كيف استطاع شحرور جذب شريحة من الناس في العالم العربي ؟

إذا كان محمد شحرور على هذه الدرجة من الجهل باللغة وعيّ اللسان، مع ركاكة أدلته وبعدها عن المنطق واللغة والعقل، فكيف استطاع جذب شريحة من الناس في العالم العربي؟

الأسباب في الواقع عديدة: منها الدعم الإعلامي الذي تلقاه من فضائيات الطغاة الذين يهدفون إلى تغيير المفاهيم الدينية لدى الشعوب، والتي سعت إلى تلميعه وتقديمه باعتباره مفكرا إسلاميا مرموقا.

ولكن أهم الأسباب في نظري هو أنّ شحرور ببساطة يشبع أهواء الكثير من "المسلمين" الذين يشعرون بالحرج إزاء الواقع المعاصر الضاغط. والمعادلة: هناك إسلام له أحكامه التي لا تتفق مع مزاج العلمانية المهيمنة في عصرنا، فأحكام الإسلام المتعلّقة بالأسرة والمرأة، وبالعقوبات وغيرها تبدو "متعصّبة" في نظر الكائن العلماني المعاصر، كما أنّ العقيدة الإسلامية التي لها موقف واضح في تخطئة العقائد الأخرى والحكم بأنها لا تنفع في الآخرة لا تتّسق مع فكرة عدم التعرض لعقائد الآخرين بالتخطئة، وصفات الله في الإسلام تتنافى مع صفات الإله العصري الذي يعرف في الغرب بـ Modern God، ذلك الإله الذي تشكّل في الوعي الأوروبي كفكرة مناهضة لإله العصور الوسطى، والذي لا يكاد يغضب ولا يعاقب، بل هو رحيم دائما ويكاد يكون مجرّد "فكرة" جميلة!

هنا تماما، في سياق هذا التخبّط بين المزاج العلماني العالمي وبين عقائد الإسلام وشرائعه، يأتي شحرور ويحاول إعادة تأويل الإسلام ليتّسق مع المزاج العلماني المعاصر، بل إنّ هذا الخطاب كامن بوضوح في شعاره الرئيسي وهو "القراءة المعاصرة"، فهي معاصرة بمعنى توافقها مع مزاج العصر العلماني!

وبهذه الطريقة يقدّم شحرور وصفة مريحة لأولئك المتحرّجين من أحكام الإسلام وعقائده، ولكنهم في نفس الوقت لا يريدون الانسلاخ عنه، أي يرغبون بأن يظلّوا مسلمين ولكنهم في نفس الوقت يقبلون القيم العلمانية، وهنا يأتي شحرور ليقول لهم: هذا ممكن! ووسيلته في ذلك التعاطي العبثي مع اللغة، فكل لفظ له جذر، وبالعودة إلى الجذر ، ثم الصعود مرة أخرى إلى جميع دلالاته سيختار شحرور بانتقائية الدلالة الأكثر اتفاقا مع المزاج العلماني، وبهذه الطريقة تحوّلت "النساء والبنين" في سورة آل عمران إلى الموضة والأبنية (أرجعها لأفعال "نسأ" و"بنى" وتكلّف تكلّفا سخيفا في تأويلها!)، رغم أن السياق يدل على سخافة هذا التفسير بل وكونه مضحكا، ولكن هذا ليس مهما، فالمهم هو كيف نتخلّص من فكرة تتعارض مع المزاج العلماني الذي يرفض عرض المرأة والأطفال باعتبارهم "شهوة" ضمن "أشياء" أخرى كالخيل والذهب والفضة والأنعام. فالذي يزعجه هذا المفهوم الإسلامي المتعارض مع قيمه العلمانية، وفي نفس الوقت لا يريد التنصّل من دينه وقرآنه؛ سيعجبه أن يكون للآية تأويل متوافق مع المزاج العلماني، فقد جمع – في وهمه – بين الاحتفاظ بالقرآن والتمسّك بقيم العلمانية! وكذلك الأمر بخصوص فكرة "جهنم" التي جعلها شحرور صغيرة الحجم، ومعظم الناس عنده سيدخلون الجنة، أما جهنم فهي مجرد "سجن" للآخرة كسجون الدنيا، حيث لا يدخله إلا واحد من مليون، فهو "إله عصري" تماما كرجال الحضارة المعاصره، يتبع نظامهم في العقوبة العلمانية "الرحيمة"!

هذا هو في نظري السبب الرئيسي الذي يدفع بعض المفتونين إلى قبول خطاب شحرور، رغم أنه يفتقر إلى البلاغة وسطحي ومليء بالمغالطات الاستدلالية، فالنتيجة هي التي جذبت هؤلاء لا الأدلة، ومما يدل على ذلك أن معظم أتباع شحرور عاجزون عجزا تاما عن مناقشة مضامين النقد الذي قُدّم لأفكاره بالأدلة؛ لأنّهم إنّما اتبعوه للنتائج التي يقدّمها لهم لا لأدلته.

في أسفل المقالة رابط فيه روابط سبع مقالات للأستاذ شريف محمد جابر في نقد أفكار شحرور وبيان تهافتها..ونشر أكثرها في موقع الرابطة مع عشرات المقالات هنـــا

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين