كورونا والملاحظات التسع 5-5

وأما قول الكاتب في ملاحظته الثامنة:

ثامنا- وباء كورونا يذكّرنا بأولوية الاشتغال على البعد العلمي- الإدراي للكينونة الاجتماعية ، وعدم المبالغة في البعد العقائدي الديني ، حيث أن العالم الآن يحتاج للعلماء والأطباء والسياسات الصحية الحكيمة وليس للمشايخ والخوارنة والحاخامات ! فلن نجد ما يفيدنا في تجاوز وباء كورونا في نصوص القرآن الكريم ونصوص العهد القديم أو الجديد ولن يفيدنا كتاب صحيح البخاري وكتاب الكافي للكليني و لن تفيدنا أحاديث أبو هريرة (يقصد: أبي هريرة) بشيء ، و(قبيلة حدّثنا) في شيء !! اهـ

وأقول: ليت الكاتب يعلم أن الاشتغال بالبعد العلمي لا يتنافى مع البعد العقدي البتة.

لا بل إن البُعد العقدي عند المسلمين يقتضيهم دِيانةً، الاشتغال الجاد على البعد العلمي، واستفراغَ الوسع في الأخذ بأسباب السلامة، وقاية للأصحاء، وعلاجا للمصابين.

فقد روى ابن حبان في صحيحه، وابن ماجه في سننه، والحاكم في مستدركه، جميعهم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْأَعْرَابَ يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَيْنَا جُنَاحٌ أَنْ نَتَدَاوَى؟ قَالَ تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلَّا الْهَرَمَ.

قال ابن حبان بعد رواية هذا الحديث في صحيحه: قال سفيان: ما على وجه الأرض اليوم إسناد أجود من هذا. اهـ

وقال الحاكم في المستدرك بعد روايته: هذا حديث صحيح الإسناد، فقد رواه عشرة من أئمة المسلمين وثقاتهم عن زياد بن علاقة... اهـ

وقال الذهبي في التلخيص: صحيح على شرط البخاري ومسلم. اهـ

وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء.

وفي سنن أبي داود عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيَ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا عَلَى فُؤَادِي، فَقَالَ: إِنَّكَ رَجُلٌ مَفْؤودٌ، ائْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ أَخَا ثَقِيفٍ، فَإِنَّهُ رَجْلٌ يَتَطَبَّبُ، فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ، فَلْيَجَأْهُنَّ بِنَوَاهُنَّ، ثُمَّ لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ.

وفي رواية ابن منده لهذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال للحارث بن كلدة: عالج سعداً مما به. كما نقله الحافظ في الإصابة.

ثم نقل الحافظ عن ابن أبي حاتم قوله عن الحارث بن كَلَدَة: لا يصح إسلامه، وهذا الحديث يدل على جواز الاستعانة بأهل الذمة في الطب. اهـ

فالعلاقة بين العقيدة الإسلامية، وبين السياسات الصحية الحكيمة والأبحاث العلمية الطبية النافعة، علاقة تكامل وتساند، لا تعارض فيها ولا تَعانُد إلا في عقل هذا الكاتب ومن على شاكلته، المسكون ببغض الإسلام، المتشبع بازدرائه عقيدة وشريعة.

وحسبك في الدلالة على ذلك أنه جعل المشايخ والخوارنة والحاخامات، ونصوص القرآن الكريم، ونصوص العهد القديم أو الجديد، وصحيح البخاري، في سلة واحدة.

وهذا لا يقول به مسلم ولا منصف.

أجل العالم يحتاج في هذه الجائحة إلى العلماء الباحثين، والأطباء الممارسين، والسياسات الصحية الحكيمة.

ولكنه في نفس الوقت محتاج إلى القرآن وإلى صحيح البخاري وإلى المشايخ الذين يرشدون الناس إلى ما في القرآن وصحيح البخاري وسائر دواوين السُّنَّة النبوية من الدعوة إلى الطمأنينة والتذكير بالإيمان بالقدر، مع الدعوة إلى الأخذ بأسباب السلامة من وقاية أو علاج.

ولعل الكاتب لا يعلم أن البخاري رحمه الله تعالى قد قسَّم كتابه الجامع الصحيح ورتبه على نحو من مائة كتاب، أولها: كتاب بدء الوحي. وآخرها: كتاب التوحيد. وأن من الكتب التي يتألف منها صحيح البخاري كتابا اسمه: (كتاب الطب) وهو الكتاب التاسع والسبعون منه، وينضوي تحت كتاب الطب سبعة وخمسون بابا، كلها في مجال الطب والتداوي، تحت كل باب حديث أو أحاديث تناسب عنوانه.

ولعل الكاتب لا يعلم أن العلامة ابن القيم رحمه الله، قد أفرد في كتابه: (زاد المعاد في هَدْيِ خير العباد) جزءا من الكتاب يبلغ مجلدا كاملا، في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الطب.

وقد طُبع ذلك المجلد مُستقلا عن كتاب زاد المعاد، مُستلا منه، بعنوان: (الطب النبوي)

فالتكامل قائم بين الطب وبين الهدي النبوي في الأحاديث الشريفة، وبين الطب وعلومه وبين القرآن.

وهل يستغني الناس في هذه الجائحة الوبائية المرَضية عن السكينة والطمأنينة النفسية التي يجدونها في قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]

وفي قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران: 145]

وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154]

وقوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78]

فما أعظم اليقين والراحة النفسية التي تغرسها هذه الآيات في قلوب المؤمنين بالقرآن!

فكيف – بعد كل هذا - يقول الكاتب في هذا المقال العدواني للمجاهر بالعظائم: (فلن نجد ما يفيدنا في تجاوز وباء كورونا في نصوص القرآن الكريم)؟!

بلى والله إن نصوص القرآن لتُفيد المؤمنين بها في كل آن، وفي هذا الأوان على وجه الخصوص.

وإلا فهل يستغني الناس في هذه الجائحة الفاجعة التي أضرت بكل مناحي حياتهم، عن التذكير بالإنابة إلى الله والضراعة إليه بمثل قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]

وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)} [الأنعام]

فإن القادر على إرسال البأساء والضراء على الناس، هو سبحانه وحده القادر على كشفه عنهم، كما قال سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]

وقال سبحانه: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)} [الأنعام: 63 - 65]

ولاحِظوا ختم الآية بقوله: {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}. أفيُحْرَم الناس من هذا الفقه أحوجَ ما يكونون إليه؟!!

ومن فقه البلاء في القرآن الذي يجب أن ينتفع الناس به في زمن كورونا، أن يَذكروا السنة الربانية في البلاء، المقررة في غير موضع من القرآن الكريم، والتي جاءت تحت عناوين عِدَّة، منها: (فبما كسبت أيديكم) في قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]

ومنها: (قل هو من عند أنفسكم) في قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]

ومنها: (التغيير بالتغيير) في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11]

فما أحوج العباد إلى الانتفاع بالقرآن في هذا الأوان وفي كل آن.!

ما أحوج العباد إلى القرآن ليعرِّفهم أن الوباء إذا كُشف لاحقا فإنما يكشفه الله، رحمة منه بعباده، كما قال سبحانه: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)} [المؤمنون]

فيا عباد الله لا تبدلوا نعمة الله كفرا، ولا تقابلوا إحسانه بعصيانه.

ثم إنّ حاجة العباد إلى الانتفاع بصحيح البخاري وسائر دواوين السُّنة، لا تقل عن حاجتهم إلى القرآن.

كيف والسُّنة ثاني الوحيين، وهي البيان لما في القرآن؟!

كيف، وقد انتفع بها عمر رضي الله عنه ومعه المسلمون، في مثل هذه الجائحة الوبائية التي يعيش العالم معاناتَها، حين قام رضي الله عنه بنوع من الحجر الصحي بمنع الدخول إلى الأرض الموبوءة بالطاعون أو الخروج منها، بما ثبت عنده من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الطاعون.

ومِن غيظ الكاتب ومَن على شاكلته أن خبر عمر هذا قد رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري الذي رواه في كتاب الطب من صحيحه، باب ما يُذكَر في الطاعون، بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِي الْأَنْصَارَ. فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ. فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ؛ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ. قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ.

بلى، إن الناس لينتفعون في زمن كورونا بالبخاري وبأبي هريرة رضي الله عنه، في قضية الحجر الصحي لمحاصرة انتشار العدوى، حيث روى عنه البخاري ومسلم قول أبي هريرة رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يُورِدنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ.

قلت: والمُمْرض: صاحب الإبل المريضة بالجرب المُعدي.

والمُصِحّ: صاحب الإبل السليمة من الجرب، من الصحة التي تقابل المرض.

أجل والله نحن محتاجون في زمن كورونا إلى البخاري وأبي هريرة (وقبيلة حدثنا) - كما قال الكاتب متهكما - ليس فقط لغيظ شانئيهم الموتورين المقهورين، وإنما لنتعلم من أبي هريرة وسائر الرواة، ومن البخاري وسائر المصنفين في الحديث، أن الإيمان بالأقدار لا ينافي الأخذ بالأسباب، بل يجب الجمع بينهما كما في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.

فما أجمل وأنفع وقْع هذا الحديث على قلب كل مسلم أصابه من هذا الوباء أو من تداعياته ما أصابه.!

ما أجمل أن يَعمُر المسلم قلبه بالرضا وهو يحتسب الأجر على ما أصابه من ضرر صحي أو معاشي أو اجتماعي في هذه الجائحة، عندما يسمع حديث البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.

فهل يُقبل بعد ذلك قول هذا الكاتب : (العالم الآن يحتاج للعلماء والأطباء والسياسات الصحية الحكيمة وليس للمشايخ والخوارنة والحاخامات ! فلن نجد ما يفيدنا في تجاوز وباء كورونا في نصوص القرآن الكريم ونصوص العهد القديم أو الجديد ولن يفيدنا كتاب صحيح البخاري وكتاب الكافي للكليني و لن تفيدنا أحاديث أبو هريرة (يقصد: أبي هريرة) بشيء ، و(قبيلة حدّثنا) في شيء !! ؟!!

وفي الختام أقول: لقد كان تاريخ مقال الكاتب في: 2020 / 3 / 19

فلعله في خلال هذه الأسابيع التي تلت مقاله قد رأى من عجز الإنسان متمثلا في الدول الكبرى فمن دونهم، عن مقاومة هذا الفيروس الضئيل الميت أصلا كما يقول أهل الاختصاص، ما يُليِّن قلبه لعظمة الله، فيرجع عما كتب ويستغفر مما سلف.

أسال الله أن يغفر لي وله، وأن يليِّن قلبي وقلبه لخشيته سبحانه، وأن يُفرغَ فيهما من هداه، وفي قلوب كل من قرأ. فإنه: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17]

والله أعلم.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين