كيف نتعامل مع محبي الرياضة ومتابعي كأس العالم؟

كيف نتعامل مع محبي الرياضة ومتابعي كأس العالم؟

 

د. سعد الكبيسي

يتحدث الكثير من الغيورين من العلماء والدعاة عن ممارسة الرياضة ومتابعة مباريات كأس العالم وكيف انها تلهي الشباب عن معالي الأمور، خصوصا مع أوضاع المسلمين المؤلمة وقضاياهم الحية، وربما تشغلهم حتى عن عباداتهم المفروضة عليهم، مع ما يرافق هذه المباريات من بعض المنكرات.

 

ومع أني لست من هواة الرياضة ومتابعتها لكني أود هنا تسجيل بعض النقاط:

1)                    لا بد أن نكون منتبهين لموقع الرياضة الآن في حياة الناس عموما، وفي حياة الشباب على وجه الخصوص، وأنها عند شرائح واسعة منهم ليست شيئا ثانويا ولا كماليا، سواء على مستوى ممارستها أو على مستوى متابعة فعالياتها.

2)                   مع جلالة الدور الذي يؤديه العلماء والدعاة في التنبيه على المخالفات الشرعية في ممارسة الرياضة ومتابعتها، لكنهم في الوقت نفسه لا بد أن يوجهوا باتجاه المساحات الشرعية لهذه الممارسة والمتابعة الرياضية، فمرافقة بعض المخالفات للرياضة لا يعني تحريمها بالكامل، والواجب بيان الحلال منها والحرام على حد سواء، وبيان ضوابط الممارسة والمتابعة وليس منعها بالمطلق بحجة سد الذرائع المتوهمة.

3)                 إن ممارسة الرياضة جزء من ديننا، لكن الممارسة الان في الواقع قد ترافقها بعض المخالفات، مثل المراهنات والتعصب وكشف العورات والنظر إليها والرياضات الخطرة وغير ذلك، وهنا وجب التنبيه على هذه وأمثالها، لا شن الحرب الشاملة على ممارسة موجودة في ديننا أصلا، وإنما الواجب الترشيد والتوعية والتوجيه.

4)                   إن ممارسة الرياضة ومتابعتها ضمن الحدود والمساحات الشرعية للشباب خصوصا، خير ألف مرة من حالة العطالة والبطالة عند الشباب، فالانشغال بالمباحات _ ولو كثرت _ خير من الفراغ المفضي غالبا للمحرمات، وهذا من فقه الموازنات الذي نحتاجه، وقواعد التربية التي نلمحها ونحن نخاطب الناس والشباب، وما هم فيه من حب وعشق لممارسة للرياضة ومتابعة لها، ولا يعني هذا طبعا إغفال تذكيرهم بالواجبات وبما هو خير من المباحات وفق الممكن دون تكلف أو تشدد أو تعسير.

5)                  إن فعل المباحات لا يعني عدم تنبيه الشباب إلى الأولويات من العبادات وطلب العلم وتحصيل الشهادة الدراسية والعمل وطلب الرزق وغيرها إن اخلوا بها، لكنهم إن لم يخلوا بها وارادوا الترويح ببعض المباحات فلا بأس بذلك.

6)                   إن العزائم ومعالي الأمور مطلوبة في الدين من الدعاة ومن أجيال المسلمين عموما، فالأمة والأوطان تنتظر منهم الكثير ليقدموه، لكن الترخص وممارسة المباحات من الدين أيضا، فلا يطالب الناس جميعا بالعزيمة فليس كل الناس من أهل العزائم على طول الخط.

7)                  إن كأس العالم هذه السنة يحمل دلالات فكرية وسياسية بين الغرب والشرق وبين الفضيلة والرذيلة وليس مجرد كرة قدم فقط، ولهذا فهو فرصة ذهبية لتوعية المتابعين بهذه التعقيدات والدلالات التي رافقت هذه الدورة من المونديال.

8)                  إن العلماء والدعاة هداة إلى الله، وقادة للناس نحو الحياة وفق المنهج الإسلامي، ولذا فهم كما يطالبون بالواجبات والمحرمات فهم منتبهون للمباحات والرغبات المشروعة، ومرشدون لمقدار الأخذ منها، وأن لا ينجرفوا من خلالها للحرام، وليسوا قضاة يصدرون الأحكام المانعة والمحرمة على الناس بالمطلق دون نقاش ولا ملاحظة للمساحات المشروعة.

9)                  قد يكون من الضروري ان يشعر المسلم فاعل المباح انه لا يفعل شيئا محرما، لكن عليه أن يكون حذرا من بعض المنكرات الموجودة، لإن إشعار المسلم فاعل المباح بانه يفعل المحرم والمنكر بالمطلق له تبعات شرعية وتدينية ونفسية سيئة.

10)                  الخلاصة: إن الدور الرئيس للعلماء والدعاة هو في التركيز على بيان المساحات الشرعية للمباحات ومنها الرياضة، وبيان الضوابط لها، والتحذير من المنكرات إن وجدت، وليس التركيز فقط على بيان المحرمات والمنكرات والجنوح نحو المنع المطلق فحسب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين