لا تترك ضميرك يسخر منك...

دفيني يا بحر ، فاني احتمي تحت موجك ،  لست أغرق و لست أتوه في طيش غضبك ، فيك الأمان طالما أتقنت السباحة بتسبيح اللسان و الضمير لله ، ثم لست أغرق ما دمت احتطت لهيجانك المتمرد ، لأني تعودت على التمرد و أصبحت أخشى على نفسي من سكتة الضمير و على  غيري ممن لم يسكن الصدق قلوبهم  فراحوا في مغبة الهوان إلى غير رجعة إلى جادة الصواب ، فلا هم نزلوا على شطك ليمتعوا أعينهم حلاوة المنظر فيك و لا هم تذكروا إبداع الخالق في حد مدك الغير منتهي..و هذا تقصير له لمن لم يستمتع بمنظر الغروب في آخر أفقك ، فالأجدر أن نعيش حياة كلها وضوح و مواجهة لتصفو السرائر و ينقى العيش الهنيء و لو فيه امواج ثائرة على طول العمر..

 

لذلك ، فضلا ، لا تتركوا ضمائركم تسخر منكم ، بل دعوها تنطق و بصوت عال و بكلمات من يقين ، فالضمير الأبكم شيطان أخرس، لطفا يجب أن تعرفوا أن الإثم لا يحتاج إلى أصبع اتهام لإثبات الحقيقة ، لذا فليبدأ كل واحد فينا بمحاكمة نفسه أمام الضمير ، فشجرة الاستسلام لا تثمر أبدا لأنها نكست أغصانها للخوف و الجبن و الخور ،و ليعلم كل واحد فينا أن عواقب الصمت و خيمة..بل اشد خطورة من أسبابه ، فالي أين بالسخرية و الاحتقار ؟ ثم إلى أين بالتعالي و الاهانة ثم و الأهم إلى أين من عقاب الله إن ما رضيتم أن تبقى ضمائركم ساكتة..

 

الكيل يفيض بما فيه و الإناء يسكب مما فيه و الأخلاق الرفيعة تظهر وقت المحن و الشدائد ، فان كان على أصحاب الغرور المزاح بأصحاب الهمة العالية فهذا نوع من الجبن المخفي ، لا يبرره سوى مركب نقص كامن فيهم لأن أصحاب 

الهمة العالية  و إن حطوا  من أنفسهم تأبى ضمائرهم  الا العلو ، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها و تأبى الا ارتفاعا ،،فالخير لا يدرك الا بطاعة الله عز وجل و الفضل لا يضيع إلا بمعصية الله ..فهل أصبح الناس الكرام و هم نوادر لقمة سهلة في أفواه المتكبرين؟..قد يبدو الأمر نعم في ملامحه في عيش الدنيا المختل و قد يبدو لا بتصدي الكبرياء لعنفوان الظلم تحت مظلة الكلام المنمق و التكرار المتكرر لأدب القول في غياب الفعل..نعم انه عصر الأقوال دونما أفعال و إلا  لما تبدل الحال من رضى الناس إلى سخط غير محمود الخواتيم..أشك أن العبقرية تعجز في تفسير سلوكات الناس اليوم ، و اشك أن الضمائر تتعمد الصمت حتى لا تبوح بما فهمته العقول و أدركته البصائر ، لكني لست أشك أن الضمير الحي هو بطل المعركة ، و ليسأل كل واحد منا هذا السؤال : أليست الجنة طيبة و طيب نعيمها؟  أليست النار زمهريرا و اشتد لهيبها؟ ، إذن لماذا تصمت الضمائر و هي مكلفة بالتنبيه و الإرشاد إلى ما فيه الخير و الصلاح؟.

 

لا يزال الليل رائع بسكونه ، و ليس يطوي من القرون إلا وودع أمما أصبحت حكايا أو أساطير ، و لم يبق منها شاهد ، بل بقيت عبرا و أمثالا لخير الخلائق..

لا يزال الصبح متألقا بلمعانه ، و ليس يطوي يومه إلا و ختم خواتيم الأفعال نوايا و آمال ،  و لم يبق منه  سوى سراب الطيور في هجرة الفصل البارد إلى حيث الدفء و الهناء و القوت...

لا يزال المؤمن يتألق إلى مسحات الجمال ولو طغى الباطل ، و ليس يحيد عن جادة الصواب إلا و يزداد ثباتا و إصرارا على إحياء الضمير في قول الحق و تصحيح الخطايا...فلما تريده يا إنسان بركانا خامدا من الإصرار على طيشك و أنانيتك في تعذيب الخلائق المتواضعة ؟ ، هل سكن نهر جار في محله لتسكن أنت في طبعك إلى ختام ستودعه يوما ما؟..

لا يزال المظلوم يبكي في جنح الليل تأسفا و مرارة لما آل إليه خاطره لما مد يديه عطاءا و لم يتوان يوما ما فب التقصير عن الواجب، لكن الصفعة كانت أشد على خده في رد الجميل باحتقار لا ند له ،  ومن ثم تصر يا ظالم انك لم تفعل شيء؟.

طيب...لي من طيب القول أن احدث ضميرك و لا احدث عقلك لأن عقلك الآن غائب عن الوعي و لا أقدر على محادثة من فقدوا الوعي بغير وعي ، لذلك  سأكتفي أن انصح نفسي و إياك  أن لا تترك الضمير يسخر منها ، فان سخر الضمير من النفس التوى الساعد و انكسر القلم و تعطلت الكلمات لأنها لن تنطلق في تصحيح الهفوات ..ما دام الضمير يصر على كبت الصواب.

في الختام ، ليقف  كل واحد فينا وقفة تمعن ، سيرى أن الله يرسل لنا في أحلك الأوقات و أشدها رسائل من نور  تضيء  لنا الطريق ،  فقد تكون شخص أو حكمة أو آية قرآنية  أو حديث شريف..كلها رسائل لإيقاظ الضمير و تنبيه العين للتبصر ، فهلا أصررت يا إنسان على السير و أنت معصب البصيرة إلى ما لا تعرف منتهاه؟.

لسنا ندرك الجواب و لكن لا تتركوا ضمائركم تسخر منكم ، من يدري ربما سخر منكم من سخرتم به بالأمس " و تلك الأيام نداولها بين الناس" سورة آل عمران الآية 140.

تحياتي للمتواضعين و للمحتسبين و الكاظمين الغيظ ، و تحياتي لمن لم يدع ضميره يسخر منه في لحظة نصرة مظلوم أو إعانة فقير و مريض أو تراجع عن سوء نواه في قلبه  و لكل من لبى نداء  من هو في حاجة و لو أن أصحاب الحاجات لا يظهرون احتياجهم  ..وحدها  الضمائر الحية من تحس بهم و التي لن تكون حية حتى يلجمها أصحابها بلجام السيطرة و المواجهة الحقة وقت الحق.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين