كيف تؤثر في قلوب الناس

 

(الداعية المؤثر)

 

 

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد:

فإن الدعوة إلى الله تعالى فنٌّ يجيده الدعاة الصادقون، وهي من أعظم ما تملكه هذه الأمة من رأس مال معنوي, ومن خلالها نقدم الترياق للمشكلات التي يعاني منها العالم بأسره. قال تعالى: [قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني...]. . لذا فإن على الدعاة آداباً لابد أن يتحلوا بها حتى يؤثروا في قلوب الناس وعقولهم -فتصل دعوتهم من القلب إلى القلب- وحتى يكونوا رُسُل هِداية، ومشاعل حقّ وخير، يؤدون الرسالة كما أرادها الله تعالى.    

أولاً: من شروط التأثير:

1-الإخلاص لله تعالى:

الإخلاص هو سر النجاح، فالداعية يستكمل في دعوته شروط قبول العمل، بإتقانه وتحضيره، وموافقة دعوته للكتاب والسنة، ثم يسأل الله تعالى الإخلاص والقبول، عند ذلك يكون على المسار الصحيح وتصل دعوته إلى الآفاق. فالإخلاص في العمل يجعل الثمار تؤتي أكلها سريعاً ، وبمقدار الإخلاص تكون المعونة من  الله تعالى.

2-القدوة الحسنة :

فالداعية يؤثر في اقتداء الناس له بسلوكه وتصرفاته وأقواله وحتى ببعض حركاته فالدعوة ليست كلاما ً إنما هي عمل مع الثقة بنصر الله تعالى. والداعية لا يوجه الناس إلى نفسه بل يربطهم بالمنبع الرئيسي ألا وهو الكتاب والسنة، وهذا واضح في القرآن الكريم، قال تعالى: [لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة...] (الأحزاب: 21).

3-التحضير الجيد للموضوع:

من أهم أسباب نجاح الدعاة في البدايات والنهايات هو التحضير للموضوع وبراعة اختيار العنوان، والارتجال يأتي مع التمرس والخبرة في المستقبل، لكن لا بد من التحضير الجيد لمادة الموضوع، واستعمال الوسائل الإيضاحية والصوت والصورة لجذب المستمع إلى الفكرة، وتجنب السآمة والملل.

4-التوازن بين الترغيب والترهيب:

فالداعية المؤثر لا يبالغ في الترغيب حتى يتكل الناس، ولا يسرف في الترهيب حتى ينفر الناس، بل منهجه الاعتدال والتوسط في كل شيء، وبذلك ينشر روح الأمل في نفوس السامعين، وفي نفس الوقت يدفعهم للعمل الجاد والمثمر.

 

5-استخدام الأسلوب القصصي:

الداعية بحاجة إلى الترويح على نفوس السامعين بإيراد القصص التي تصب في نفس الموضوع وتوضح الفكرة، مما يؤدي إلى رسوخ المعلومة؛ لأن القصة يحفظها السامع وترسخ في نفسه سريعاً. وهذا هو منهج القرآن، حيث ذكر قصص الأمم السابقة من أجل الاعتبار بحالهم، وتجنب المعاصي والأخطاء التي وقعوا بها وغير ذلك من الأهداف...  

6-الابتسامة والدعابة:

الداعية عليه أن يكون منفرج الأسارير بسّاماً بشوشاً لا عبوساً مقطب الجبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة،  وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة) أخرجه الترمذي.  فالابتسامة تعرف طريقها إلى القلب مباشرة، وبذلك تحصل العلقة بينه وبين الناس، فيحبهم ويحبونه، فيستفيدون من كلامه ومواعظه ويتأثرون بها أبلغ التأثير. ولكن لا يكثر الداعية من الدعابة والمزاح فيفقد هيبته، بل يكون مزاحه قليلاً كالملح للطعام.

7-انتقاء الكلمة والمصطلح:

من أهم ما يحرص عليه الداعية هو انتقاء الكلمة والمفردة التي تؤدي المعنى الصحيح، فكل مصطلح له مرادفات فعلى الداعية أن ينتقي أجملها وأفضلها، فالكلمة المؤثرة في موضعها يكون مفعولها أقوى من حد السيف. وإن الإنسان مسؤول عن كلماته كما ورد في الحديث: (إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق). أخرجه البخاري 

  
8-الابتعاد عن التملق والتصنع والتلون:

فالداعية المؤثر صاحب مبدأ ومنهج لا يحيد عنه لإرضاء فلان وفلان، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، وعليه أن يلتمس رضا الله أولاً وأخيراً، كما جاء في الحديث: (مَنْ أَسْخَطَ اللهَ فِي رِضَا النَّاسِ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ، وأَسْخَطَ عَلَيْهِ مَنْ أرضاهُ، وَمَنْ أَرْضَى اللهَ فِي سَخَطِ النَّاسِ رَضِي اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ مَنْ أَسْخَطَهُ). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

9- الصدق وعدم ادعاء ما ليس فيه:

 من أهم أسباب الدعوة المؤثرة أن تكون من رجل صادق، لا يدعي ما ليس فيه، ولا يتعالى على الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور). أخرجه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر...). أخرجه مسلم.

10-احترام المواعيد:

فالداعية المؤثر يحترم مواعيده فلا يخلفها، ويجتهد بالحضور إلى موعد الدرس قبل الوقت ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فالناس يرقبونه وإن كان لا يشعر، واحترام الموعد هو احترام للناس الذين ينتظرون، وبالتالي سيبادلونه الاحترام ذاته.

11-التواضع من غير مذلة:

فالإنسان مهما كانت منزلته عليه أن يتواضع لله، قال تعالى في وصف الدعاة الصادقين من المؤمنين: [أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين] (المائدة: 54). أي متذللين غير متكبرين.  وقال صلى الله عليه وسلم: (وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه). أخرجه مسلم فالمتواضع يحبه الناس ويتأثرون به ويلازمونه أكثر من غيره. وقال الشاعر:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ ... على صفحات الماء وهو رفيعُ

ولا تك كالدخان يعلو بنفسه ...... إلى طبقات الجو وهو وضيعُ

 

ثانياً: كيف تكسب قلوب الناس من حولك:

هناك أمور كثيرة تجعل كلماتك تدخل إلى القلوب من غير استئذان، منها:

1- الهدية وإن كانت رمزية:

 قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا). رواه مالك في الموطأ

وفي رواية الترمذي: (تهادوا؛ فإن الهدية تذهب وحر الصدر).

2-إفشاء السلام:

 وهذه نصيحة نبوية لكسب القلوب، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ). أخرجه مسلم

3-الزيارة في الله:

 فمن زار أخاه في الله (ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً). أخرجه الترمذي. وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة ترُبُّها (أي ترعاها وتصلحها)؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه. رواه مسلم . فاحرص أخي الداعية على تفقد إخوانك وزيارتهم في الله؛ لأنها توجب لك محبة الله؛ ومن أحبه الله فقد أمِنَ من عذابه؛ لأن الحبيب لا يعذب حبيبه..!

4-العفو عند المقدرة:

النبي صلى الله عليه وسلم علمنا العفو، عندما عفا عن المشركين يوم الفتح الأعظم؛ لأن العفو يجعل البعيد قريباً، و البغيض حبيباً...، وجاء في البخاري أن هنداً قالت للنبي صلى الله عليه وسلم عندما عفا عنها: (يا رسول الله، ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء، أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك). ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً). أخرجه مسلم.

5-إظهار الشفقة والرحمة والرأفة بالمدعو:

وهذا من منهج النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال في قصة الغلام اليهودي المريض فقال له أبوه أطع أبا القاسم، فأسلم ثم مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي أنفقذه بي من النار). أخرجه أبو داود

6-الإكثار من الدعاء إلى الله في الأسحار: أن يفتح الله لك قلوب الناس.

7- احترم رأي الشخص الآخر: و لا تقل لأحد انك مخطئ إلا إذا كان مخطئ فعلاً فعلِّمه برفق.

 8- اللباقة والأدب: قدم ما تريد على شكل اقتراحات مهذبة ولا تصدر أوامر صريحة.

ختاماً: نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والنية، إنه سميع مجيب.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين