كيف نحمي مجتمعاتنا من خطر الخرافة؟ (2-3)

 

حقيقة أني لم أكن أعلم أن وراء هذا الهوس الأعمى بالخرافة بُنية ثقافية كبيرة، تجنح بشكل واضح إلى تفسير كل شيء بعيداً عن العلم والواقع، وتبحث عن أي سند ديني ولو كان واهياً، بل ولو كان فيه تشويه للدين نفسه.

أقرأ لأحدهم -وهم كثر- عن تأثير العين في حياة الناس: (إن أكثر من %50 ممن يموت من المسلمين هو في الأصل بسبب العين!) ويضيف: (إن الكثير من الأمراض العضوية والنفسية والعصبية التي يعجز الأطباء عن معرفة سببها هي من أثر العين.. كأمراض المفاصل والخمول والأرق والحبوب والتقرّحات والنفور من الأهل والبيت والمجتمع والدراسة)، وهناك أيضاً (العين السمّية) التي تبث السموم فتتلف خلايا المخ (فقد يصاب الإنسان بعين سمّية في رأسه فتتلف خلايا مخه فيصاب بالجنون)، والشياطين حاضرون في المشهد أيضاً (فالإنسان الحاسد العائن يكون مصحوباً بالشياطين، ومن خلاله يتسلطون على المحسودين)، وأما مستند هذا التشخيص فهو حديث يسوقه الباحث هكذا: (أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس، قال البزار يعني العين!.. ومن وجه آخر: إن أكثر هلاك أمتي في العين)، والباحث لم يتعب نفسه في تخريج الحديث، مع أن المحدّثين تكلموا فيه طويلاً، ومجموع كلامهم يخرجه قطعاً من دائرة الصحة ومن دائرة الاحتجاج أصلاً.

نقلت لي إحدى الطالبات هذا الكلام ضمن بحث قدمته عن هذه المسألة، وكنت أسألها: هل أنت مقتنعة أن أكثر هلاك المسلمين بسبب العين؟ قالت: نعم! قلت وكيف تجمعين بين هذا وبين ما نراه بعيوننا من قتل واسع في سوريا والعراق واليمن وغيرها، إضافة إلى حوادث المرور والمستشفيات المليئة بالمرضى؟ قالت: وما المانع أن يكون السبب الأول في كل هذا هو العين؟

كنت أنظر بعيداً إلى مستقبل هذه الطالبة، وأنها ربما ستكون مدرّسة لأجيال قادمة، وأنظر أيضاً إلى البنية التعليمية التي ساهمت في تكوين هذه الثقافة، ثم كيف نعجب بعد هذا من ظهور الطرف النقيض وموجات الإلحاد التي أخذت تجتاح كثيراً من شبابنا وبناتنا.

كنت أسأل إذا كانت العين بهذا التأثير الفتّاك فما حكم استعمالها كسلاح ندفع به عن أنفسنا، بعد أن عجزنا عن مجاراة أعدائنا بصناعة الأسلحة المادّية، خاصة أن البحث يشير إلى إمكانية الإعداد والتهيؤ للغزو بها! ويذكر في هذا قصة عن رجل كان يجوّع نفسه لأيام لتكون إصابته أدق وأقوى! 

إن إعطاء عين الحاسد أو عين المعجب كل هذه الصلاحيات في الخلق وإن كانت تُشفع غالباً بعبارة (بإذن الله) إنما هو في الحقيقة أشبه بخرافة (الولاية التكوينية) التي يعتقدها غلاة الشيعة بأئمتهم، بمعنى أن الله منحهم صلاحية التأثير المطلق في هذا الكون، فإن قلنا لهم: إن هذا شرك بالله وسلب لخصائص ربوبيّته وألوهيته، قالوا: كيف وهم لا يفعلون هذا إلا بإذن من الله؟

فإذا كانت عين (العائن) تقتل أكثر من %50 من المسلمين، فكيف بعين (الإمام)؟

ثم هل اعتقاد المشركين بأصنامهم يبعد عن هذا؟ والقرآن يقول فيهم (وَلَئِن سَأَلْتَهم: مَنْ خَلَق السَّمواتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ: اللهُ) فأصنامهم ليست سوى أسباب أيضاً!

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين