لا يا قيادة حماس.. هذا خطأ استراتيجي وخطيئة شرعية

لا “يا قيادة حماس” هذا خطأ استراتيجي وخطيئة شرعية

د. غازي أحمد التوبة

تركت “حماس” سورية عام 2012 بعد أن اشتعل الربيع العربي وظهر إجرام النظام السوري واستهتاره بجماهير شعبه وقمعه له. وهذا موقف يحسب لها لأنها ضحت بعدد من المكاسب لها، وهو منسجم مع حقيقة أنها جزء من أمة وتصرفت بما يعود بالخير عليها وعلى الأمة.

 

والآن عادت “قيادة حماس” إلى إعادة علاقتها مع النظام السوري حسب البيان الذي صدر في 15/9/2022 وكذلك من الطبيعي إعادة علاقتها مع “نظام ملالي إيران” بشكل كامل لأنه هو الراعي للنظام السوري، وهو الأصل في كل العلاقة مع النظام السوري بعد الانتفاضة الأولى عام 1987.

 

وقد جاء بيان “قيادة حماس” تحت عنوان “أمة واحدة في مواجهة الاحتلال والعدوان”، فهل “النظام السوري” و”نظام ملالي إيران” جزءان من الأمة الواحدة؟ أم هما عدوان للأمة الواحدة؟

 

الحقيقة أنهما عدوان لهذه الأمة الواحدة، وهذه هي الحقائق:

 

أولاً: “نظام ملالي إيران”:

 

وصل الخميني إلى طهران عام 1979 إثر تغلبه على شاه إيران، ولم يأت فقط كرجل دين شيعي يريد أن يحكم إيران، بل حمل معه مشروعاً هو ما يمكن أن نسميه “مشروع ملالي إيران”. وهذا المشروع يحمل أهدافاً تغييرية معادية لبنية الأمة ووجودها وطبيعتها وتاريخها ودينها ومبادئها إلخ….، وسنبين أهم ملامح هذا المشروع المعادي للأمة في الخطوات التالية:

 

1- الإصرار على “شيعية” الجمهورية الإيرانية:

 بعد أن استقر الخميني في طهران زارته وفود مختلفة من أنحاء العالم الإسلامي، على رأسها كانت وفود علمائية من أهل السنة ومن حركاتها الإسلامية، واستبشروا خيراً بوصوله إلى سدة الحكم، واعتبروا ذلك نصراً بعد الأيام الحالكة القاسية التي مرت على العالم العربي بشكل خاص، وتحكم فيها “المشروع الاشتراكي الماركسي” في ستينيات القرن الماضي، والتي حارب فيها هذا المشروع الدين والمتدينين، وانتهى بانهزامه، وظهور “الصحوة الإسلامية”. واعتبر العلماء آنذاك أن انتصار الخميني كان ثمرة للصحوة الإسلامية. وكان القصد من زيارات الوفود العلمائية هو التعاون مع “الجمهورية الإيرانية” لصالح تمكين الإسلام في بلدانهم، ومواجهة المشاريع “الصهيونية الغربية” في المنطقة.

 

وعندما أراد الخميني أن يضع دستوراً للجمهورية الوليدة وضع مادة في الدستور، تبرز تبني إيران للمذهب الجعفري الإمامي، وذهب العلماء إلى الخميني –قائد الثورة- وطالبوا منه ألا يقع في هذا الخطأ، لأن “الثورة الإيرانية” و”الدولة الإيرانية” مرتبطان بالأمة جميعها، ولكن الخميني أصر على ذلك، وخاب أمل العلماء وفجعت جماهير الأمة بهذا الموقف، وصدر الدستور وجاءت المادة الثانية عشرة التي تقول: “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثني عشري، ويبقى هذا المبدأ قائماً وغير قابل للتغيير إلى الأبد”.

 

2- تسخير دولة إيران لتحقيق “مشروع ملالي إيران”:

بعد أن وصل الخميني إلى الحكم اتضح أنه يحمل مشروعاً لتمكين الشيعة، وتغيير صورة أمتنا وتحويلها من “أمة إسلامية” إلى “أمة شيعية”. وأنه أراد أن يسخر “دولة إيران” لتحقيق هذا المشروع وتنفيذه، وبدأ الخميني تهيئة كل الأدوات والأجهزة التي يحتاجها هذا المشروع، فأعدم كل جنرالات جيش الشاه، ووضع قيادة جديدة للجيش والسافاك، وأنشأ إلى جانب ذلك جيشاً رديفاً للجيش الإيراني هو الحرس الثوري، ووظف هذا الحرس للتدخلات الإيرانية في دول المحيط والجوار، كما أنشأ أجهزة أخرى ثقافية وسياسية وإعلامية واجتماعية ….إلخ من أجل خدمة ذلك المشروع، والدعاية له، وتنطلق أدوات المشروع من المذهب الشيعي وأفكاره، وتروج له، وتدعو له.

 

3- نشر المذهب الشيعي و”تدمير الوحدة الثقافية والسياسية” للأمة:

 اتجه الخميني إلى نشر المذهب الشيعي، وتواصل مع الطوائف الشيعية في مختلف المناطق ووظفها لصالح “مشروع ملالي إيران”، ودفعها إلى التصادم مع المحيط السني الذي تعيش فيه، وأمدها “مشروع ملالي إيران” بكل ما تحتاجه، من أجل النجاح في المواجهة، من مال وإعلام وكتب ودعاة وبعثات إلخ…..

 

وأما المناطق السنية التي لا يوجد فيها طوائف شيعية، فاتجه إلى التأثير على بعض الناس من أجل دعوتهم إلى “المذهب الشيعي”، وكان من نتائج ذلك في الحالتين الاصطراع بين أبناء الأمة الواحدة، وافتعال معركة لا داعي لها الآن، والمستفيد الأساسي منها هو “المشروع الصهيوني الغربي”، وكانت النتيجة وبالاً على الأمة وهو “تدمير الوحدة الثقافية” و”تدمير الوحدة السياسية” وهو ما نرى نتائجه في العراق الآن، وهو الاستقطاب الثقافي الحاد الذي وقع فيه بين الشيعة والسنة، وكذلك التجزئة السياسية التي نراها واضحة للعيان، وهي تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق: كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب.

 

ومن المعلوم أن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله، ذو موقف معتدل من الشيعة، وكان متواصلاً معهم، لذلك وضع في “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، الذي أنشأه عام 2004 شيخاً شيعياً كأحد نوابه في الاتحاد  وهو الشيخ التسخيري، وبعد أن نبهه بعض الأخوة على خطورة “مشروع ملالي إيران”، وإصرار إيران في الدعوة إلى المذهب الشيعي في مصر، ما أدى إلى اضطراب داخلي في وقت أحوج ما تكون الأمة فيه إلى وحدة الصف، وتوجيه البوصلة إلى مقاتلة أمريكا و”المشروع الصهيوني”، اتصل – رحمه الله – بآيات الله في إيران، وعرض عليهم إبرام اتفاق يقوم على عدم دعوة أهل السنة للمذهب السني في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، وعدم دعوة الشيعة للمذهب الشيعي في المناطق ذات الأغلبية السنية، ولكنهم رفضوا ذلك، مما يدل على أنهم مصرون على الدعوة إلى التشيع مهما كانت النتائج، ومصرون بالتالي على تدمير الوحدة الثقافية والسياسية للأمة، وعلى إثارة المعارك الطائفية، وسيكون المستفيد من ذلك هو أمريكا والغرب و”المشروع الصهيوني”، وكان نتيجة ذلك أن غيّر الشيخ يوسف القرضاوي موقفه من ممارسات “ملالي إيران” واعترف بخطئه السابق وعدّله، وهذا موقف يحسب له.

 

4- استغلال “مشروع ملالي إيران” للقضية الفلسطينية:

انتبه الخميني إلى أهمية القضية الفلسطينية ودورها في تحشيد الأمة حول “مشروع ملالي إيران”، لذلك صرح بأن “لا قيمة لسياستنا الخارجية إذا لم يكن لها يد طولى في القضية الفلسطينية”، لذلك أقام علاقات مبكرة مع مختلف “الفصائل الفلسطينية”، وأمّدها بالسلاح والمال من أجل أن يقوي نفوذه في الساحة الفلسطينية.

 

وكذلك أنشأ “مشروع ملالي إيران” في عام 1982 فصيلاً شيعياً مقاتلاً لإسرائيل في جنوب لبنان تحت مسمى “حزب الله” وأصبح هناك تعاون بين هذا الحزب وفصائل المقاومة. واستفاد “مشروع ملالي إيران” إعلامياً من هذه المكاسب في ساحة القضية الفلسطينية من أجل حشد التأييد له أو كسب التعاطف الجماهيري معه، وتحسين صورته أمام العالم الإسلامي. ولكن كل هذه الأعمال لا تصمد أمام الواقع، فالحريص على قضية فلسطين وانتصارها لا يمكن أن يعمل بحال من الأحوال على تصفية الجيش العراقي وإنهاء وجوده، وهو ما قام به “مشروع ملالي إيران” في تعاون مع أمريكا في تسهيل احتلال العراق عام 2003 ثم موافقته على حل الجيش العراقي، وقد اعتبرت إسرائيل هذا الحل انتصاراً كبيراً لها، لأن إنهاء الجيش العراقي ألغى خطر الجبهة الشرقية عليها، وقد غيرت إسرائيل بعد هذا الحل عقيدتها الاستراتيجية على أنه لا وجود لخطر عليها من الجبهة الشرقية، وذلك من أفضال “مشروع ملالي إيران” على إسرائيل.

 

5- مساعدة “مشروع ملالي إيران” لأمريكا على احتلال بلدين مسلمين، هما: أفغانستان والعراق:

هاجمت أمريكا أفغانستان عام 2001 بحجة إيواء طالبان لأسامة بن لادن، الذي اتهمته أمريكا بأنه وراء إسقاط برجي نيويورك، وقد قدمت إيران خدمات لوجستية للقوات الأمريكية الغازية، كما قدمت خدمات لوجستية للقوات الأمريكية عندما غزت العراق عام 2003، وهذا يؤكد استحكام عداء “مشروع ملالي إيران” للأمة، وتعاونه مع أعدائها من أجل تدمير دولها، وذلك بمساعدتهم على احتلال بلاد المسلمين.

 

6- لماذا يشكل “مشروع ملالي إيران” خطراً وجودياً – الآن – على الأمة؟

يشكل “مشروع ملالي إيران” خطراً وجودياً وجذرياً على الأمة لسببين:

لا يستهدف “مشروع ملالي إيران” نشر آراء شرعية مخالفة لما هو موجود عند “أهل السنة” فقط، ولكنه يتطلع ويستهدف تغيير أصل من أصول الكيان والوجود الإسلامي، وهو “الأمة الإسلامية”، حتى تصبح “أمة شيعية”، وهو تغيير وجودي، لم تقم به أية طائفة أو فرقة دينية على مدى التاريخ الماضي، وإن أقصى ما تطلعت له كل الفرق والطوائف كالخوارج والمعتزلة إلخ…. هو زيادة الانتشار والتوسع والتمكن في محيطها.

من الجدير بالذكر أن ما شجع “مشروع ملالي إيران” على هذا التطلع إلى إنشاء “أمة شيعية” هو سقوط آخر دولة سنية وهي: “دولة الخلافة العثمانية” وأصبح “أهل السنة” بلا دولة تدعم وجودهم وكيانهم، وهذا ما يضعف قدرتهم على مواجهة “مشروع ملالي إيران”، وهذا ما يجعل “إيران” تحرص على استغلال الفرصة، والاستفادة منها أقصى الاستفادة، فقد كانت هناك باستمرار دولة في مواجهة أية دولة شيعية على مدار التاريخ، فقد تصدت “الدولة السلجوقية” السنية ل”الدولة الفاطمية” الشيعية” في الماضي، كما تصدت “الدولة العثمانية” ل”الدولة الصفوية” في القرن السادس عشر الميلادي وما بعده.

بعد أن وضحت عداوة “مشروع ملالي إيران” للأمة، ننتقل إلى توضيح عداوة “نظام سورية الأسدي” للأمة.

 

ثانياً: “نظام سورية الأسدي”:

 

لا أريد أن أتعرض لتاريخ عداء نظام البعث ومن بعده نظام الأسد للأمة وللدين الإسلامي في سورية منذ مجيء البعث إلى السلطة عام 1963، ولكني أريد أن أرصد الفترة التي بدأ الربيع العربي فيها في سورية منذ 15-3-2011، وآثاره على علاقات نظام الأسد مع “مشروع ملالي إيران”، ومع “حركة حماس”.

 

بعد سقوط زين العابدين بن علي ونظامه في تونس في 14-1-2011، وسقوط حسني مبارك ونظامه في مصر في 21-2-2011، ابتدأ الربيع العربي في سورية، وخرجت ملايين الشعب السوري إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة في كل المدن: حمص، ودرعا، وحماة، ودير الزور إلخ…..، وعبرت جميعها عن عدائها للنظام الأسدي، وأحس بشار الأسد بخطورة الوضع واضطراب الحكم، ففكر في التنازل وترك الحكم، لكن قاسم سليماني أقنعه بالبقاء، ووعده بأن إيران ستقدم كل متطلبات الدعم.

 

من الواضح أن “مشروع ملالي إيران” كان يدعم نظام الأسد في المراحل السابقة، ولم يقصر في شيء، لكنه زاد الدعم بعد التحركات الشعبية والجماهيرية في مختلف المجالات: المالية والبترولية واللوجستية والسيبرانية والمخابراتية والعسكرية إلخ…….

 

ومع ذلك فقد اهتز النظام وكاد أن يسقط في نهاية عام 2012 مما اضطر “مشروع ملالي إيران” أن يظهر دعمه وتأييده لنظام الأسد، وينتقل من السر إلى العلن، لذلك دعا الخامنئي “قوات حزب الله” لدخول سورية ومناصرة النظام السوري، فدخلت “قوات حزب الله” إلى منطقة “القصير” في غربي سورية، وقاتلت قوات الثورة، وتغلبت عليها في حزيران-يونيو 2013، كما أمر الخامنئي “قوات الحرس الثوري” بالتدفق إلى سورية، وتدخلت هذه القوات وشكلت عدة ميليشيات بحجة المحافظة على الأماكن المقدسة عند الشيعة، ومنها: عصائب الحق، والزينبيون، والفاطميون إلخ…..، وقد احتوت هذه الميليشيات جنسيات من دول مختلفة مثل: باكستان وأفغانستان وإيران والعراق إلخ…..

 

ومع كل ذلك الدعم الذي قدمه “مشروع ملالي إيران” للنظام الأسدي، فإن النظام اهتز مرة ثانية أمام تحركات الجماهير وانهزم في ساحات درعا وحمص المنطقة الشرقية وحماة ومحيط دمشق في الغوطتين: الشرقية والغربية، وبقي النظام محصوراً في داخل مدينة دمشق والساحل، مما اضطره إلى التطلع إلى تدخل روسيا.

 

ذهب قاسم سليماني إلى روسيا عام 2015، وأقنعها بالتدخل عسكرياً لصالح النظام الأسدي، بعد تقديمها الغطاء السياسي للنظام الأسدي بأن استخدمت الفيتو لتعطيل القرارات التي صوت عليها مجلس الأمن لإيقاف المجازر الدموية التي كان النظام الأسدي يرتكبها في حق شعبه منذ عام 2011.

 

وبالفعل تدخلت روسيا بكل ثقلها العسكري إلى جانب النظام الأسدي، واستخدمت سلاح الطيران بشكل مكثف في كل ساحات القتال، مما جعل كفة النظام ترجح على الثوار، واستعاد النظام بعض المدن: حمص، حماة، مدن الغوطة إلخ…….

 

ثم استمر النظام الأسدي في قتل أبناء الشعب وتهجيرهم، فاستخدم كل الأسلحة المحرمة دولياً، فاستخدم الكيماوي أكثر من مرة، واستخدم البراميل المتفجرة، وبلغ ما قتله من أبناء الشعب ما يقرب من المليون، وهجر أكثر من عشرة ملايين بين هجرة داخلية وهجرة خارجية، ودمر معظم مدن سورية تدميراً كاملاً، في هذا الوقت أعادت “قيادة حماس” علاقتها بهذا النظام!!

 

هذه بعض معالم صورة النظام الأسدي: قتل وجرح وهجر الملايين من مسلمي سورية، فهو عدو للأمة كما هو عدو لكل مسلم في الأرض، فهو عدو للمسلمين في سورية، وهو عدو للأمة طالما أنه قتل المسلمين هذا من جهة، وهو قد باع البلد لطرفين هما: دولة روسيا و”مشروع ملالي إيران”، أما روسيا فقد عقدت اتفاقات مع نظام الأسد فامتلكت موانئ بحرية في طرطوس واللاذقية على البحر المتوسط، وهي المناطق الدافئة التي كان القياصرة الروس يحلمون بالوصول إليها من جهة ثانية.

 

وقد استغل “مشروع ملالي إيران” مساندته لنظام الأسد، وأجرى عدة تغييرات جذرية في سورية وهي:

 

نشر التشيع:

ينشط “مشروع ملالي إيران” في نشر التشيع في كل مناطق سورية، ويبذل أقصى طاقته، ويساعده النظام على ذلك، ويرتبط بنشر التشيع إحياء المواسم والطقوس الشيعية في عاشوراء وميلاد الأئمة ووفاتهم، ويرتبط بنشر التشيع – أيضاً – إقامة الحسينيات، وبناء الأضرحة على قبور رجالات آل البيت ونسائهم، وإقامة المزارات والبناء حولها من أجل زيارتها والتبرك بها.

 

التغيير الديمغرافي:

ينشط “مشروع ملالي إيران” في تغيير صورة سورية السكانية، ويحل مكان السكان الأصليين أجانب، قد يكونون باكستانيين أو إيرانيين أو أفغان إلخ….. حسب الميليشيات التي ينتمون إليها.

وبدأت الحكومة تأخذ مساكن المهجرين بحجة أنها “أملاك غائبين” وتحولها إلى عناصر تلك الميليشيات الشيعية، وبهذا يحدث أكبر تغيير سكاني على مدار العصور لوجه سورية.

 

تغيير ثقافي علمي تربوي:

ينشئ “مشروع ملالي إيران” مدارس وحوزات علمية مرتبطة بالمذهب الجعفري الإمامي الإثني عشري لتعليم المذهب الشيعي وتوسيع رقعته في كل أنحاء سورية، وبهذا تتغير صورة سورية الدينية الثقافية من دولة سنية متسامحة إلى دولة ذات وجه طائفي متعصب.

وألغى النظام الأسدي منصب المفتي العام للدولة، وهو منصب كان يأتي عن طريق الانتخاب بين العلماء، وأقام مجلساً فقهياً مكانه يحتوي على عناصر من مختلف المذاهب في سورية، ويعتبر هذا تغييراً جذرياً في صورة سورية الدينية.

 

تدمير سورية:

ساهم “مشروع ملالي إيران” في تدمير سورية عمرانياً واقتصادياً وزراعياً وصناعياً …..، فقد أصبحت معظم مدن سورية مدمرة، وتعطلت الزراعة فيها، ودمرت المصانع فيها في مختلف المدن، ودمرت البنية التحتية فيها في جميع المرافق.

وتقدر الخسائر المادية فيها بمئات مليارات الدولارات، ويحتاج إصلاح كل ما دمر فيها إلى عشرات السنين.

 

تقسيم سورية:

لقد سيطرت الطائفة العلوية على كل سورية بعد تولي حافظ الأسد للحكم عام 1970، وشملت سيطرتها كل مرافق الدولة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والإعلامية والتعليمية إلخ……

لقد زاد تدخل “مشروع ملالي إيران” الطائفية اشتعالاً والتهاباً في سورية بعد الربيع العربي، لأنه نشط وأسرع في تشييع كثير من أهل سورية، بالإضافة إلى افتتاح المراكز والحسينيات والمدارس والجامعات التي تدرس وتدعو إلى المذهب الشيعي.

لذلك من المرجح أن يزيد انتشار المذهب الشيعي في سورية احتمال تقسيمها حسب التوزيع العرقي والمذهبي.

 

استعرضنا – فيما سبق – عداوة النظامين “نظام ملالي إيران” و “نظام سورية الأسدي” للأمة.

 

”مشروع ملالي إيران كاذب في دعواه ,, وهو عدو للقضية الفلسطينية

 

ننتقل – الآن – لتقويم موقف “قيادة النظامين”، وانعكاسه على القضية الفلسطينية، ويمكن أن ننتهي إلى النتائج التالية بالنسبة ل”مشروع ملالي إيران:

1- من الواضح أن “مشروع ملالي إيران” عدو للأمة عداوة “وجودية”، لأنه يريد أن يغيّر بنيتها الداخلية ويحوّلها من “أمة إسلامية” إلى “أمة طائفية شيعية”.

2- وهو عدو للأمة لأنه دمّر بلداناً بكاملها، أو عاون على تدميرها، مثل: العراق، سورية، لبنان، اليمن، وقتل مئات الآلاف من المسلمين في كل أنحاء الأرض.

3- وهو عدو للأمة لأنه تعاون مع أعداء الأمة وعلى رأسهم أمريكا في تدمير بلدين مسلمين هما: أفغانستان والعراق.

4- وهو عدو للأمة لأنه يعمل على تدمير وتفتيت “الوحدة الثقافية” التي هي أغلى ما نملك في تحقيق الترابط بين أبناء الأمة الواحدة.

5- طالما أن “مشروع ملالي إيران” هو عدوّ للأمة في كل أنحاء الأرض، يقتل أبناءها، ويدمر عمرانها، ووحدتها الثقافية، ويسعى إلى تغيير بنيتها الوجودية، فهو لا يمكن أن يكون عدواً للأمة في كل أنحاء الأرض، ويتحوّل إلى “صديق حليف” في فلسطين، فهو كاذب في دعواه لأن “صديق” القضية الفلسطينية لا يمكن أن يسمح بحل الجيش العراقي، وإنهاء “الجبهة الشرقية” التي كانت أكبر خطر على إسرائيل بعد إنهاء خطر “الجبهة الجنوبية” باتفاقات “كامب ديفيد” عام 1979، بين إسرائيل و”السادات”، لأن المستفيد الأول من هذا التدمير للبلدان، والحل للجيش العراقي هو “المشروع الصهيوني الغربي”، وقد قام “مشروع ملالي إيران” بتحقيق ما عجز عنه “المشروع الصهيوني الغربي” في التدمير والتفتيت والتجزيء من حيث الكم والكيف وسرعة الإنجاز.

 

6- ليس من شك بأن قضية فلسطين هي قضية كبيرة من قضايا الأمة، بمعنى أنه لم يتحقق حلم الصهاينة في إقامة دولة إسرائيل إلا بتدمير نوعي لجانب من وجود الأمة وإسقاط “الدولة الإسلامية” الأخيرة وهي “الخلافة العثمانية” عام 1924، واستعمار المنطقة العربية كلها تقريباً من قبل إنكلترا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، وكذلك لا يمكن أن تتحرر فلسطين إلا بجهود الأمة جميعها، لذلك فإن جميع العرب جاهدوا في فلسطين إلى جانب الفلسطينيين قبل قيام إسرائيل عام 1948، وبعد الانسحاب البريطاني من فلسطين عام 1948 دخلت سبعة جيوش عربية للمقاتلة إلى جانب الفلسطينيين بالإضافة إلى مجاهدين عرب ومسلمين من كل أنحاء الأرض.

 

فمن المؤكد أن الفلسطينيين وحدهم لا يمكن أن يحرروا فلسطين، بل لا بد من دعم الأمة جميعها لهم، وتكافلها معهم، وهم يشكلون رأس الحربة في هذه المواجهة.

 

وقد تحقق ذلك على مدار التاريخ، بدءاً من الحروب الصليبية حيث ناصرت الأمة الأسرة الزنكية في الموصل والأسرة الأيوبية في مصر، لتحرير القدس عام 1889 م من أيدي الصليبيين، مروراً بدعم الأمة لعز الدين القسام، ثم من بعده الحاج أمين الحسيني رحمهما الله، “انتهاءً بقيادات “حماس والجهاد” على مدار السنين الماضية.

فكما أن هذا واجب الأمة، فإنه يجب على القيادات المجاهدة ألا تتخلى عن أمتها، وتبقى مرتبطة بها، وألا تتعاون مع أعدائها، لكن “قيادة حماس” خرقت – الآن – بكل أسف هذا الواجب، فهي عندما تعيد تطبيعها مع “النظام الأسدي” الذي هو جزء من “مشروع ملالي إيران” الذي يدمر بلداناً متعددة من الأمة، ويقتل مئات الألوف من أبناء الأمة، ويفتت “الوحدة الثقافية” للأمة، ويتطلّع إلى إيجاد “أمة بديلة” لهذه الأمة الإسلامية، وبالتالي لا يمكن أن نصنفه إلا بأنه “عدو للأمة”.

7- أما القول بأننا يجب أن نصادق “مشروع ملالي إيران” لكي نواجه العدو الإسرائيلي و”مشروعه الصهيوني” فهذا الأمر لا نقرره وحدنا، بل يجب أن يشترك به “مشروع ملالي إيران”، وقد قدمت قياداتنا الدينية وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي – رحمه الله – عرضاً إلى “ملالي إيران” والذي تحدثنا عنه سابقاً، ولكنهم رفضوا ذلك العرض الذي يمهد للتعاون، وأمام هذا الصدود من قبل “ملالي إيران”، سنضطر إلى مواجهة المشروعين: “مشروع ملالي إيران” و”المشروع الصهيوني”، وهما اللذان يقتلان أبناء أمتنا، ويدمران بلداننا، ويخرجان أهلينا من أوطانهم وديارهم، ونعد الخطط لمواجهة هذين المشروعين، وذلك ليس بدعاً في تاريخنا، فقد واجهت أمتنا أيام الدولة العباسية عدوّين خطرين في وقت واحد هما: المغول والصليبيون.

 

الخلاصة: إنّنا نستطيع أن نصنّف هذا التصرف من “قيادة حماس” بأنها وقعت في خطأين:

الأول: “خطأ استراتيجي” وهو ابتعادها عن أمتها، وإدارة ظهرها لها، ووقوفها مع عدو للأمة.

الثاني: “خطيئة شرعية” لأن الله نهانا عن التواصل والتعاون وتولي من يقاتلنا ويخرجنا من ديارنا وهو ألد أعدائنا، وهو ما يقوم به “مشروع ملالي إيران”، فقد قال تعالى: “لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  (9)” (سورة الممتحنة).

 

وهو ما ستكون له عواقبه الخطيرة على “حركة حماس” و”القضية الفلسطينية”، ومن ورائهما “الأمة”.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين