كيف استولى تنظيم الدولة على تدمر وكيف انسحب منها؟

 

بعض السوريين يعتقد أن تنظيم الدولة "داعش" لا يختلف كثيرا عن نظام بشار أسد الفاسد من ناحية الإضرار بالشعب السوري. البعض الأكثر يعتقد أنه لم يمر على سورية ولن يمر، نظام متوحش مثل نظام بشار، حتى أنه فاق نظام أبيه حافظ أسد توحشا وإجراما.

 

 تعالوا نقرأ ما حدث من تعاور لكرة تدمر بينهما، كمثال عما يحصل منهما وبينهما. خلال أقل من سنة من الآن. فقد أرسل داعش300 سيارة دفع رباعي محملة بالأسلحة المتوسطة توجهت كما يقول المثل "دوس دوغري" من دير الزور إلى تدمر في شهر أيار من عام 2015. وقبل أن يستفيق شبيحة يشار، كان داعش قد استولى على تدمر خلال بضع ساعات بدون أن يحرك نظام بشار ساكنا، بل يمكن أن يقال إن تدمر سقطت بيد تنظيم الدولة بدون حرب. 

 

في خفايا سقوط تدمر بيد داعش بدون حرب، نعيد للأذهان أن الخارطة العسكرية – في ذلك الوقت- كانت تميل لصالح فصائل المعارضة بعدما استولى جيش الفتح (المكون بشكل رئيسي من أحرار الشام وجبهة النصرة وعدة جبهات أصغر) على كامل محافظة إدلب. كان آخر مدن المحافظة سقوطا هي جسر الشغور التي حوصر من بقي من جنود النظام في مستشفى المدينة. كان على رأس المحصورين "نمر الورق" العقيد سهيل الحسن الذي نجا من المأزق بأعجوبة. أو قل إن جيش الفتح أفسح له ليهرب فانهارت معنويات من تبقى من جنوده، فهربوا لا يلوون على شيء، فاصطادتهم بنادق جيش الفتح. انطلق جيش الفتح يحرر ريف حماة من فلول جنود بشار وحاصر معسكر "جورين" المنيع في سهل الغاب في سفح جبل العلويين.

 

وحتى لايستولي جيش الفتح على تدمر والقريتين وكانت ما تزال بيد جيش النظام، ثم ينطلق إلى دير الزور، أوحت طهران إلى تنظيم داعش (وهي بالمناسبة لم تقطع صلتها به) أن يبسط نفوذه على تدمر حتى لا تستولي عليها المعارضة. وبهذا تبقى تدمر كوديعة يتم استردادها من داعش فيما بعد، مثلما جرى مع الفرقة العسكرية 17التي كانت تحرس سد الطبقة غرب مدينة الرقة، التي اتخذها داعش مركزا له. وقد تم ذلك خوفا من أن تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، فانسحب منها جيش بشار أسد لصالح داعش.

 

استطرادا، فإن واشنطن لم تكن بعيدة عن استيلاء داعش على مدينة تدمر، فهي ترقب حركاته وسكناته. فكيف يخفى على واشنطن تحرك 300 سيارة من داعش بعتادها في الصحراء، فلا ترسل طائراتها لقصفها؟ وهي التي أرسلت طائرة تحمل "كوماندوس"في نفس الشهر في أيار وأسفرت عن قتل "أبو سياف" وزير النفط في تنظيم الدولة (داعش) وتم خطف زوجته.. إن التنسيق بين داعش وبين نظام بشار أسد لايخفى على أحد. فقد أصبح معروفا على نطاق واسع أن داعش كان يبيع النفط  إلى نظام بشار أسد من آبار استولى عليها منه.

 

عندما بدأت المفاوضات بين نظام بشار وبين الهيئة العليا للتفاوض في جنيف، قامت طائرات موسكو بقصف مدينة تدمر ودمرت ما بقي من أبنية لم يدمرها داعش، فأوعز تنظيم الدولة لما تبقى من جنوده أن ينسحبوا من تدمر، ولسان حال قيادة داعش يخاطب بشار: "وديعتكم ردت إليكم" فلاتحتاج المقايضة إلى كثير توضيح. كما أن موسكو بقيت تقصف أماكن وجود فصائل  المعارضة أكثر من 5 أشهر، ومناطق نفوذ داعش أمامها لم تقربها إلا فيما ندر. وعندما حانت ساعة الحقيقة، ذكّر النظام موسكو أن تدمر وديعة عند داعش فينبغي استعادتها.     

 

نذكّر–على سبيل المثال لا الحصر- بفك الحصار عن مطار كويرس، وتلك إذن قضية أخرى. فقد حاصرته كتائب تنظيم الدولة مدة طويلة، وكان بإمكانها الاستيلاء عليه، لكنها لم تفعل لأن التنظيم لا يستفيد من منشآته. وحانت الفرصة عندما عقد اتفاق عبر وسيط غير معروف، فقام التنظيم بفك الحصار عن مطار كويرس. بالمقابل فتح له حزب الله وميليشيات إيرانية الطريق إلى مدرسة المشاة المهمة في المسلمية (10 كم شمال حلب) في أكتوبر عام 2015، فاستولى داعش عليها وارتكب مجزرة فيها راح ضحيتها العشرات من الجيش الحر.

 

اليوم تجري معارك عنيفة في القلمون بين جبهة النصرة وداعش وقد أصبحت قواته محصورة بين حزب الله وجبهة النصرة. ويعتقد أن حزب الله يمد تنظيم داعش بشريان للحياة لكي يواجه جبهة النصرة. على نفس المنوال يقوم لواء شهداء اليرموك المبايع لداعش مع حركة المثنى بمقاتلة تحالف مكون من أحرار الشام وجبهة النصرة وفصائل من الجيش الحر. ويقال إنه لا يوجد في المنطقة من يقدم العون إلى لواء شهداء اليرموك بعد أن أصبح محصورا في محيط كله أعداء. ويعتقد أن إسرائيل تمده سرا ليبقى يقاتل جبهة النصرة وأحرار الشام.

 

يبقى أن نوضح قضية ملتبسة عند الكثيرين تجعلهم لا يفهمون كثيرا مما يصدر عن قادة تنظيم  الدولة. فلديه قيادات ثلاث: قيادة عسكرية تخطط للعمليات القتالية مكونة من ضباط عراقيين خدموا مع صدام حسين، وهم الذين خططوا للاستيلاء على الموصل ومن بعدها على الرمادي ، هؤلاء يكرهون واشنطن لأنهم يعتقدون أنها سبب نكبة العراق. وقيادة من الانتحاريين، معظمهم من غير العرب، وهؤلاء لا يعرفون بمن يفجرون أنفسهم. فوق هاتين القيادتين فقهاء التنظيم، وهؤلاء مستعدون للتعاون مع الشيطان في سبيل غايتهم، يبررون ذلك بأن عدوتهم طهران تفعل ذلك، فلماذا لا يفعلون هم ذلك؟    

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين