمات الأمّة كبرى ، في شرق الأرض وغربها ، ممّا يجري من مذابح في سورية وفلسطين ، وبورما وأفغانستان ، وغيرها .. ويقع تحت سمع العالم وبصره .. والمجرمون الكبار يمدّون عملاءهم بالمال والسلاح ، وكلّ أنواع الدعم والتأييد ..
ـ لماذا نستغرب ما يقع من هؤلاء .؟! وهل ينتظر غير ذلك من السفيه .؟! فكلّ إناء ينضح بما فيه .. إنّهم يعبّرون عن مستوى حضارتهم ، التي هي عنصريّة بامتياز ، ومنحطّة أخلاقيّاً ، لأنّها لا تعرف إلاّ أخلاق اللذّة والمنفعة ، ولا تدور اهتماماتها إلاّ حول شهوات البطن والفرج .. وهي توظّف كلّ القيم النبيلة ، التي تدّعي التمسّك بها والانتصار لها .. توظّفها بطريقة انتقائيّة متحيّزة لتكون في هذا الفلك ، الذي يخدم استكبارها في الأرض ، وهيمنتها على الأمم والشعوب ..
فأين دفاعهم عن حقوق الإنسان الذي يدّعونه .؟! وقد ثارت ثائرتهم ولم تهدأ ، وقامت قيامتهم ولم تقعد ، وحرّكوا قوّاتهم لمقتل بعض رجالهم بطريق الخطأ ، ولم تتحرّك ، لما يجري من مذابح في سورية ، على مرأى منهم ومسمع .. بل يتواطئون على قتل خمسين ألفاً من أطفال سورية ونسائها ورجالها ، وتشريد مئات الألوف منهم خارج وطنهم ، وملايين آخرين داخله .. فأين دفاعهم عن حقوق الإنسان وانتصارهم له .؟!
إنّهم يعبّرون عن إفلاسهم الأخلاقيّ والحضاريّ ، ويوظّفون هذه المواقف لخدمة مشروعهم التغريبيّ ، الذي يريدون التسلّط به على أمّة الإسلام ومقدّراتها ، بدعوى حرّيّة الرأي والتعبير ، وأنّ قوانينهم تحترمها ولا تتدخّل فيها ، وأنّها كما زعم قائلهم « خطّ أحمر .! » .. فأين حرّيّة الرأي والتعبير لمن أراد أن يشكّك « بالمحرقة اليهوديّة » إن كانوا صادقين .؟!
إنّ حرّيّة الرأي والتعبير التي يتشدّقون بها أكذوبة كبرى من أكاذيبهم ، التي يبرّرون بها العدوان على الآخرين ، ويشهرونها سلاحاً في وجوه المخالفين ، ويتجاهلونها ، ولا يبالون بها عندما تدينهم ، وتخالف مواقفهم ..
ولنقارن مقارنة سريعة بين ثقافتهم وحضارتهم ، وبين ثقافتنا وحضارتنا ، إذ يأمرنا الله تعالى بنصّ كتابه المبين أن نعدل مع عدوّنا كما نعدل مع أهلينا وذوينا ، يقول الله تعالى : « يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله ، شهداء بالقسط ، ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتّقوا الله ، إنّ الله خبير بما تعملون (8) » المائدة ، ويقول سبحانه : « ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله ، فيسبّوا الله بغير علم .. (108) » الأنعام .
لقد فضح الله تعالى دخائل هؤلاء منذ أربعة عشر قرناً فقال سبحانه : « ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفّاراً ، حسداً من عند أنفسهم ، من بعد ما تبيّن لهم الحقّ ، فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي الله بأمره ، إنّ الله على كلّ شيء قدير » ، ويقول تعالى : « يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ، ودّوا ما عنتم ، قد بدت البغضاء من أفواههم ، وما تخفي صدورهم أكبر ، قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون (118) ، ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم ، وتؤمنون بالكتاب كلّه ، وإذا لقوكم قالوا : آمنّا ، وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ ، قل : موتوا بغيظكم ، إنّ الله عليم بذات الصدور (119) » آل عمران .  
نعم ، نقول لهم كما أمرنا ربّنا : « موتوا بغيظكم ، إنّ الله عليم بذات الصدور » .
رسائل الأغبياء المسيئين ورسائلنا :
* رسائل الأغبياء المسيئين :
أنتم ضعفاء مستضعفون .. نستطيع أن نوجّه شراعكم متى نشاء ، وكما نشاء ..
الشرق شرقٌ ، والغرب غربٌ ، ولا يلتقيان ..
هذه حرّيّتنا ، نقول ما نشاء ، ونفعل ما نشاء ..
لا قيم عندنا ، ولا مقدّسات .. إلاّ المادّة ، وكلّ ما كان منها بسبب ..
لا يجمع بيننا وبينكم إلاّ النفاق ، لتحقيق المصالح والمكاسب ..
* رسائلنا إلى الأغبياء المسيئين :
شتّان بين حضارة البناء والعلم ، وحضارة التضليل والشتم ، وحضارة الآداب والقيم ، وحضارة العدوان والهدم ..
السبّ والشتم بضاعة المفلسين المتخلّفين .. والحضارة التي تحمي الأغبياء ، لا تكون إلاّ حضارة متخلّفة غبيّة ..
« قد نعلم إنّه ليحزنك الذي يقولون ، فإنّهم لا يكذّبونك ، ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون » .
« إنّا كفيناك المستهزئين » . « ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين » .
وأمّا الجواب عن السؤال : وماذا يجب علينا .؟! فذاك حديث آخر ، له أهمّيّة تفوق هذا الموضوع ، وينبغي أن يستحوذ على مساحة مناسبة .. لأنّ موقفنا الإيجابيّ الحكيم ، يبطل مكر عدوّنا وكيده ، ويحبط خططه وأهدافه .. « وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون » . وكتبها عبد المجيد البيانوني عضو رابطة العلماء السوريّين .


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين