كيفما يُولَّ عليكم تكونوا

أليست الحكمة تقول: (كيفما تكونوا يولَّ عليكم) .؟

نعم ؛ ولكن عكسها أيضاً (كيفما يُولَّ عليكم تكونوا) له وجاهته، فالحكمة العربية القديمة تقول: (الناس على دين ملوكهم).

فنظام الحكم له تأثير بالغ في إصلاح الشعوب أو إفسادها، ليس فقط من خلال وسائل الإعلام والثقافة التي تشكل الفكر والوجدان، ولكن الأخطر من ذلك من خلال منظومة الحكم وأجهزة السلطة ومؤسساتها وتشريعاتها.

على الجانب المشرق، وجدت في "فيينا" عاصمة النمسا أن راكب المترو لا يمر عبر بوابات للتدقيق على كونه حامل تذكرة أم لا، وقد يمر عليه عام من الركوب دون أن يصادف مدقق بشكل عشوائي على الركاب.

هذه حالة شعب اعتاد على هكذا نظام وقوانين وصبغ بها مجمل حركته في الحياة، على قاعدة الثقة المتبادلة بين الشعب ونظام قائم على النزاهة والأمانة والشفافية، ولا يمكن تصور هذه العلاقة أبداً في نظام حكم فاسد.

وعلى الجانب المظلم، تُطِل علينا أنظمة حكم تقود شعوبها بالغِش والخداع، ويتحول النظام الحاكم إلى نظام ينظم الفساد والغِش، حتى يصير جزءا من بنية المجتمع والسلوك الاعتيادي للناس.

في هكذا نظام تتفشى الرشوة كجزء من ممارسة الناس في حياتهم اليومية، ويتحكم النظام بها في مصالح الناس، ويجد المواطن -صالحاً كان أم طالحاً- نفسه مضطراً لأداء الرشوة لينال ما يُفتَرض أن يكون حقه الطبيعي، ويجد الموظف المرتشي حُجَّته في راتبه الحكومي الذي لا يوفي الحد الأدنى للمعيشة، أو حجته في كونه تِرسا صغيرا في ماكينة فساد كبيرة.!

وفي هكذا نظام تقوم منظومة التعليم على الغش، وهى المنوط بها تربية أفراد المجتمع، ويتحول هذا الغش إلى منظومة متكاملة تنال بشَرِها من الطلاب والمدرسين بل وأولياء الأمور، :

فالمدرس يغش التلاميذ بالتقاعس عن أداء دوره طمعا في دروس خصوصية تعوض الراتب الهزيل الذي تصرفه له الدولة، والطالب يغش في لجان الامتحان لأنه لم يتعلم أصلاً، وإدارة المدرسة تُسَرِب الامتحانات، وأولياء الأمور يشجعون أبناءهم على الغش لضمان نجاحهم والتخلص من عبء مصروفاتهم .!

الرشوة والغش نموذجان لدوائر جهنمية تفرم بها الدولة سلوك الناس ليسير الجميع طائعين أو مرغمين ضمن هذه المنظومة الشيطانية التي تفسد ذمم الناس وسلوكهم.

ويعيش الحليم حيران بمشاعر مختلطة في تقييم سلوك بعض الشعوب المنكوبة بأنظمتها الفاسدة.

هل يلوم تلك الشعوب أم يعذرها.؟

أياً كانت الإجابة، فسنكتشف وجاهة الحكمة: (كيفما يُولَّ عليكم تكونوا)، ونظيرتها (الناس على دين ملوكهم)، فنظام الحكم يمتلك من الأدوات ما يُمَّكِنه من إصلاح أو إفساد الشعوب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين