لماذا يجب على جيش الإسلام وقفُ قصف الشام

 

لسبب واحد: "لأنّ خسائرَ العملية أكبرُ من مكاسبها"، وأي عملية عسكرية تفوق خسائرُها مكاسبَها فإن العقل والشرع يوجبان الإعراضَ عنها والبحثَ عن خطة أخرى غيرِها تكون أقربَ إلى تحقيق المصلحة. ليس هذا رأياً شرعياً فقط، بل هو أيضاً قرار عسكري لن يتردد في اتخاذه أيُّ قائد محترف.

 

على أن ننظر إلى المكاسب والخسائر نظرة إجمالية جامعة ولا نركز على الجانب المادي أو البشري فقط، فلو أن جماعة من المجاهدين في الغوطة المحاصَرة هاجمت نقطة عسكرية للعدو فقُتل منه عشرةٌ واستُشهد من الثوار ثلاثة فقد يبدو أن الميزان يميل لصالح هذه العملية، ولكن القائد المسؤول عنها سيصل إلى نتيجة عكسية عندما يقارن بين قيمة ثلاثة مجاهدين في الغوطة المحاصَرة يصعب تعويضهم وعشرة من جنود النظام يمكن تعويضهم أضعافاً مضاعفات. على أن هذا القائد نفسَه سيجد أن الميزان يَرْجح لصالح عملية قد يفقد فيها المجاهدون عشرات الشهداء، ولو لم يفقد النظام من عناصره إلا أقل القليل، إذا كانت نتيجة العملية فتحَ ثغرة في الحصار تدخل عبرَها كمياتٌ عظيمة من الأغذية والأدوية والأسلحة والذخائر.

 

*   *   *

 

إذا نظرنا إلى عملية قصف دمشق التي أعلن عنها جيش الإسلام سنجد أن الخسائر التي يُتوقَّع أن يصاب بها النظام ستكون محدودة جداً، بسبب انتشار مواقعه واختلاطها بمواقع المدنيين، وبسبب ضعف القدرة التدميرية لصواريخ وقذائف المجاهدين وافتقارها إلى الدقة الكاملة. بالمقابل نتوقع أن تكون خسائر المدنيين كبيرة، ليس بسبب قذائف الثوار التي يُتوقَّع أن تصيب بعض الأهداف المدنية بالخطأ، وإنما بسبب خبث النظام واعتماده على الأساليب القذرة في الحرب، حيث يكاد يكون مؤكداً أنه سيستغلّ عمليةَ جيش الإسلام وأمثالَها من العمليات لخلط الحابل بالنابل، فيقصف أهدافاً مدنية بحتة (كالمدارس والمساجد ومحطات الوقود) ويتهم بها المجاهدين.

 

لقد انتبه قائد جيش الإسلام إلى هذا الاحتمال الخبيث وحذّر منه في بعض تغريداته أمس، ولكن التحذير لن يمنع الجريمةَ التي يُنتظَر أن يُقْدم عليها النظام وينسبَها إلى جيش الإسلام. ومهما كانت القوة الإعلامية التي يملكها المجاهدون فلا بدّ أن تتفوق عليها قوةُ إعلام النظام في حالات كثيرة، فيفقد المجاهدون جزءاً مهمّاً من حاضنتهم الثورية التي يحتاجون إليها اليوم، وسيحتاجون إليها غداً عندما يأتي الوقت المناسب لفتح معركة العاصمة الكبرى والحاسمة بإذن الله.

 

عندما يأتي هذا اليوم ويكون القصف والاقتحام جزءاً من خطة شاملة مُحْكمة لإسقاط النظام فلن يستكثر أحدٌ الخسائرَ مهما بلغت، ولو بلغت آلافاً من المدنيين ومن المجاهدين. سنقول يومها إن المكاسبَ العظيمة أكبرُ من الخسائر الجسيمة، فإن النصر الكبير يحتاج إلى كرائم التضحيات.

 

*   *   *

 

ليست هذه هي المرة الأولى التي يعلن المجاهدون فيها عن استهداف دمشق بالقصف، ولا دمشقُ هي الأولى التي يستهدفونها بقذائفهم أيضاً، فقد سبق لمجاهدي الغوطة أن صنعوا ذلك في بعض الأوقات، وصنعت مثلَه كتائبُ حلب في أوقات كثيرة، وفي الحالات كلها كانت خسائرنا (المادية والمعنوية والإعلامية) أكبرَ من خسائر النظام.

 

فإذا كانت عمليةُ القصف المعلَنة اليوم جزءاً من عملية كبيرة غير معلَنة، لها هدف كبير يسوّغ ما نتوقعه فيها من خسائر، فعندئذ نقول: امضوا ونحن معكم في المنشَط والمَكرَه. أما إذا لم تكن كذلك فلا تكرروا الخطأ نفسه يا أبطال جيش الإسلام، بل ابحثوا عن وسائل أذكى وأكثر كفاءة للرد على جرائم النظام والإثخان فيه. حماكم الله وألهمكم أصوبَ قرار وأحكمَه، وحفظ أهلَنا في الغوطة المحاصرة من كل شر وآمَنهم من كل خوف وعافاهم من كل بلاء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين