كيف نتصرف بعد معركة القصير؟

كيف نتصرف بعد معركة القصير؟

 

د. غازي التوبة

لقد استمرت معركة القصير حوالي ثلاثة أسابيع من 19-5-2013 إلى 5-6-2013، وكانت مفصلية على مستوى الثورة السورية، ومن الضروري التوقف أمام هذه المعركة، ووعي حقائقها، وتحديد كيفية التصرف مع نتائجها، وسنتحدث عن محورين فيها، هما: المحور العسكري، والمحور السياسي.

 

 الأول: المحور العسكري:

أما على المستوى العسكري فقد كسب النظام معركة القصير، وأخلى مقاتلي الثورة من القصير ومحيطها، وكان واضحاً أن كسبه لهذه المعركة لم يأت نتيجة قوة ذاتية، إنما جاء بسبب دخول حزب الله بكل ثقله العسكري إلى جانبه، ووضع خبرة مقاتليه معه، حيث أعلن حزب الله لأول مرة على لسان أمينه العام حسين نصر الله إلى الدخول العلني في محاربة الثورة السورية والسبب في ذلك أنه أراد أن يبرر الوفيّات والنعوش التي كانت تصل يومياً إلى الضاحية الجنوبية من جهة، وإلى أوامر الولي الفقيه: الخامنئي التي صدرت بضرورة دعم النظام السوري بكل القوة الموجودة من جهة ثانية.

 

والسؤال الذي يفرض نفسه بعد كسب النظام لمعركة القصير وخسارة الثورة لها، هو: ما واجبنا بعد ذلك؟ وما الاستراتيجية العسكرية التي يجب أن نعتمدها؟ أما عن الاستراتيجية التي يجب أن نتبعها فيجب أن تقوم على ثلاثة قواعد:

 القاعدة الأولى: فقد ثبت أن الثورة أضعف من أن تحتفظ بجزء من الأراضي المحررة، وذلك لأن المدد العسكري الذي يأتي النظام من روسيا وإيران وحزب الله والصين لا ينقطع من جهة، ولأن النظام يملك قوة طيران وصواريخ بعيدة المدى ومدفعية ودبابات، ولا تملك الثورة أسلحة نوعية تواجه بها هذه الأسلحة الفتاكة من جهة ثانية، ولأنه لا يمكن أن يقوم الثوار بعمل تراكمي يبنون عليه انتصاراتهم على الأرض لتصبح مناطق محررة في غياب مناطق آمنة من جهة ثالثة، وهذا ما يجعل احتمال استعادة النظام لأي أرض محررة احتمال قوي.

 القاعدة الثانية: يجب أن يعتمد الجيش الحر نهج حرب العصابات في الأماكن التي تغلب سيطرة النظام عليها، والتي تقوم على ضرب النظام في أماكن تواجده العسكرية والأمنية، وعلى ضرب قوافله، ثم الاختباء بين جماهير الشعب، وتقوم على الكر والفر المستمرين، وتقوم على جعله غير آمن، ويعيش رعباً وخوفاً دائمين.

 القاعدة الثالثة: اعتماد سياسة التصنيع، وتهيئة المواد والخبرات التي يحتاجها لتوفير السلاح النوعي، حتى لا تبقى الثورة رهينة الوعود الكاذبة من الدول الكبرى المرتبطة بمصالحها السياسية من جهة والتي لم تراع أية قيمة خُلقية أو أية مصالح إنسانية من جهة ثانية.

 

الثاني: المحور السياسي:

أما على المستوى السياسي فإن معركة القصير كشفت عدة حقائق:

 

الحقيقة الأولى: انكشاف محور الممانعة والمقاومة وأنه ليس هناك ما يسمى "محور الممانعة والمقاومة" بل هناك "مشروع الولي الفقيه" الذي يشمل كلاً من إيران والعراق وحزب الله وبعض الحركات الفلسطينية، والذي يقوده ملالي إيران، من أجل إقامة امبراطورية شيعية، وأن قضية "الممانعة والمقاومة" و"تحرير فلسطين" إن هي إلا ألفاظ وشعارات من أجل الدعاية، ومن أجل كسب المتعاطفين، ومن أجل استغلال بعض الأطراف السنية إلخ..... وإلا فما دخل "تحرير فلسطين" بقتل المئات في منطقة القصير وقراها؟ وما دخل "الممانعة والمقاومة" بتدمير مناطق بكاملها في مناطق القصير؟

 

الحقيقة الثانية: انكشاف حزب الله بأنه حزب طائفي، يعمل لخدمة إيران، وتقتيل المسلمين دون رحمة ولا شفقة، هذا الانكشاف جعل كثيراً من العلماء والدعاة والسياسيين يتراجعون عن مواقفهم السابقة في دعم هذا الحزب، عندما كان يدعي مقاومة العدو الاسرائيلي، وأبرزهم الشيخ يوسف القرضاوي الذي أعلن قبل أيام ذلك التراجع، والذين نأمل منهم أن يعمقوا الوعي عند جماهير أمتنا بدور ذلك الحزب في تضليل الأمة، وكذب دعاواه في التحرير والممانعة والمقاومة.

 

الحقيقة الثالثة: إن الانتصار في معركتنا مع "مشروع الولي الفقيه" يقتضي عدة أمور:

الأول: الوعي بأهداف العدو.

الثاني: معرفة طبيعة القيادة التي تقود "مشروع الولي الفقيه" والأدوات التي يستخدمها هذا المشروع في تحقيق أهدافه.

أما عن الأمر الأول وهو الوعي بأهداف العدو، فهو أمر ضروري، لأنه يساعد على عدم تضييع الجهود، والتركيز على تحصين الأهداف التي يستهدفها كي لا تقع في يده.

 

والسؤال الآن: ما الذي يستهدفه "مشروع الولي الفقيه"؟ هل يريد توسيع رقعة إيران الجغرافية؟ أم يريد نفوذاً سياسياً واسعاً؟ أم يريد تكوين امبراطورية شيعية؟

 

الحقيقة إن الجواب الأكيد في أن هدف "مشروع الولي الفقيه" هو تكوين "امبراطورية شيعية" تكون مادتها الأساسية الأمة الإسلامية، لذلك فإن ملالي إيران يريدون أن ينشروا المذهب الشيعي بين أهل السنة، وليس من شك بأن هذا أمر صعب ولكنّه ليس مستحيلاً، ويمكن أن يصبح مستحيلاً إذا نشرنا الوعي التفصيلي بحقائق الدين الإسلامي، وقدمناه كما قدمه الرسول صلى الله عليه وسلم، ملبياً لحاجات الفطرة، خالياً من البدع والخرافات التي أدخلها بعض المبتدعين عليه، لكل من الطرفين: أهل السنة والشيعة.

 

أما عن الأمر الثاني وهو طبيعة قيادة "مشروع الولي الفقيه" فهي طبقة ملالي إيران، وهي قد خطفت دولة إيران من جهة، كما خطفت الطوائف الشيعية في مختلف أنحاء العالم من جهة ثانية، واستفادت من خصوصية إلزام المذهب الشيعي للشيعي بأن يتبع أحد الملالي ويرتبط به تنظيمياً، ويتلقى منه إفتاءاته الدينية ويدفع له خمس أمواله من جهة ثالثة.

 

لذلك فيجب تحذير الطوائف الشيعية من الانزلاق وراء أوهام ملالي إيران، والتوضيح لهذه الطوائف بأن ملالي إيران يريدون أن يمزقوا الأمة، ويدمروا وحدتها، ويشعلوا الفتن بين أجزائها، ولن يخدم هذا التصرف غير اسرائيل والغرب، وأبرز دليل على ذلك ما يقوم به حزب الله في سورية، من مشاركته النظام البعثي العلماني في قتل السوريين، وهو ما يتناقض مع مبادئ الدين الإسلامي الذي يقوم عليه النظام في إيران، وهو ما يوضح مدى ميكافيلية "قيادة الملالي" ومدى استهانتها بالقيم الواضحة في هذا الدين.

 

الخلاصة: كانت معركة القصير فاصلة في الجانبين: العسكري والسياسي، في المجال العسكري خسرت الثورة معركة القصير، لكن الثورة يجب أن تستفيد من هذه الخسارة لتبني استراتيجية عسكرية جديدة تقوم على توسيع اعتماد حرب العصابات في الأماكن التي يسيطر عليها النظام، وعلى اعتماد سياسة التصنيع العسكري على أوسع نطاق لكي لا تبقى الثورة مرهونة للدول الكبرى.

 

وفي المجال السياسي كشفت معركة القصير محور "الممانعة والمقاومة" بأنه مشروع "الولي الفقيه" الذي يقوده "ملالي إيران"، وقد كشفت –كذلك- حزب الله بأنه حزب طائفي يعمل لصالح "الولي الفقيه"، وقد كشفت كذلك بأن هدف مشروع "الولي الفقيه" هو إنشاء "امبراطورية شيعية".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين