لا تحـــزن إن الله معنا

 
 
 
 بقلم ماهر إبراهيم جعوان
 
قالها محمد صلي الله عليه وسلم حين اشتدت الأزمة وحُصر بالغار يوم الهجرة وقال موسي عليه السلام (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) لما رأي من الآيات الربانية في الأحداث الجارية ما جعله متيقنا من الفوز والنجاة من مكر الأعداء وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال وذلك بعد عدده مؤامرات ومواجهات تعرض لها موسي عليه السلام منذ صدامه الأول بفرعون (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) فكان الخوف وعدم الطمأنينة لبداية المواجهات مع الطغاة (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى) فكانت معية الله تعالي وحسن الصلة به هي المعين والسند والمدد (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) وفي المؤامرة الثانية يوم أن تولي فرعون (فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى) يوم أن حُدد زمان ومكان التحدي (فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) فكان حفظ الله لأوليائه والتمسك بالمنهج والاستعانة بالله هي سبب العلو والسمو والنجاة من سحرة فرعون وخاف موسي عليه السلام من المؤامرة والمواجه والصدام وهذا خوف طبيعي للبشر إلا أنه أسرها في نفسه ولم يبدها لهم (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) ولما رأي السحرة بأم أعينهم آية من آيات الله وشاهدوا وتيقنوا بأن معية الله حاضرة وأن ما يحدث إنما هو بقدر الله ليقضي الله أمرا كان مفعولا فآمنوا وسلموا تسليما عجيبا وسريعا للحق والحقيقة (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) ولم يرهبهم الباطل بجنوده (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ) فتحولوا من الكيد إلي النصرة ومن الشك إلي الإيمان ومن التكذيب إلي التصديق ومن التقرب والتزلف من فرعون إلي القرب من الله الذي يصرف ويقلب القلوب ومن البحث عن الأجر (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) والقسم ( بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) إلي (آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) وفي المؤامرة الثالثة كان البحر من أمامهم وفرعون وجنوده من خلفهم (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) 
 
ورغم صعوبة الموقف وحرجه وشددته إلا أن موسي عليه السلام لم يخف ولم يوجس في نفسه كما حدث سابقا لأنه رأي من آيات ربه الكبرى وعلم يقينا أن الله معه ناصره ومعينه لن يخذله ولن يتخلي عنه ولن يدعه للأفاكين والمجرمين فعلم يقينا أن الله معه في كل ما يمكر به الأعداء وأن الله يمهل ولا يهمل ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ففي كل مرة تكون العصي في يده ولا تؤتي أكلها حتى يؤمر بإلقاء العصي فلم يضرب البحر حتى يؤمر لتفعل فعلها فليست العصا التي تفعل لكنها عناية الله وتدبيره هي العصا التي تفجر الصخر عيونا وهى الحية الضخمة التي تأكل سحر السحرة وهى التي تشق البحر فيصبح طريقا في كل مرة يوجد حل جديد في العصي لأنها إرادة الله
 
ومن موسي عليه السلام نلتمس الربانية في الأحداث الجارية رأينا بأعيننا وشاركنا بجوارحنا واستشعرنا بأفئدتنا فضل الله تعالي في الأحداث الجارية وظهرت الآيات الربانية التي تطمئن القلوب وتوضح وتظهر معية الله لعباده فإنه يمهد ويغرس لهم بيديه فيهيأ الأسباب ويمهد الطريق للخلافة الراشدة وأستاذية العالم بعد طول غياب عن هذا العالم الحائر بدءاً من حفظ الله للدعاة في وقت المحن والشدائد وفي وقت التخطف من الأرض (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) ثم بسقوط النظام الفاسد الظالم ونطقت القلوب قبل الحناجر تهتف من أعماقها (الله وحده أسقط النظام) {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ }وتبدل الحال وسبحان مغير الأحوال وكيف بمكره جل وعلا بالطالحين المجرمين (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ) في ثمانية عشر يوما هلك نظام آثم جثم علي الصدور سنوات عجاف بينما الثورات من حولنا تمضي بالسنوات كما أهلك الله من قبل النظام المصري حين أغرق فرعون ومن معه وبعد أن كان له ملك مصر ومن فيها وتجري الأنهار من تحته أجراها الله تعالي من فوقه (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) فكان الله لهم بالمرصاد (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ) وفي لحظات الندم يظهر الخطاب العاطفي الرقراق فتكاد الأمور أن تتميع وتكاد بوادر الانقسام والفشل أن تظهر في الأفق ولكن الله يريد أمر آخر ويأبي الله إلا أن يتم نوره فيجعل تدبيرهم تدميرهم والعاقبة عليهم (ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله) و(إن الله لا يصلح عمل المفسدين) فتكن موقعة الجمل فيها تصحيح الانقسام والفشل فقد فات وقت الندم وما نفع فرعون ندمه (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ومن جديد يهيأ الله لعباده ليقضي الله أمرا كان مفعولا وتسير الأحداث لتصل بنا لقدر الله المحتوم وسنة الله الجارية فمن التعديلات الدستورية إلي أغلبية نسبية بمجلس الشعب إلي أغلبية مطلقة في مجلس الشورى واستفتاء الدستور الجديد رغم حملات التشويه والتشكيك الرهيبة وتستمر العناية الربانية تهيأ المناخ في تحول دراماتيكي للأحدث في الدفع بمرشح ذو مرجعية إسلامية عالمية وليست مرجعية إسلامية محلية ولا مجتزئه وذلك بعدما تخطط قوي الظلام لخطف الثورة وإفراغها من مضمونها ويكاد الفلول يتصدروا المشهد من جديد وتتطاير الأخبار من هنا وهناك أن مرشحكم قد خرج من السباق الرئاسي ويتم الدفع بآخر في اللحظات الأخيرة ومن جديد يظهر العون الإلهي ففي أربع وعشرون يوما فقط ينجح مرشحنا إنها آية من آيات الله لمن كان له قلب يعي قدرة الله وقدره بجهود المخلصين الصادقين وبعضهم لا يملكون إلا جهدهم (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) وغيرنا ظل يُسوق لنفسه عامين وسوانا ينفق مليارات ويجند جنودا ويشتري أصوات ويوجه أفواج وفئات ويضغط علي الموظفين ويستخدم الإعلام وينشر الشبهات والأكاذيب ومن جديد تظهر معية الله ومكره لعباده حين تأخر إعلان نتائج الانتخابات وهرع المصريون إلي الميدان حتى تظهر النتائج بدون سابق إنذار ولا ترتيب وكذلك التخطيط الشيطاني لحل مجلس الشورى وحل الجمعية التأسيسية والإعلان الدستوري ومؤامرة الاتحادية واستغلال ذكري التنحي للزحف علي شرعية الرئيس فيأتي الخير من السماء مطر ورياح فيمنعهم من استكمال مخططهم ومن يظهر الحقائق والمعلومات التي يُراد لها السرية والكتمان إلا الله جلا وعلا لينقلب السحر علي الساحر(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) في كل الأحداث تظهر إرادة الله فوق الجميع ويظهر تأيده المطلق ليمكر علي الماكرين ويكيد علي كيدهم فإذا أراد الله أمرا فلا معقب لحكمه وإذا قضي فلا راد لقضائه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) فإذا وعد الله وأراد ومنَ ومكن وبدل الخوف أمنا فمن يستطيع الوقوف أمامه جل وعلا وبماذا يرجع من عاده ومن عودنا الجميل لن يبخل علينا به ومحال أيحسن منا الظن ولا يحسن منه المنَ
 
فلم ينصرنا لفضحنا ولا ليجعلنا أضحوكة الناس وإنما لحكمة وسنة في التدافع بين البشر وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لهاوإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله وسيجعل الله بعد عسر يسرا ومن يتق الله يجعل الله له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا ثقة ويقين كما قال عبد المطلب في حادثة الفيل اللهم إن العبد يمنع رحله فامنع رحـالك لا يغلبن صليبهم ورحالهم أبدا رحـالك فإن كنت تاركهم وقبلتك فأمر قد بدا لك

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين