كيف نتصدى لمحاولة روسية تصفية الثورة السورية ؟!

 

تتعدد الأوصاف والأسماء لما نحب أن ندعوه الثرثرة الروسية حول المشهد السوري ، فيقال مبادرة ويقال مفاوضات ويقال حوار ويقال محاولة للاستئناس وتطبيع العلاقات بين السوريين ؛ كل هذه العناوين تطلق على محاولات الروس تفتيت موقف المعارضة السورية ، والقفز على دور ( الائتلاف الوطني ) الذي اعترف به المجتمع الدولي ممثلا شرعيا للشعب السوري . ثم إعادة إخراج مشروع ( بشار الأسد ) في المصالحات والحوارات تحت السقف الأسدي ، والعودة بالسوريين إلى بيت للطاعة ...

لا أحد من السوريين ينكر حالة الانسداد السائدة و المفتعلة التي فرضها المجتمع الدولي على المشهد السوري . ولا يمكن لأحد أن يدير ظهره للمشهد السوري الدامي ؛ لفاتورة القتل اليومية المبهظة ، التي أعطى المجتمع الدولي رخصتها لبشار الأسد وحلفائه من أتباع الولي الفقيه ، والتي بلغت حصيلتها ما يفوق نصف مليون إنسان ومثلهم من المعتقلين ، وما يقرب من عشرة ملايين لاجئ يقرضهم الجوع والبرد والحاجة . لا يمكن لأحد أن يصم الأذن عن العويل والأنين ، أو يلقي على العين غشاوة عن الأشلاء والدماء ، فيعرض بلا سبب عن فرصة لمخرج يمكن أن تحقق للشعب السوري أبسط حقوقه الإنسانية الأولية : الحق في الحياة الكريمة ، والعيش في ظل مجتمع مدني موحد تكون السيادة فيه للشعب الواحد وليس للحزب الواحد ولا للطائفة الواحدة ، ولا لأجهزة القمع المتعددة الموحدة ...

وحتى لا تكون آلام الضحايا بكل شرائحهم موضوعا للمساومة والمزاودة بين السوريين ، يجب أن نؤكد أن وجع القلب على ما نزل وينزل بالشعب السوري نتيجة المؤامرة ( الكونية ) عليه وليس على بشار الأسد ، وإجماع المجتمع الدولي على حماية الجريمة والمجرمين الأسديين وشركائهم في سورية ، هو وجع مشترك بالعمق نفسه ، وبالأحاسيس الفاجعة نفسها بين كل السوريين الشرفاء. ولكن الاختلاف بين هؤلاء اليوم ليس على حقيقة المشاعر الأليمة ولكن على كيفية معاناتها بطريقة إيجابية تحتفظ بالوفاء لدماء الشهداء ، ولمشروع الثورة ، وفي تأمل البديل في الصيروة من الجري وراء سراب المبادرات المزخرفة التي يحاول كل الفرقاء فيها خداع الناس والتغرير بهم بإقناعهم بعملية تصفية للثورة بالعزف على أوتار المحنة الإنسانية ، وزرع اليأس والقنوط في محاولة لمصادرة الثورة وإجهاض مشروعها ..

منذ انطلاقة الثورة السورية كان الروس شركاء عضويين مع عصابة بشار الأسد ، شاركوا عمليا في مشروع قتل السوريين ، وقدموا لبشار الأسد كل طلقة رصاص قتلت طفلا سوريا ، ووقفوا إلى جانبه بثلاثة قرارات فيتو في مجلس الأمن ، بمعنى أنه لم يكن لدى الروس في أي لحظة من تاريخ الثورة أي تعاطف لا مع إنسان سورية ولا مع مشروع ثورتها ، ولا مع تطلعات شعبها . ومع كل ذلك ليس من الحكمة أن يرفض طالب الحق أي نافذة أمل يمكن أن تساعده في نيل بعض حقه بسبب لون الثوب الذي يلبسه صاحب هذه النافذة . بل من شأننا أن نوظف حاجة الروس إلى تطوير دورهم في صراعهم الدولي الذي لا يعنينا الكثير من تفاصيله في معادلة نصرة مشروع ثورتنا .

ولكن حقيقة ما قدمه الروس حتى الآن لايعدو كونه نوعا من الثرثرة السياسية الزئبقية التي تحاول أن تلعب على أكثر من حبل تحقيقا لمصالح صراعها في القرم وأوكرانيا وغيرها ...

والأخطر في هذا الذي يقال له ( مبادرة ) روسية محاولة الروس استنبات أو استيلاد ما يسمونه ( معارضة سورية ) على المقاييس الأسدية ، وتجاهل القوى السورية الحقيقية التي لا تروقهم من جهة ، والتعامل مع القوى التي تروقهم وتوفي بمعاييرهم كأفراد وليس كمنظمات وهيئات ...

ولعله من يأس ومن عدمية وفراغ مما يزيد من خطر هذه ( الشخبطات ) الروسيةأن يبادر الأمين العام للأمم المتحدة على لسان أحد نوابه إلى تأييدها ودعمها ، وأن يعلن المبعوث الأممي إلى سورية السيد دي ميستورا على لسان الناطقة باسمه ( جولييت دوما ) أنه سيرسل ممثلا له إلى موسكو ليكون شريكا في الحوار هناك . ثم أن تنضم الولايات المتحدة في عملية مراوغة شيطانية إلى إعلان تأييدها للمحاورة أو المفاوضة أو المبادرة الروسية بما يشبه عملية ( مد لسان ) من أوباما لبوتين . وهذا يمكن أن يفهم على أنه لامبالاة أمريكية بالمشهد السوري بكل ما فيه ، أو أنه لامبالاة بموسكو وبكل ما يجري فيها . دون أن ننسى مبادرة مصر ومشتقاتها من الدول العربية إلى تأييد الثرثرة الروسية ورعاية توظيف مجنديها ..

قالت العرب من قبل : إن معظم النار من مستصغر الشرر، ومن هنا فإن من حقنا بل من حق شعبنا ألا نستصغر شرر هذه المحاولة الماكرة الخبيثة لتصفية الثورة مهما بدت لنا واهنة أو ضعيفة ومهما بدا لنا من تشاكس القائمين عليها والمشاركين فيها .

ولكن كيف نتصدى لهذه المحاولة سواء قلنا بخطورتها أو بوهنها ولا جداوها ؟ لا أظن أن عاقلا يقول إن التصدي لهذه المبادرة يكون ببيان شديد اللهجة مهما بلغت شدته وعلا رنينه . نرفض وندين ونستنكر لم تكن يوما من أدوات الفعل الثوري . منذ أن كثف العرب تجربتهم وخبرتهم في مثلهم السائر ( أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل ..)

إن الرد على كل محاولات الالتفاف على الثورة السورية : روسية أو مصرية أو إيرانية أو أممية تكون بالالتصاق أولا بالقابضين على جمر الثورة السورية . والانحياز إليهم عمليا ، وجمع كلمتهم ، وتوحيد ما أمكن من صفوفهم ، والآذان على مآذنهم ..

إن الالتحام العملي بالقوة الموحدة في رؤيتها وفي أهدافها وفي استراتيجيتها والجاثمة على الأرض السورية هي التي تصوغ الجواب العملي لكل الذاهبين إلى موسكو أو إلى غيرها تقول لهم : تمسكوا بفرشاة الدهان جيدا فنحن سنسحب السلم من تحت أقدامكم ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين