لماذا بني الإسلام على هذه الأركان الخمسة؟

أطفالنا والعبادة (16)

لماذا بني الإسلام على هذه الأركان الخمسة؟

بقلم: د. عبد المجيد أسعد البيانوني

 

إنّه سؤال قَد يَرد على فكر الإنسان فلا يَعلم له جَواباً، وحدّثني بعض الإخوة المعلّمين أنّه سئل هذا السؤال من قبل بعض طلاّبه، فلم يستطع أن يقدّم الإجابة المقنعة المناسبة.. والحَقّ أنّه هذه الأركَان الخمسة أركان جامعة للدين كلّه، وكلّ ركن منها بمثابة باب من أبوَاب الإسلام، مَن دخله دَخل إلى جانب منْ هذا الدين وأحكامه وآدابه، ومن عطّله عطّل جانباً من الدين بمَا فيه من أحكَام وآداب..

 

فإعلان الشهادتين أصلٌ لأركان الإيمان، ومَا يتّصل بهَا منْ حقائق الإيمان القَلبيّة، من حبّ الله وَخشيته، والإنابة إليه والتوكّل عليه، والخوف منْه والرجَاء، والشوق والرضا، وما أشْبه ذلك..

وركن الصلاة أصل عَمليّ لتحقيق الصلة بين العبْد وربّه، وعبادة الله تعالى، التي هي حَقّ العبوديّة على العباد: أنْ يعبدوا الله ولا يشرِكوا به شَيئاً، والصلاة هي الترجمة العملِيّة لركن الشهَادتين، ومن ثمّ فقَد كانتْ عماد الدين، مَن أقَامها فقدْ أقَام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين.. ويدخُلُ في الصلاة، وجزء منها: الذكر والدعَاء وتلاوة القرْآن..

 

وركن الزكاة أصلٌ لتَحقيق الصلَة بيْن الإنسان وأخيه الإنسَان، وهي الصلةُ التي أراد لها الإسلامُ أن تقوم على المودّة والرحْمة، والتعَاطف والتعَاون، وأن يحبَّ المؤْمن لأخيه المؤمن ما يحبُّ لنفسه، ويكره له مَا يكْره لنَفسِه، وأنْ يشعرَ بحاجات المسْلمين، ويسعى في مَصالحهم، ويؤدّيَ حقوقَهم، ويكفّ الأذى عنهم..

 

وركن الصوم أصلٌ لتهْذيب النفس َوتربية الضمير، ورقيّ الروح، وإعطائها حقّها من العبادة، وذوق لذّة الطاعة، وهو أصل لهذه المعاني، كما أنّه يتّصل بحقائق الإيمان اتّصالاً وثيقاً؛ فرمضان شهر الصبر، وشهر الشكر، وترقّي المؤمن في معارج التقوى.

 

وهذه الأركان الثلاثة تجمع من جهةٍ أخرى أنواع الحقوق، التي تتّصل بحياة الإنسان؛ فحقّ الله على الإنسان يتمثّل بالصلاة، وحقّ الإنسان على أخيه الإنسان يتمثّل بالزكاة، وحقّ الإنسان على نفسه، أو حقّ نفسه عليه يتمثّل بالصوم..

 

وركن الحجّ يعدّ عبادة جامعة، ففيه التنسّك والتعبّد، والذكر والدعاء، بما يشبه الصلاة، وفيه بذل المال وإنفاقه في سبيل الله، بما يشبه الزكاة، وفيه تهذيب النفس، ورقيّ الروح بما فيه من صلة بالله تعالى، وتجرّد عن الدنيا وما فيها بما يشبه الصيام.. ويزيد الحجّ عن ذلك كلّه أنّه عبادة على مستوى الأمّة كلّها، وهو أصل للجهاد في سبيل الله تعالى واجتماع المؤمنين على نصرة دينهم، وفعل الخير، والتعاون على البرّ والتقوى..

وفي كلّ ركن من هذه الأركان حظّ ممّا في الأركان الأخرى، ولكنّ الجانب الذي أشرت إليه أبرز فيها من غيره وأظهر؛ فالصلاة فيها تواصل بين المؤمنين، كما في صلاة الجماعة، وفيها تهذيب للنفس كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: ] وَأَقِمْ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) [ العنكبوت.

 

والزكاة فيها الصلة بالله تعالى، إذ هي عبادة تؤدى بنيّة التقرّب إلى الله تعالى وابتغاء مرضاته، وفيها جانب نفسيّ، وهو تطهير نفس المزكّي، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: ) خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم، وتزكّيهم بها.. ( التوبة.

 

والصيام فيه الصلة بالله تعالى، إذ هو عبادة خفيّة عن الخلق، تؤدى بنيّة التقرّب إلى الله تعالى وابتغاء مرضاته، وفيه الصلة بالآخرين، إذ يصوم المؤمن مع الناس، ويفطر معهم، فيحسّ بانتمائه للأمّة، وحال إخوانه من الفقراء والمساكين، فتمتدّ يده بالإحسان إليهم..

 

وأهمّ النتائج التي نخلص إليها أنّ من أتقن هذه الأركان، وأدّاها بأحكامها وحدودها، وسننها وآدابها أتقن إسلامه كلّه، وكانت عوناً له على ذلك، ومن فرّط بواحد من هذه الأركان، فقد فرّط بأنواع كثيرة من الصالحات التي تدخل تحتها، وعرّض إسلامه للخطر.. فمن الخطأ البيّن أن يظنّ ظانّ أنّ الخلل ينحصر في الركن الذي يترك أو يقصّر فيه فحسب، وإنّما كلّ ركن من هذه الأركان يتّصل به من بناء الإسلام وأحكامه ما يشدّ عراه، ويوثّق أجزاءه.. فأتقن أخي المؤمن هذه الأركان، بشروطها وأركانها، وواجباتها وسننها، وحكمها وآدابها، تكن عوناً لك على إتقان إسلامك، وسرّ سعادة أيّامك..

 

وفي ظلّ هذا الفهم لأركان الإسلام الخمسة، وعلاقتها بأحكام الشريعة كلّها، ينبغي أن نفهم الأحاديث النبويّة الشريفة، التي تؤكّد على أهمّيّة التمسّك بهذه الأركان، وأنّ من أقامها دخل الجنّة، ونجا من النار، ومنها ما جاء في الحديث الصحيح عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، وَلا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ ؟ قَالَ: لا، إِلاّ أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ ؟ فَقَالَ: لا، إِلاّ أَنْ تَطَّوَّعَ، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ: لا إِلاّ أَنْ تَطَّوَّعَ، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ). وفي رواية عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلَّم أَنَّهُ قَالَ: (أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم /12/.

 

فعلى الآباء والمربّين أن يلاحظوا في تربية الأطفال على هذه الأركان الخمسة ارتباطها الوثيق بأحكام الإسلام كلّها، كيْلا نرى سلوك الناشئ في مستقبل أيّامه يعاني من التناقُض الصارخ بين موقفه من هذه الأركان، وسلوكه ومواقفه من سائر الأحكام..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين