لبيكم يا أهلنا في الشام

ألقاها الشيخ د. حسن الجمل من خطباء بلاد الشام بدمشق.

 

ألقيت في مسجد السيدة سارة بجدة ـ البغدادية الغربية ـ السعودية بتاريخ 14/أبريل/2013م.

 

الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً)..

ـ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بالبر والإحسان ونهى عن الظلم والعدوان.

ـ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير نبي اجتباه وإلى هداية العالمين أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد : يا عباد الله : أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وأحثكم وإياي على طاعته ، و أذكر نفسي وإياكم بقوله تعالى :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آل عمران:102}. وقوله جل وعلا : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا] {الأحزاب:71}  .

وقال سبحانه : [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا] {الطَّلاق:4}.

إخوة الإيمان والإسلام:

دعوني أنتقل معكم من الأرض المباركة من بلاد الحرمين الشريفين إلى الأرض المباركة في الشام الحبيبة ، لنخاطب أهلنا هناك بلسان الحال والمقال : سلام الله عليكم يا أهلنا في سوريا الذبيحة وعذراً منكم يا أهلنا في الشام يا أهل الإسلام والإيمان ونحن نعيش معكم بقلوبنا وارواحنا وأحزاننا وآمالنا لحظة بلحظة.

ـ وننظر إلى الواقع الأليم الذي قدره الله لأهل الإيمان في الشام بقوله تعالى : [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ] {البقرة:155}.

فوقع الامتحان والابتلاء بقدر من الله بقيام هذه الثورة على يدي أطفال أبرياء في درعا ليُظهر الله أهل الإيمان على أهل النفاق .

ـ كيف لا والوعد الصدق أن الشام لا يظهر منافقيها على مؤمنيها ، فكيف لأهل الكفر والفجور والإلحاد أن يظهروا على أهل الإيمان والسنة في الشام ، كيف لهم أن يظهروا على أحفاد الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين ، نعم أهل الشام هم أحفاد معاوية وخالد وعمر بن العزبز وبلال ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأحفاد الإمام النووي وابن تيمية وابن الصلاح وغيرهم.

معشر المسلمين:

منذ ألف وأربعمائة عام ونيف كانت عين رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظر إلى الشام وأهلها من المدينة المنورة ، وقد لفت أنظار المسلمين لفتح بلاد الشام منذ معركة مؤتة سنة ثمانٍ من الهجرة ثم غزوة تبوك سنة تسع للهجرة ، ثم حمله أسامة بن زيد سنة احدى عشر للهجرة، وتم فتحها في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى أصبحت حاضرة الإسلام ، وعاصمتها دمشق في عهد الأمويين.

فضائل الشام

عباد الله :

لقد بارك الله أرض الشام من فوق سبع سموات وأنزل الله بذلك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة فقال سبحانه وتعالى : [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ] {الإسراء:1}. وقال تعالى عن إبراهيم الخليل ولوط عليهما السلام : [وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ] {الأنبياء:71}.

وقال تعالى عن عيس وأمه : [وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ] {المؤمنون:50} ).

قال الحافظ بن كثير فيث تفسيره هي أرض الشام هي دمشق.

ـ وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للشام بالبركة ماثلاً فيما رواه البخاري عن ابن عمر (اللهم بارك لنا في شامنا).

ـ وبين منزلة الشام فيما روى البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : يا طوبى للشام ، يا طوبى للشام قالوا يا رسول الله ولم ذلك ؟ قال : تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام.

وبين فضلها في الإيمان فقد أخرج الحاكم والطبراني وصححه الألباني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كأني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فاتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام).

ـ وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن حواله (سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجنده ، جند بالشام ، وجند باليمن وجند بالعراق ، قال ابن حواله : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك فقال : عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه ، يجتبي إليها خيرته من عباده ، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله).

معشر المسلمين:

وحدثنا المحدثون الثقات عن أهل الشام أنها جنة الدنيا وشامتها وعن الغوطة وظلالها وثمارها ، وعن قاسيون جيل الصالحين وشموخه ، وعن بردى وعذوبة مائة وفروعه السبعة وعن هواء الشام ولطفها ومساجدها ومجالس العلم والإيمان والتربية والتزكية فيها ، وعن أهل الشام وسماحتهم وشهامتهم وكرمهم وإيمانهم وبطولاتهم وصبرهم وجهادهم حتى صدحت ألسنة الشعراء مسلمةً على الشام وأهلها ورحم الله أحمد شوقي الذي أنشد قائلاً:

سلامٌ من صبا بردى أرق    ودمع لا يكفكف يا دمشقُ

ومعذرةُ اليراعَةِ والقوافي                جلال الرِزءِ عن وصف يَدِقُ

تكادُ لروعةِ الأحداث فيها   تخالُ من الخرافة وهي صدقُ

إذا رمنا السلامة من طريق  أتت من دونه للموت طرقُ

بليل للقذائف والمنايا                   وراء سمائه خطف وصعقُ

دمُ الثوارِ تعرفهُ شآم                   ويعرف أنه نورٌ وحقُ

بلادُ مات فِتيتُها لتحيا                 وزالوا دون قومهم ليبقوا

وللأوطان في دم كل حر     يدٌ سلفت ودينٌ مستَحَقُ

جزاكمْ ذوْ الجلالِ بني دمشقُ          وعز الشرقِ أولهُ دمشقُ

ـ السلام عليكم يا أهل الشام الأحرار والرجال الأبطال والشهداء الأبرار والحرائر الأطهار.

السلام عليكم يا أطفال سوريا يا من أعطيتمونا الأمل بنصر الله .

ـ السلام عليكم يا أهل الشام في كل لحظة لا تجدون فيها ماءً ولا كهرباءً ولا طعاماً ولا شراباً ولا دِفئاً من البرد ولا دواءً للعلاج.

السلام عليكم وأنتم تعيشون أقصى درجات الفقر والخوف والرعب بانتظار لحظة الشهادة في سبيل الله إما برصاصة قناص مجرم ، أو بسكينة رافضي حاقد ، أو قذيفة من مدفع أو من صاروخ طائش.

السلام عليكم مع كل صرخة لمعتقل أو أسير أو سجين يعذب بسياط الجلادين حتى الموت وهو يقول الله أكبر.

ـ السلام عليكم مع كل صرخة من أم مفجوعة بأولادها أو زوجة رملت من زوجها بتلك المجازر التي لا تعد ولا تحصى وقد قطعت فيها الرؤوس ، وتناثرة فيها الأشلاء.

ـ السلام عليكم يا أهل الشام مع كل دمعة ذرفت من عين يتيم مشرد ضائع ، ولاجئ معذب مقهور جائع ، ومصاب ذهبت بعض أطرافه لا يجد يداً حانية تداوي جراحه .

ـ السلام عليكم يا علماء سوريا الأحرار وتجارها الأخيار ومغتربيها الأبرار وأطبائها الأطهار .

السلام عليكم يا ثوار سوريا الأحرار يا من صمدتم بوجه الاستبداد والطغيان ، تدافعون عن العقيدة والدين والعرض والأرض ، والحرية والكرامة ، وأنتم تواجهون العالم بأسره الذي تواطئ مع عصابة الاجرام المنظم والكفر البواح ، لأن هذا العالم داس على الإنسانية وحقوقها فهو لا يريد سلاماً ولا إسلاماً ولا يريد خلقاً ولا عفة ولا عدلاً .

بل يريد استعمار البلاد واستعباد العباد وسرقة المقدرات .

عباد الله :

وجاء المجرم ابن المجرم مع عصابته مؤيداً بطغيان الشيوعية والإلحاد والمجوسية الرافضة وحزب الشيطان لينشروا الفسق والكفر والإلحاد ، ويعيثوا في الأرض الفساد.

فنشروا الفجور والدعارة والاجرام والإلحاد وكل الموبقات والمحرمات ، وحرسوا أمن إسرائيل وباعوا الجولان ، ثم أسسوا جيشاً عقائدياً باسم المقاومة والممانعة ، فبدل أن يحمي الوطن والشعب سرق أموال البلاد والعباد وحريتهم وانقلب على الشعب الأعزل ظلماً وقتلاً وتعذيباً وتشريداً.

ومنعت الصلاة في الجيش والدوائر الحكومية ومن يقبض عليه متلبساً في صلاته يؤخذ إلى سجون تحت الأرض فلا يرجع بعدها أبداً.

واسسوا منظمات الطلائع والشبيبة والفتوة واتحاد الطلبة والاتحاد النسائي ليسرقوا أولادنا ويربوهم على الاختلاط والعهر والاباحية حتى تنكر الأولاد للروابط الأسرية والاجتماعية.

وصار الجار يخاف من جاره والأب يخاف من أولاده والإمام في المسجد يخاف من المصلين ، وزرعوا الرعب والخوف في قلوب الناس في كل مكان حتى صار المثل الشعبي السائد : لا تحكي يا إنسان الحيطان لها آذان.

وأفسدوا مناهج التربية والتعليم وأبعدوا المعلمات الفاضلات المحجبات عن المدارس وجاءوا بالسافرات الفاجرات والمعلمين الملحدين وهمشوا مادة التربية الإسلامية جانباً.

ـ وغرقت سوريا بالفساد الإداري والمالي والتربوي والاقتصادي والسياسي والعسكري ، وفسد القضاء وفسد الإعلام الذي جر إلى فساد الأخلاق وكل ذلك مرتب له لخراب البلاد.

معشر المسلمين:

وجاءت جريمة حماة في الثمانينات التي سجلها التاريخ لهولها وفظاعتها وتطاير شررها إلى كل المحافظات السورية واكتوى بنارها أهل حلب الكرام .

ـ ثم جاءت مخططات المجوس الرافضة لسرقة أرض الشام باسم المقامات المقدسة التي ابتدعوها ، وسرقوا أرض دمشق وغيرها من المحافظات ، واقاموا الحصون والقلاع والحسينيات لنشر تشيعهم وعقيدتهم الزائفة ، وقاسموا وزارة الأوقاف مال الوقف السني وكل ذلك بمباركة من المجرم المقبور ومن بعده ولده السفاح لعنهم الله في الدنيا والآخرة.

وفي الحسينيات في السيدة زينب فتحت الجامعات التي لا حصر لها في دمشق ، و كذلك بقية المحافظات ، وجيء بطلاب وطالبات من أوروبا وأمريكا وأفريقيا والدول العربية وعلموهم مذهب الرافضة وتخرجوا بعشرات الألاف إلى أنحاء العالم لفتح الحسينيات ونشر مذهبهم الباطل.

أيها المسلمون:

لقد تاه أهل الشام في أرضهم أربعة عقود بين القومية ، والبعثية ، والوطنية ، والاشتراكية والمقاومة والممانعة ،  وهم تجلَدُ ظهورهم بسياط النصيرية الباطنية من أهل الكفر والضلال وما زالوا يسومون أهل السنة سوء العذاب، فهب الأحرار الشرفاء في سوريا يهتفون بالسلمية نابذين الطائفية والعنصرية وراء ظهورهم.

فكانت الثورة السورية بكل أطوارها ثورة حرية وكرامة، ثورة  إيمانٍ وفضائلَ وأخلاق ، حيث انطلقت من بيوت الله بالتكبير والتلبية لله وإذا أذن المؤذن صلى الثائرون في ساحاتهم ، ورفعوا علم الاستقلال بألوانه الأربعة الذي يرمز لونه الأخضر للعهد النبوي والراشدي ، ولونه الأبيض للعهد الأموي ، ولونه الأسود للعهد العباسي ، و نجومه الحمراء ترمز لتضحيات دم الشهداء الذين صنعوا الاستقلال لبلاد الشام.

أيها المسلمون:

وانتفض الشعب السوري المسلم عن بكرة أبيه يقول للطاغية ارحل عن بلاد الشام ، فإنك لست من أهلها ، فتحداهم بالقتل والموت فصرخوا بأعلى أصواتهم : (الموت ولا المذلة) ثم قالوا : (لن نركع إلالله) وهم يلبون قائلين (لبيك لبيك يا الله).

ولا يطلبون العون إلا من الله فقالوا : (ما لنا غيرك يا الله )، وقبل ذلك وبعده يرددون نشيد الإيمان الله أكبر... الله أكبر...ثم نادوا بوحدة الصف للشعب الواحد فقالوا : واحد واحد واحد الشعب السوري واحد.

ما أعظم هذه الثورة بعقيدتها وإسلامها وتضحياتها في قلوب الأحرار الذين رفضوا عبودية العباد ليكونوا عبيداً لله وحده.

وفقد النظام المجرم عقله ووعيه ، ورد بكل صلف وظلم وجور، ورد بكل ما أوتي من قوةٍ وعناد، وعدة وسلاح من الطائرات والدبابات والراجمات والصواريخ والكيماوي التي جمعها من عرق السوريين ولم يحارب بها إسرائيل كما زعم، ولكنه أطلقها على الشعب المظلوم البريء فقتل وشرد الملايين ومثل وسجن واعتقل واغتصب الحرائر وسرق الكثير والكثير.

واعتدى على المقدسات والشعائر الدينية فهدم المآذن وسحق المساجد وداس على المصاحف وبال عليها ، وجعل المساجد معتقلات يغتصب فيها النساء ثم يقتلهم ويشرب الخمر فيها ويعذب فيها المعتقلين حتى سالت دماء المصلين أنهاراً، وانطلقت زفرات الحزن والألم شعراً يصدح بالأفق فقال الشاعر المسلم وفقه الله :

دمُ المصلـيـن فــي الـمـحـراب ينـهـمـرُ          والمسـتـغـيـثـون لا رجـــــعٌ و لا أثـــــرُ

والشامُ في قيدها حسناءُ قد سُلبت               عيونـهـا فــي عــذاب الـصـمـتِ تنـتـظـرُ

هـل جُهـزتْ فـي حيـاضِ النـيـل ألـويـةٌ          هـل فـي العـراق و نجـد جلجـل الخبـرُ

هـل أْجهِشـت فــي بـيـوتِ الله عاكـفـةٌ            كــــلُ الـقـبـائـلِ والأحــيــاءِ والأســــرُ

سـلــوا المـلايـيـن مـــن أبــنــاء امـتـنــا           كـــم ذُبـحــوا و بـأيــدي خـائــنٍ نُـحــروا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين