لعلكم تتقون

" لعلكم تتقون " هذه هي حكمة الصوم و هذه هي النتيجة التي يجب أن يصل إليها الصائم ، و هذا هو الهدف الي يسعى إليه من خلال جوعه و عطشه ، و من صلاته و قيامه و قرباته لله تعالى .


" لعلكم تتقون " هي الغاية السامية التي تحط عندها الرحال و يستريح إليها الصائم القانت ، و هي ملاذ الخائف من الله الراجي عفو ربه و غفرانه .
" لعلكم تتقون " تكون طريقاً لأمل كبير ينشده المجاهد بنصر قريب ، و درباً لمقاتل في سبيل ظلم يرفعه ، أو طاغية يهزمه ، أو عدل يرومه .
كلامي لك أخي المجاهد المقاتل الصابر و انت في هذا الشهر العظيم ، تتنسم نسائمه ، و تجيش في صدرك ذكرياته ، ذكريات انتصارات مضت ، صنعت تاريخاً مجيدا للأمة ، و خطت معالم في الطريق إلى المستقبل المشرق ، نتذكر غزوة بدر الكبرى و قد مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أصحابه ينشدون أموالهم التي سرقتها قريش و نهبتها جيوبهم ، يريدون استرجاعها دون قتال " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ " ، فوجدوا أنفسهم في وسط المعركة و في داخل المعمة ، " إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً " 


دروس كبيرة نأخذها من بدر ، يأخذها القائد و يتعلمها الجندي ، فهذا رسول الله صلى عليه و سلم يعلم الصحابة ، و هو الرسول القائد أن لا يظلم و ألا يعتدي على أحد من جنوده و أن يكون بهم مقسطاً عادلاً ،تحدثنا كتب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يعدل صفوف أصحابه يوم بدر ، وفي يده قدح يسوي بها القوم ، فمر بسواد بن غزية ، وهو خارج من الصف فطعنه في بطنه بالقدح ، وقال : استو يا سواد فقال : يا رسول الله ، أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل ، قال : فأقدني . فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه ، وقال : استقد ، قال : فاعتنقه فقبل بطنه : فقال : ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال : يا رسول الله ، حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك . فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ، هذا هو القائد ، بل هو أعظم و أجل و أكبر قائد عرفته البشرية ، يجد غضاضة أو حرجاً من أن يطلب من أحد جنوده أن يقتاد منه . نعم إنه العدل بين الراعي و الرعية ، و العدل أساس الملك .


فكانت الحرب و كان القتال و كان الاستبسال و كان الشوق الى الجنة ، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة نقلاً عن ابن إسحاق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا ادخله الله الجنة، فقال عمير بن الحمام أحد بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء فقذف التمر من يده وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل .


و انت أيها الأخ المجاهد في غوطة دمشق الجريحة ، و في كل بلدنا الحبيبة ، أطل عليك هذا الشهر العظيم و هذا الهلال القشيب ، أطل عليك رمضان و انت مرابط و انت صابر و انت مجاهد و انت الذي اصطفاك ربك لتكون في عداد من قال عنهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : " عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله و عين باتت تحرس في سبيل الله " ، فاحرص على هذا الشهر و اشغله بالعبادة و الالتجاء الى الله ، فقد تأخر النصر و طالت الأيام ، و كاد أن ينفذ الصبر ، فاغتنم كل ساعة من ساعاته بزيادة تلاوة قرآن و بمضاعفة صلوات ، لا تتأخر عن التراويح و لا تتكاسل عن قيام ليل ، فالصحابة كانوا فرساناً في النهار ، رهباناً في الليل ، جدد العزم ، و صف النية ، و اخلص لله ، و هيأ زاد المعركة الكبرى ، و خفف من ذنوبك ، فكلنا خطاءون و خير الخطائين التوابون ، اللهم تب علينا في هذا الشهر ، و نسأل الله أن تكون فرحتنا بعيد الفطر بين أهلنا و أحبابنا بديارنا ، و ما ذلك على الله بعزيز.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين