كيف نقرأ قرناً من الصراع؟ - في سجل الحركة الصهيونية

كيف نقرأ قرناً من الصراع؟
(1897- 2009م) في سجلّ الحركة الصهيونية


بقلم: م. محمد سيف الدولة


منذ تأسست الحركة الصهيونية عام 1897م، نجحت في تحقيق ثلاثة أهداف كبرى وتكاد تنجح في تحقيق الهدف الرابع، ولقد استغرق تحقيق كل هدف منها ما يقرب من ربع قرن. ودعونا نتذكر القصة منذ بدايتها:
الأول 1897 -1922 (الرخصة)
بعد أن نظم الصهاينة أنفسهم في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897م، أرادوا أن يباركوا فكرة وطن قومي لليهود في فلسطين، برخصة رسمية من القوى الكبرى ومن الشرعية الدولية حينذاك. وهو ما تم بالفعل في وعد بلفور 1917م وفي صك الانتداب البريطاني على فلسطين الصادر من عصبة الأمم عام 1922م الذي نصَّ في مادته الثانية على حق اليهود في وطن قومي في فلسطين، وكان ذلك هو هدفهم الأول الذي نجحوا في تحقيقه، بعد محاولات متعثرة من الهجرات التسللية التي لم تنجح في تهجير أكثر من 50 ألف يهودي على امتداد القرن التاسع عشر. فحققوا الهدف الأول.
الثاني 1922- 1947 (التهجير)
بعد الحصول على الرخصة، بدأوا تنفيذ الهدف الثاني، وهو تهجير أكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين، الأمر الذي ورد صراحة في المادة السادسة من صك الانتداب البريطاني. وقد اعتمدوا في ذلك على تمويل المنظمات والشخصيات الصهيونية الكبرى، وأسسوا له صندوقاً خاصاً تحت إشراف المنظمة الصهيونية العالمية، ونجحوا في ذلك، تحت حماية الاحتلال البريطاني، وهجّروا ما يقرب من 500 ألف يهودي إلى فلسطين، ليرتفع عدد اليهود فيها من حوالى 60 ألفاً عام 1917 إلى ما يقرب من 650 ألفاً عامي 1947/1948، وحققوا الهدف الثاني.
الثالث 1947- 1973 (بناء الدولة)
وتبدأ المرحلة الثالثة بالحصول على قرار من الأمم المتحدة بدولة يهودية، وهو القرار المشهور باسم قرار التقسيم الصادر في 29 /11/ 1947، الذي أعطى اليهود 56.4% من فلسطين وأعطى العرب 44.6 % منها، في وقت لم يكن يمتلك اليهود فيه سوى 5.6 % من أراضى فلسطين. وليشرعوا فوراً في بناء دولتهم المسماة «إسرائيل» التي نجحوا في بنائها بالأساليب الآتية:
- ارتكاب عدد من المذابح الإرهابية مثل دير ياسين وأخواتها، حيث نجحوا في تفريغ البلاد من حوالى 750 ألف عربي.
- الانتصار على جيوش الدول العربية مجتمعةً في حرب 1948، مستغلين تردي حالة العرب، والاستيلاء على مزيد من الأرض لتصل جملة ما يسيطرون عليه إلى 77.4 %.
- استقبال دعم هائل من الأموال والسلاح من أمريكا والدول الأوروبية ضمنت لدولتهم البقاء والتفوق العسكري على الجانب العربي.
- اغتصاب باقي فلسطين عام 1967م بالإضافة إلى سيناء والجولان.
- تهجير 1.5 مليون يهودي إضافي إلى فلسطين في الفترة من 1949 إلى 1973.
- التحالف مع الولايات المتحدة وحلفائها التي أعطتهم دعمها الكامل كما أمدتهم بالحماية والغطاء الدوليين من خلال موقعها في الأمم المتحدة. وحققوا الهدف الثالث.
الرابع 1973- 2009 (الاعتراف)
بدأوا بتحقيق هدفهم الرابع المتمثل في انتزاع الاعتراف الفلسطيني والعربي بشرعية دولة «إسرائيل» الذي كادوا أن ينجحوا في تحقيقه:
- فلقد نجحوا بعد حرب 1973 في إخراج مصر من الصراع وأخذوا منها اعترافاً كاملاً بدولة «إسرائيل» بموجب اتفاقيات السلام (كامب ديفيد) عام 1979.
- بعد أن طردوا القوات الفلسطينية من لبنان عام 1982، نجحوا في أن ينتزعوا من القيادة الفلسطينية اعترافاً بدولة «إسرائيل» وتنازلاً عن فلسطين 1948 بموجب اتفاقيات أوسلو 1993.
- تلاها اعتراف الأردن «بإسرائيل بموجب اتفاقيات وادى عربة عام 1994.
- ثم أخيراً اعترف النظام الرسمي العربي كله ممثلاً في جامعة الدول العربية بحق «إسرائيل» في الوجود، بموجب مبادرة السلام العربية عام 2002.
في هذا السياق التاريخي يجب أن نقرأ العدوان الأخير على غزة، ونقرأ الأحداث الجارية، ونحدد بوصلتنا للمستقبل.
فالمعركة تدور الآن حول الاعتراف بإسرائيل وكل ما عدا ذلك تفاصيل أو قضايا فرعية.
ليست القضية هي الانقسام الفلسطيني، أو الخلاف بين المتشددين والمعتدلين أو الدور الإيراني والدور العربي، أو التنافس على المكانة الإقليمية بين دولة عربية هنا وأخرى هناك، وليست أيضاً مجرد صراع محدود على صواريخ حماس أو المعابر أو الإعمار


مجلة الأمان العدد (346) السنة (17) الجمعة 2 ربيع الأول 1430.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين