لا خوف عليك ولا حزن

لا خوف عليك ولا حزن

محمد محمد الأسطل

 

قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274] فمن أنفق من ماله؛ وسعى في نَفْعِ عيالِه، ومنفعة الخلق، فتصدق عليهم وأنفق؛ فبشره بِزَوَالِ هَمِّهِ، وذَهاب غَمِّه، فَلا خوفٌ عليهم من أنفسهم أو غيرهم، ولا حَزَنٌ ينالهم عند مُعاينة أجرهم!

فقد أوردَ المنذري في ترغيبه وترهيبه بسند حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ المَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ.. يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَيَقُولُ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ وَالْمَعْرُوفُ وَالإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ: لَيْسَ مِنْ قِبَلِي مَدْخَلٌ" [المنذري / الترغيب والترهيب، رقم الحديث: (5400)، (4/200)].

وأورد المنذري أيضًا بسند صحيح من حديث أم سلمة ل قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ، وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الآخِرَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُل الجَنَّةَ أَهْلُ المَعْرُوفِ" [رقم الحديث: (1319)، (2/16)].

قال عبد العزيز بن عمير: الصلاةُ تُبَلِّغُكَ نصفَ الطريق، والصوم يُبَلِّغُكَ بابَ المَلِك، والصدقةَ تُدخِلُكَ عَليه !

لك من المال أضعافٌ مضاعفة !

إن الصدقة وسيلةٌ شرعية لجمع المال، وصَفَاء البال، وقضاء الحاجات، وَحَلِّ الأزمات، وإنَّ مَنِ اختَصَّهُم اللهُ بالفَهمِ والمَعرفة؛ فَهِمُوا أن مال الصدقة لا تلحقه آفةٌ، ولا تمسه عَاهَةٌ، بل يُضاعَفُ كل ساعة! [ابن حجر / فتح الباري (13/18)].

وقد حدثني من أثق بقوله أنه لما سمع بأن الله يعوض المتصدق بعشرة أضعاف صدقته أنه تصدق ب[100 دولار]، وكان صاحبي من عُسْرِ الحال بِمَكان، فأقسم لي أن الله رزقه [1000 دولار] وصلته عبر دفعات خلال شهرين فقط، ومن حيثُ لا يَحتسب !

وحدثني آخر قائلًا: تصدقت بمبلغ عقب صلاة الجمعة مباشرة، مع شدة حاجتي للمبلغ الذي تصدقت به، فقلت في نفسي: كيف سيعوضني الله خيرًا من مالي وأنا مشغول لا ألتقي الناس هذه الفترة؟! فَعُدْتَ إلى بيتي عصر اليوم نفسه فَوَجَدْتُّ بعض أرحامي من أودع أهلي هدية مالية لي، فلما عددتها وجدتها عشرة أضعاف المبلغ الذي أنفقْتُهُ قبلَ ساعات !

خاتمة ترضي العبد، وصدقة تطفئ غضب الرب:

أخرج ابن أبي الدنيا بسند صحيح من حديث ابن عباس م أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عَلَيْكُمْ بِاصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مَصَارِعَ السُّوءِ، وَعَلَيْكُمْ بِصَدَقَةِ السرِّ؛ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ الربِّ عزَّ وجلّ" [ ابن أبي الدنيا / قضاء الحوائج ص (25)].

فمن ابتغى رضا الله عنه، والنجاة من غضبه عليه، وأن يسعد بِخَاتِمَةٍ حسنة، فَعَلَيهِ باصطناع المعروف، وكثرة الصدقة، وقد فَطِنَ محمدُ بنُ الحنفية لذلك فقال جازمًا: صَانِعُ المَعرُوفِ لا يَقَعُ، وَلَو وَقَعَ لا يَنْكَسِر !

قال النابلسي: كنتُ في تعزيةِ أحد إخواننا، وجلس بجواري أحد علماء دمشق، فلما خرج أوصله شاب بِمَركبته إلى بيته، والعجيب أنه لا يعرفه، فما إن وصل الشيخ إلى بيته في الطابق الرابع، وخلع جُبَّتَهُ، واستلقى على فراشه، وإذا بالروح تصعد لباريها!

فهذا لو مات قبل دقائق ماشيًا في الطريق؛ لكان أمر شاقًا على النفس، لكنَّ اللهَ تعالى وَقَاهُ مَصَارِعَ السوء، بعد أن قَيَّضَ له من يُوصِلُه؛ ليموتَ مُعززًا مُكرمًا في بيته!

وشفاء من كل داء:

حدثني أحدُ أعلام العمل الخيري في قطاع غزة، أن أحد الخَيِّرِينَ من مدينة خان يونس قام بِكَفالة يتيمٍ على هيئةِ مبلغٍ ماليٍّ يصلهُ شهريًا، وقد ابتدأه قبل سنواتٍ ستة، وقدر الله تعالى أن يُصاب ولدُه بِسَرطان الدم قبل عدة سنوات، فذهب إلى أطباء غزة، وإلى الخارج، ولكن بلا جدوى!

ثم إنه جاءني قبل ستة أشهر، وتحديدًا في مطلع عام [2011م] وتكفل يتيمًا آخر؛ بِنَيِّةِ شفاءِ ولدِه، واستجابة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ" [ البيهقي / السنن الكبرى (3/382)] ، فيقول: والله لقد شُفِيَ الولدُ الآن تمامًا قبل مضى ستة أشهر عليه، حتى ذُهِلَ كلُّ الأطباءِ الذين عالجوه ! وشكرًا لله تعالى جاءني وتكفل يتيمًا ثالثًا !

وقال لي: والله إني لأعيش الآن بِسَعادةٍ وبركةِ مال، ورزقني ربي بأولاد حفظوا كتاب الله تعالى، وقد زارني في البيت قبل أيام، وقال لي: والله إني لأشعر بسعادة لو كانت هي نعيم أهل الجنة في الجنة؛ لكانُوا فِي عيشٍ طيبٍ !

وهذا رجل آخر بمدينة غزة رزقه الله [8] بنات، ثم رزقه اللهُ ولدًا، فطارَ بِهِ فَرِحًا، وشاء الله تعالى أن يمرض الطفل مرضًا شاقًا عليه، فقد أصيبت صفيحات الدم عنده، حتى أصبحت [29 درجة]، فإذا ضربه أحدٌ يُصاب بِتَجَلُّطٍ في الدماء، فذهبوا به إلى ألمع أطباء فلسطين، والأردن، ولكن بلا جدوى كثيرة، وجلس أبواه يرقبانه بألم، ويدعوان الله له بالشفاء !

ثم أخذه أبوه إلى المدرسة، وشرح لِمُدِيرها ظروفَ ولده؛ لئلا يضربه أحد، وأثناء خروج الأب من المدرسة لاحظ أن أطفال المدرسة يشربون الماء المالح، وبجوار المراحيض، فاشترى خزان ماء، ووضعه في المدرسة، وكان في كل يوم يُوَفِّر الماء على حسابه الخاص !

وبعد أيامٍ من عذابات العلاج؛ رأى الأب في نومه [4] من الملائكة أخذوا ولده، ووضعوه على طاولة كَطَاولةِ العمليات، وأجروا له العلمية، فبدأ الأب يكبر: اللهُ أَكبَرُ.. اللهُ أَكبَرُ.. اللهُ أَكبَر!

فاستيقظ مُكَبِّرًا، فَفَزِعَت زوجته، فقال لها: أبشري ! لقد شَفَى اللهُ ولدَنَا من مرضه!

وما إن هَلَّ الصباح حتى ذهب به للفحص الطبي، فكانت النتيجة أن صفيحات الدم عنده أصبحت [590 درجة] بدلًا من [29 درجة]؛ فلم يصدق الدكتور، وشك في جِهَاز الفحص، فأرسل المريض إلى طبيبٍ آخر للتأكد من سلامة الفحص؛ وبعد الفحص الثاني تبين أن الولد شُفِيَ تمامًا؛ فلما ذهبوا إلى الطبيب الأردني وأخبروه هتفَ قائلًا: نحن الأطباء نُعَالج المرضى، لكن الله هو الذي يَشفِي المَرضَى!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين