لماذا تطلقون على غير المسلم اسم كافر؟ (7-17)

السؤال: 

من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: لماذا يسيء المسلمون إلى غير المسلمين بتسميتهم كفارًا؟

الجواب:

هذه التسمية ليست من عند المسلمين، وإنّما هي من عند اللهِ -سبحانه وتعالى- خالقِ الناس جميعًا، وقد سمّى بها مَنْ لم يؤمن به وبرُسُله عليهم الصلاة والسلام وما جاؤوا به من الحقّ، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}[التغابن:2]، وبيان معنى هذه الكلمة وإطلاقاتها فيما يلي:

معنى كلمة "كافر: في اللغة العربية:

كلمة كفر وكافر في لغة العرب مشتقّة من الأصل "كَفَرَ"، ومعناها التغطية والستر، فيقولون: كَفَر الرجلُ متاعَه أَي حفظه في وعاءٍ وغطّاه، ويقال للزرّاع: كفّار؛ لأنّهم يغطّون البذر بالتراب، قال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20]، وكفّر عن ذنبه: غطّاه بفعل حسن يستره ويذهب أثره.

ومن معاني الكفر: الجحود والنكران، وعدم الإيمان؛ لأنّ في ذلك سترٌ وتغطيةٌ للحق ورفضُ اتّباعه.

معنى كلمة "كافر" في الاصطلاح الإسلامي:

استخدمت كلمة كافر في الاصطلاح الإسلامي للدلالة على من لم يؤمن بربّه سبحانه وتعالى ويسلّم لأمره؛ فالكافر يغطّي الحق ويجحده ويستكبر عن الاستجابة له.

قال تعالى عن إبليس: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين}[البقرة:34] أي من الجاحدين المعاندين لأمر الله.

وإنكار البعث بعد الموت كفرٌ وجحودٌ لهذه الحقيقة الواضحة، قال تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُون}[الأعراف:45]

وقال سبحانه مخاطبًا بني إسرائيل: {وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُون}[البقرة:41].

ويقول سبحانه مخاطبًا الكافر يوم القيامة: {بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِين}[الزمر:59].

وكلُّ قوم أُرسل لهم رسول فلم يؤمنوا به فهم كفّار، قال تعالى: {إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُون}[فصلت:14]

أمّا بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فقد أصبح هذا الاسم يطلق على كلِّ مَنْ لا يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ الله جعله خاتم الرسل، وأرسله للناس كافّة، وأمرهم باتباعه والإيمان به، قال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم  أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِين}[يونس:1-2].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ؛ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) رواه مسلم.

كفر النعمة:

من أنواع الكفر -والتي قد تحصل من المسلم أيضًا- كفر النعمة، ومعناها: جحد نسبة النعمة إلى الله تعالى، وعدم شكره عليها باللسان والفعل، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [النحل: 112]. وهذا الكفر يسمّى كفرًا أصغر؛ فهو ذنب عظيم وسوء أدب مع الله تعالى، لكنّه لا يُخرج المسلم من دائرة الإسلام.

الكفر بالطاغوت: 

المسلم مأمور بإفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، لذا فهو مأمور بالكفر بكلّ ما يُعبد من دونه؛ لأنّ عبادتهم باطلة، قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[البقرة:265].

الدلالات الشرعية لمصطلح: "كفر" و"كفّار":

يستخدم مصطلح: "كفر" و"كفّار" في نصوص القرآن والسنّة: لبيان عدد من الأمور المهمّة، منها:

1- بيان الحدّ الفاصل بين الإسلام وغيره، فالإسلام هو الدين الحقّ الذي ارتضاه الله للناس جميعًا، وهو الذي تكون به السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة؛ وحتى يحصل ذلك لا بدّ من بيان حدوده، وما يكون منه وما يكون خارجًا عنه، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين}[آل عمران:85].

2- بيان الأعمال التي تُخرج الإنسان من الإسلام؛ حتى يحذر منها المسلم ولا يفعلها.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا  أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}[النساء:150-151] فمن يجحد نبوّة نبيّ واحد من الأنبياء ممن ذكرهم الله في القرآن فهو كافر؛ لأنّه مكذّب لله تعالى.

وقال تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}[البقرة:102] فمن تعلّم السحر الذي يكون به استعانة بغير الله فقد كفر.

3- بيان الموقف من الذين لا يؤمنون بالإسلام، وطريقة التعامل معهم، فمن ذلك: 

 الحكم على عدم صحّة شرائعهم بعد نسخها بالإسلام.

 الحكم على عقائدهم الباطلة المخالفة للحق الذي جلّاه الإسلام.

 البراءة منهم ومما يعبدون من دون الله.

 دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلتهم بالتي هي أحسن.

 معاملتهم بحسب أحوالهم كما قال تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين  إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}[الممتحنة:8-9].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين