كيف نغضب لرسول الله غضبا يليق بجنابه

 بغضب تستقبل أمة محمد رسول الله صاحب الخلق العظيم ، الرؤوف الرحيم ، إصرار أصحاب الإثم على إثمهم ، ومرتكبي الجريمة على جريمتهم ..

وإذا كان ما ارتكبه أصحاب مذبحة ( شارلي ايبدو ) جريمة لا يبررها شيء ولا يفسرها شيء ولا يدافع عنها إنسان ؛ فإن ما أصرت على الاسترسال فيه الصحيفة نفسها هذا الصباح ، مستخفة بمشاعر خُمس سكان الأرض بمحاولة سخيفة للنيل من سيد الخلق محمد رسول الله هو جريمة بكل المعايير لا يفسرها شيء ولا يبررها شيء ولا يدافع عنها إنسان ..

وإذا كان الذين أقدموا على العدوان على مقر الصحيفة وقتل محرريها هم من الأصوليين المتطرفين الجهلة الأغمار فإن هذه الأوصاف نفسها تلحق بالقائمين على الصحيفة الذين استرسلوا اليوم في جريمتهم لنقول عنهم بكل الحق أيضا إنهم مجموعة من الأصوليين المتطرفين الجهلة الأغمار والمعتدين أيضا ، على اعتبار أنهم البادئون بالعدوان . لقد استمرأ هؤلاء المتطرفون وداعموهم من موقع القوة و السيطرة السير في طريق الإثم بناء على حق مدعى في شتم الناس والنيل منهم ، والاستعلاء على الشعوب . ولاستخفاف بثقافتها وعقائدها وإنسانها .

 اليوم وإذ يغضب المسلمون في كل أنحاء العالم ؛ يغضب حكامهم وولاة أمورهم ، ويغضب علماؤهم و نخبهم ، ويغضب رجالهم ونساؤهم وأطفالهم ، وتغضب كل أشجار النخيل والتين والزيتون في بلادهم . فإن عليهم أن ينظموا غضبهم وأن يخرجوه بصورة حضارية تليق ، بأمة محمد صلى الله على محمد ، وأن يكون غضبا هادفا إيجابيا فاعلا مؤثرا ومنجزا . غضب يدفع الأصوليين الأشرار المستكبرين المستعلين إلى إعادة النظر في قيمهم ومفاهيمهم وقوانينهم التي يفرضونها على شعوب العالم بما يمتلكون من أدوات القوة والسيطرة، ويجبر كل المستهترين بقيم التعايش البشري على مراجعة موقفهم .

وحين تغضب أمة محمد صلى الله عليه وسلم لعقيدتها ولدينها ولرسولها فإن المطلوب أن تغضب غضبا يليق بمقام العقيدة والدين والرسول في نفوسنا . غضب لا ينجرف إلى عالم الجريمة بفعل نزق أرعن كالذي أقدم عليه الذين فعلوا فعلتهم المنكرة في مقر الصحيفة الباريسية ، ويتجاوز في الوقت نفسه حالة الغضب اللفظي من السب والشتم أو الإدانة والاستنكار بحيث ينطبق على أصحابه قول العرب ( أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل ). مرة أخرى نؤكد أن غضبنا لرسول الله يجب أن يكون حضاريا هادفا وإيجابيا وفاعلا ومؤثرا ومنجزا ..

 ويجب أن يكون من هدف هذا الغضب السعي الجاد على مستوى الأمة حكاما ونخبا وجماهير ، بذل الجهد المنظم في كل المحافل الدولية ذات الصلة إلى المشاركة في وضع القواعد لحياة مجتمع بشري إنساني موحد تقوم على القسط والبر ويسودها التعاون على الخير ويُجمع أبناؤها على رفض كل أشكال الإثم والعدوان وكل مغذيات الكراهية والانتقام ...

يجب أن نضع خططنا على مستوى الأمة وأصدقائها في العالم للتأسيس لعيش مشترك في مجتمع بشري إنساني على ظهر هذه المسكونة يربط التعارف والتآلف والتعاون على كل أشكال البر بين أبنائه وبناته جميعا ويسوده الحوار الإيجابي المتكافئ في حل كل مشكلاته وقضاياه ، حوار تكون مرجعيته العقول والقلوب المفطورة بأصل خلقتها إلى الانحياز إلى الحق والخير والجمال ...

لقد بنت عقيدتنا وشريعتنا وحضارتنا مجتمعاتنا منذ أول يوم تأسست فيها هذه المجتمعات على قواعد التعددية وفي أطر العيش المشترك حيث ما زلنا نجد على الجغرافيا الإسلامية بقايا حضارات وملل ونحل ظل بقاؤها شاهدا على طبيعة العقيدة والمنهج والإنسان ...

إعادة التأسيس للمجتمع البشري الإنساني الموحد لعيش مشترك رحب يظلله التعارف لا التناكر ويربط بين أبنائه البر والقسط والود كل أولئك ينبغي أن يكون الثمرة الهادفة والمباشرة لغضب أمة رسول الله لرسول الله ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين