لا تؤدي حق ربها حتى تؤدي حق زوجها - 1-

الشيخ أحمد النعسان

لقد ذكرت لكم في الأسبوع الماضي بأنَّه يجب على أولياء أمور البنات أن يعلِّموا بناتهم الواجب الذي عليهنَّ قِبَل أزواجهنَّ, لأنَّ الزواج في نظر الإسلام مسؤولية, وهو بحدِّ ذاته عبادة بالنية الصالحة.

وقلت: بأن أول واجب على المرأة تجاه زوجها هو الطاعة, وهي طاعة مطلقة في غير معصية لله عز وجل, وطاعة الزوج مقدَّمة على طاعة الوالدين.

ولكن لا ننسى نحن أولياء أمور البنات بأنَّ الواجب الذي علينا هو أن نختار صاحب الدين والخلق لبناتنا, ومن خالف هذا الأمر فهو يتحمَّل نتائج هذه المخالفة, كما قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ, إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه. وصاحب الدين والخلق يعرف الواجب الذي عليه تجاه زوجته, وبقي علينا أن نعرِّف بناتنا على الواجبات الذي عليهنَّ تجاه أزواجهن.

قلت في الأسبوع الماضي بأن الواجب الأول الذي على المرأة هو الطاعة في غير معصية, وطاعتها لزوجها فريضة شرعية, ويعدل الجهاد في سبيل الله, وسبب لدخول المرأة الجنة بإذن الله تعالى.

واجب الإحصان والعفة:
أيها الإخوة الكرام: يجب على أولياء البنات أن يعلِّموا بناتهم الغاية الأساسية من هذا الزواج ألا وهو الإعفاف والإحصان للزوج, إعفافه عن الحرام, وإحصانه حتى لا يرتكب الفاحشة, كما أنها تعفُّ وتحصن نفسها عن الحرام وارتكاب الفاحشة.

وحذِّر ابنتك من مخالفة أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك, لأن مخالفتها لأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرِّضها للفتنة أو العذاب الأليم عاجلاً أو آجلاً, قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}.

حذِّر ابنتك من أن تقصِّر في هذا الواجب, وألَّا تتخذ من تركه سبباً لإغاظة الزوج وسلاحاً تشهره في وجهه, لأنها قد تدفعه إلى ارتكاب الفاحشة والعياذ بالله تعالى.

أيها الإخوة الكرام: اسمَعوا وأَسْمِعوا توجيهات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك, وخاصة قد أصبحنا نعيش عصراً بضغطة زر يدخل فيه الإنسان العالم, حيث التوجيه الإباحي والعياذ بالله تعالى الذي نتيجته دمار آخر معقِل للمسلمين ألا وهو الأسرة.

وجِّهوا بناتكم بتوجيهات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, واعلموا بأنكم مسؤولون يوم القيامة, فإن قصَّرنا في التوجيه عرَّضنا أنفسنا للفتنة أو العذاب الأليم لا قدَّر الله.
توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع:

أيها الإخوة الكرام: تعالوا لنسمع توجيهات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع ثم لنوجه بناتنا إلى ذلك:

أولاً: المرأة لا تؤدي حقَّ ربها حتى تؤدي حق زوجها:
 أخرج ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: (لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا هَذَا يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ, فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلا تَفْعَلُوا, فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا, وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا, وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ).

فوائد هذا الحديث الشريف:
1ـ لا تتعجل بالحكم على المخالف بأنه كافر ومرتد, فهذا سيدنا معاذ رضي الله عنه عندما سجد للنبي صلى الله عليه وسلم, سأله رسول الله ما هذا؟ وعندما أخبره عن سبب هذا السجود قال له: لا تفعل.
ما نهاه إلا بعد معرفة الدافع والغاية من الفعل, فهو سجد للنبي سجود تعظيم لا سجود عبادة قطعاً, وإذا كان السجود للتعظيم دون العبادة فليس شركاً, ولكنه معصية وكبيرة من الكبائر.

2ـ إذا كان أهل الضلال يحترمون علماءهم, فهذه الأمة من باب أولى وأولى أن تحترم علماءها, وخاصة نحن نعلم بأن هناك من يسيء إلى العلماء ويعطي الصورة المستقبحة وهم بريئون من ذلك.

3ـ والأمر الذي يهمُّنا في موضوعنا أن نعلِّم بناتنا بأنَّ المرأة لا تؤدي حقَّ ربها حتى تؤديَ حقَّ زوجها, عباداتها لا تُرفع, وطاعاتها لا تُقبل, حتى تؤدي حقَّ زوجها في غير معصية لله عز وجل.

ومن حقِّ الزوج على زوجته أن لا تمنعه نفسها ولو كانت على ظهر جمل, لأن الغاية من الزواج العفَّة والإحصان, وربما أن تكون حاجة الرجل للمرأة أعظمَ من حاجة المرأة إلى الرجل, فلا يجوز أن تمنعه نفسها في أيِّ حال من الأحوال, إلا في حال حيضها ونفاسها.

ثانياً: حذِّرها من اللعنة إذا قصَّرت:
أيها الإخوة الكرام: يجب علينا أن نعلِّم بناتنا بأنَّ الواحدة منهنَّ إن قصَّرت في إعفاف زوجها وإحصانه وخاصة إذا دعاها إلى فراشه فالملائكة تلعنها, روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا, لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ). وفي رواية الإمام مسلم: (إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ).

علِّموا بناتكم هذا الواجب الذي عليهنَّ قبل الزواج, وحذِّروهنَّ من المخالفة حتى لا تُصَبَّ عليها اللعنة من الملائكة الكرام, لأن اللعنة إذا صُبَّت على المرأة لا قدَّر الله تعالى فكيف تجد السعادة؟

ثالثاً: حذِّرها من سخط الذي في السماء:
أيها الإخوة الكرام: حذِّروا بناتكم من التقصير في هذا الواجب, وانظروا إلى أهميته من خلال هذا التحذير النبوي الشريف, حيث يُقسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأن التي تأبى على زوجها في مسألة الإعفاف والإحصان يسخط عليها من في السماء.

يروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ, إِلا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا).

رابعاً: لا تُرفع لها صلاة حتى يرضى زوجها:
أيها الإخوة الكرام: أمر آخر يجب على المرأة أن تعلمه قبل زواجها هو أن لا تبيت ليلة إلا وزوجها راض عنها, لأن المرأة التي تبيت وزوجها عليها ساخط لا تُرفع صلاتها إلى الله تعالى.

روى ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلاثَةٌ لا تَرْتَفِعُ صَلاتُهُمْ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ شِبْرًا: رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ, وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ, وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَان).

وفي الغالب الأعم لا يبيت الزوج ساخطاً على زوجته إلا إذا قصَّرت في حقِّه ولم تُعِفَّه عن الحرام.

ولا تنسى أن تذكِّرها بأنك قد اخترت لها صاحب الدين والخلق الذي إذا أحبَّ المرأة أكرمها وإذا كرهها لم يظلمها, لذلك وجب عليها أن لا تبيت ليلة إلا وزوجُها راضٍ عنها.

خامساً: لا تصوم نافلة إلا بإذنه:
أيها الإخوة الكرام: علِّموا بناتكم بأنه لا يجوز للمرأة أن تصوم نافلة إذا كان زوجها حاضراً إلا بإذنه, كما جاء في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ, وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ, وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ).

بل ذكر الفقهاء بأن المرأة لا تشرع في قضاء ما أفطرته في شهر رمضان إلا بإذن زوجها إلا إذا ضاق الوقت عليها, بحيث جاء شهر رمضان الآخر عند ذلك تقضي ما عليها قبل دخول رمضان الثاني في شهر شعبان.

وحتى ذكر بعض الفقهاء بأنه لا يجوز للمرأة أن تؤدي فريضة الحج إلا بإذن زوجها, لأن الحج يجب على التراخي عند بعض الفقهاء, وأما حقُّ الزوج فيجب على الفور. أما حج النافلة وعُمرة النافلة فقطعاً لا تذهب المرأة إلا بإذن زوجها, لأنَّ حقَّه مُقدَّم.
كلُّ هذا من أجل إعفاف الزوج وإحصانه, كما هو إعفاف لها وإحصان.

سادساً: دعاء الحور العين:
أيها الإخوة الكرام: أسمِعوا بناتكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه الإمام الترمذي عن معاذِ بنِ جبلٍ رضي اللَّهُ عنه, عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : (لا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا في الدُّنْيا إِلاَّ قالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الحُورِ الْعِينِ: لا تُؤْذِيه قَاتلَكِ اللَّه، فَإِنَّمَا هُو عِنْدَكِ دخِيلٌ يُؤشِكُ أَنْ يُفارِقَكِ إِلَينا).

وأعظم أذية من المرأة لزوجها عدم إعفافه عن الحرام, لأن الرجل المسلم يغضُّ بصره ويحفظ فرجه إلا من امرأته, فإذا آذته في ترك فراشه فماذا يفعل هذا الرجل؟ لذلك تدعو عليها زوجته من الحور العين.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة: قد تقول المرأة: لماذا كلُّ هذا, لا تؤدي حق ربها حتى تؤدي حق زوجها, وتلعنها الملائكة, ويسخط عليها من في السماء, ولا تُرفع لها صلاة, ولا تصوم نافلة إلا بإذنه, وتدعو عليها الحور العين إذا قصَّرت في حق زوجها ولم تعفَّه عن الحرام؟ الجواب عن ذلك في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين