لا يصنع المبدعين إلا المبدعون!

الدعاة الناجحون، والعلماء النافعون، والمصلحون الحقيقيون، ليسوا من يصنعون في نفوس المتلقين هالةً لأنفسهم - بحجة الاحترام والإكبار وما إلى ذلك-، فيُضعفون شخصية المتلقي، بحيث يصبح تفكيره في نطاق معين لا يمكن له تجاوز الحاجز والجدار الذي وضعه في مُخَيِّلتِه بينه وبين ذلكم الداعية أو العالم!

فتجده إذا تحدث المتحدث من هؤلاء النخبة يعيره سمعَه وقلبَه دون وضع أي (فلترة) أو نقد أو تساؤل؛ بسبب تلكم الهالة والهيبة المزيفة،

فلا يفكر في النقاش واحتمالية الخطأ عند هذا العالم فضلا عن أن يمارس ذلك النقاش عمليا، 

وهكذا يكبر هذا المتلقي بجسدهِ وعمرهِ وذاكرتِه وحفظِه، غير أن شخصيتَه التي وهبه الله إياها لا تزال في مرحلة الطفولة، فإذا به مجرد ناقل وحافظ لما سبق، ويستقر في ذهنه وأذهان مَن حوله - خطأ وتجاوزًا - أنه عالم، وبينه وبين هذا اللقب (بعد المشرقين)!

إن الدعاة الصادقين والعلماء الربانيين والمصلحين الحقيقيين هم الذين يجيدون صناعة البديل منذ نعومة أظافره، ويستطيعون زرع الثقة فيه وفي شخصيته بكل صدق وحب ومهارة، وهم من يعلمونه كيف يصطاد السمكة بدلا من أن يعطوه السمكة ويحتفظوا بمهارة الاصطياد لتبقى مكانتُهم وتظل الحاجةُ إليهم قائمة، فلا يستغنَى. عنهم وعن علمهم، هذا في حال سلّمنا أنهم - أصلا - قد تعلموا مهارة الاصطياد بالفعل، ولم يزالوا متلَقِّين عمن سبقهم، كشأنه هو تماما!

ولهذا لا يمكن أن يغيب عن ذهني وعن ذهنك أيها القارئ المتطلّع، أولئكم الذين احترموا عقولنا، وأشعرونا ذات يوم بأنا (شيء) ونستطيع تقديم (شيء)، وأن الحقائق المطلقة محصورة معدودة، وغيرها قابلة للنقاش والاستفهام، وأن فضاء الإبداع والتجديد لا زال رحبًا يسعُنا جميعا، وأن العبرة ليست بكبر السن ولا بكثرة الحفظ الذي لا يصاحبه وعي وفهم، وأن العلم والفكر فوق كل اعتبار، بغض النظر عن صاحبه وسِنه ومكانته ولقبه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين