كورونا والملاحظات التسع 1-5

بعث إليّ أحد الفضلاء من طلبة العلم مقالا منقولا مدخولا مهزولا، لكاتب مخذول، بعنوان: تسعة (يقصد: تسع) ملاحظات حول وباء كورونا المُستجد. حمزة رستناوي - الحوار المتمدن. العدد: 6518 ، تاريخ 2020 / 3 / 19

مشفوعا بقول الأخ المرسل: (هل يتسع وقتكم لرد بعض هذا الكلام الخطير؟)

رابط المقال هـــنا

وبين يدي الرد لا بد من الإشارة إلى أني حاولت تكوين تصور عن الكاتب، فوقفت على أنه عضو في جماعة (مؤمنون بلا حدود).

رابط المعلومة هـــنا

فبحثت عن هذه الجماعة وفكرها، فوجدت أن هذه التسمية غلاف لصورة من صور الزندقة التي تُقدس الإنسان وفكره وحريته، متجاوزة حدود العقائد والشرائع الدينية كلها، إسلامية كانت أو غيرها.

ولما رأيت المقالة أعلاه متسقة جدا مع هذا التصور قلت في نفسي: الشيء من معدِنه لا يُستغرب. وقديما قالوا في الأمثال: (إنك لا تجني من الشوك العنب)

وأضع بين يدي القارئ الكريم شيئا من تصورات تلك الجماعة الماردة على الدين، منقولة من موقعهم:

الرؤية والرسالة والأهداف

مجالنا: مؤسسة دراسات وأبحاث: تسهم في خلق فضاء معرفي حر ومبدع لنقاش قضايا التجديد والإصلاح الديني في المجتمعات العربية والإسلامية، وتعمل على تحقيق رؤية إنسانية للدين منفتحة على آفاق العلم والمعرفة ومكتسبات الإنسان الحضارية، وخلق تيار فكري يؤمن بأهلية الإنسان وقدرته على إدارة حياته ومجتمعاته "متخطياً الوصايات الإيديولوجية أو العقائدية".

مبادئنا: أنّ الإنسان "أوسع من أن تُختصَر خيريته في دينٍ" أو مذهبٍ أو طائفةٍ أو عرق، وأن كرامة الإنسان وسعادته تكمن في "احترام حريته في التفكير والتعبير والاعتقاد"، وتقوم على إعلاء قيَم التنوع الثقافي والحضاري وعدم التمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون.

قناعاتنا: أن الرؤى الشمولية "أياً كان مصدرها"؛ لا تنسجم مع اختلاف الشعوب والأمم وتنوع الثقافات وتعددها، وتنتهك أولى مسلمات الوجود الإنساني وهو الاحترام المطلق للعيش المشترك على أرض واحدة، وأن انتهاك مبادئ حرية وحقوق الإنسان وأطر الاجتماع المدني تحت أي مبرر كان؛ قد تسبب بمعاناة مباشرة وغير مباشرة، وخسائر فادحة وحروب وصراعات، وكراهية بين الأمم والشعوب، وأن احترام ثقافة الآخر وذاته والدفاع عنها وصونها، هو حماية لذاتنا ولهويتنا الإنسانية، وضمانٌ لأمننا وحريتنا.

إيمانٌ بلا حدود: "يتعالى على التحيزاتِ والفوارق العقائديةِ" والعرقيةِ والثقافية والدينية والمذهبية والطائفية، إيمان يتمثّل قيم الخير والجمال والمحبة بأرقى معانيها، ويدفع بالإنسان للسعي نحو هذا التعالي في حركته وفكره وسلوكه، ويزرع فيه الثقة بقدرته على الانفتاح على مختلف الثقافات الإنسانية، "وأن هذا الإيمان اللامحدود وضمير الإنسان الأخلاقي كفيلان بمساندة رشده العقلي" وحراكه المعرفي من أجل بناء حضارته الإنسانية والنهوض بمجتمعه والارتقاء به. انتهى النقل من موقع الجماعة.

وأضع بين يدي القارئ رابط موقعهم الذي يُعرِّفون فيه عن أنفسهم وعن رؤيتهم ومبادئهم وأهدافهم هـــنا

وألفت نظر القارئ هنا إلى أن ذكر "الإيمان" في تسمية هذه الجماعة "إيمان بلا حدود" أو "مؤمنون بلا حدود" يحمل قدرا من الإيهام والتلبيس، لأن كلمة "الإيمان" إذا أطلقت انصرفت غالبا إلى الإيمان بأركان الإيمان الستة المعلومة لدى المسلمين، التي هي عروة نجاة العبد يوم القيامة.

ولكن الإيمان المذكور في اسم جماعة "إيمان بلا حدود" لا يدل على شيء من ذلك، بل يدل على إلغاء ذلك المعنى والتحرر منه، فمدلول الإيمان في تسميتهم على الحقيقة هو الكفر بالإيمان، وادعاء استغناء الإنسان في إدارة حياته ومجتمعاته بعيدا عن الدين. وحسبك من هذا الضلال وسوء عاقبته قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5]

فكلمة (إيمان) في تسميتهم تعني عكسها تماما، مثل كلمة "الأمن" في الأنظمة الثورية الاستبدادية التي خبَرتم، والتي تعني ذروة الخوف والترويع والقهر.

ولستُ بهذا أتجنى على جماعة (مؤمنون بلا حدود) وإنما هذا قولهم في تعريفهم بأنفسهم بأنهم: (تيار فكري يؤمن بأهلية الإنسان وقدرته على إدارة حياته ومجتمعاته "متخطياً الوصايات الإيديولوجية أو العقائدية).

أقول: وهذا استخفاف منهم بالدين الحق، وأهميته في تحقيق الحياة الطيبة لبني لإنسان، وكفر ظاهر منهم بقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]

وبقوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} [طه]

وهم يقولون: (إيمانٌ بلا حدود: يتعالى على التحيزاتِ والفوارق العقائديةِ والعرقيةِ والثقافية والدينية...)

أقول: وهذه تسوية منهم بين الحق والباطل، ومعاندة ظاهرة منهم لقوله تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100]

ولقوله تعالى: {أفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم]

وهم يرون: (أنّ الإنسان أوسع من أن تُختصَر خيريته في دينٍ أو مذهبٍ أو طائفةٍ)

أقول: وهذا ردٌّ ظاهر منهم لقول الله تعالى يخاطب أهل الإسلام: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]

وهاهنا لا بد من التنويه بأنه ليست هناك مرجعية مشتركة بيننا وبين الكاتب نحتكم جميعا إليها، واحتجاجُنا بالنصوص الدينية لا يُلزمه، لأنه لا يكتال بكيلها ولا يعتدُّ بحكمها ولا يُصدِّق خبرها، ولم يورد في مقاله على طوله آية قرآنية واحدة، ولا حديثا نبويا واحدا، في نازلة تَفرض على العالمين البحث عن تفسير ديني لما يجري، وعن ملاذٍ إيماني غيبي يفزعون إليه.

وذلك لما سبق بيانه من أنّ الكاتب ينتمي إلى (تيار فكري يؤمن بأهلية الإنسان وقدرته على إدارة حياته ومجتمعاته متخطياً الوصايات الإيديولوجية أو العقائدية).

وإنما الغاية من كتابة هذا الرد كشفُ ما في هذا المقال من الدَّخَل والتلبيس الذي قد يُشْرَبُه بعض من يقرؤه فيحسَبه شيئا، وليس بشيء في ميزان الحق.

بعد هذا أنتقل إلى مناقشة الكاتب في أربع من الملاحظات التسع في المقال المذكور، وهنَّ الأولى، والثانية، والسابعة، والثامنة، حيث اجتهد الكاتب فيهن في استغفال القارئ والتلبيس عليه، والطعن الجريء على مسلمات الإيمان، وعلى المرجعية الإسلامية في أقدس نصوصها "القرآن والسنة" فأقول:

......... يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين