كم علمانيا في سوريا؟ - 2 -


أبو طلحة الحولي
 
 
الخوف من الوهم :
لقد نشأت العلمانية في العالم الغربي ، وهو يعيش حياته وفق مرئياته وفلسفته في الحياة ، وهو يجاهر أو يتلوى كالأفعى ـ حسب مصالحه ـ بعداوته للإسلام ، فهو لا ينسى المعركة التي يسمونها بواتيه وأعني بلاط الشهداء ، ولا ينسى فتح الأندلس وصقلية والقسطنطينية ، ولا ينسى حطين وعين جالوت ، ولا ينسى ديمومة الإسلام ، فالإسلام ينتشر لديهم بقوة ، يحطم فلسفتهم المادية ويصحح نظرة معتنقيه للكون والحياة والإنسان .
ومع هذا لم نسمع أو نقرأ أن العالم الغربي يخاف من علمانيته ؟
ولم نسمع أو نقرأ أن النصارى يخافون من ديانتهم النصرانية ؟
ولم نسمع أو نقرأ أن اليهود يخافون من ديانتهم اليهودية ؟
ولم نسمع أو نقرأ أن المجوس يخافون من ديانتهم المجوسية ؟
فلماذا نسمع ونقرأ أن هناك من يقال لهم مثقفين !!! ومفكرين !! ينتمون للإسلام يخافون من ديانتهم الإسلامية ؟
إن خوف العلمانيين  ليس في محله ، وليس موجودا في الواقع ، فالإسلام ليس جديدا على الشعب السوري ، فهم مسلمون أصلا ، بل هو خوف  وهمي موجود في عقولهم فقط ، والخلل ليس في الإسلام بل الخلل في عقولهم وتصوراتهم وتخيلاتهم ، فلا يفهمون روح الإسلام ، ولا طبيعة الإسلام ، ولا مبادئ الإسلام ، ولا حضارة الإسلام ..
كما أن هناك أناس ينتمون إلى التيار الإسلامي ولكنهم يخافون أن يعلنوا ويفصحوا عن أنهم إسلاميين ، وكأنهم في قفص الاتهام .. ولذا يعتبرون الثورة السورية ثورة شعبية ضد الطغيان ليس لها علاقة بالإسلام .. أو يتحدث أحدهم في مؤتمر للمعارضة دون أن يتطرق إلى أي صبغة إسلامية على المؤتمر أو على كلامه .. وكأن الإسلام مشكلة !!!
فلماذا هذه الهزيمة النفسية ؟
لقد ذكرت في مقال سابق بعنوان " العلمانية والثورة " إن هوية الثورة أمر ذو أهمية كبرى في حياتها ومستقبلها ، والسبب الحقيقي لعدم تدخل العالم لإنقاذ سوريا هو هويتها الإسلامية السنية ، فلو كان غالبية الشعب السوري ذو هوية علمانية لتدخل الغرب بقوة ، ومنذ أول يوم ، ولكن لأن الشعب السوري مسلم سني لا يتدخلون ، وهاهم يتفرجون على الدماء والمذابح والمجازر بلا أدنى مبالاة ينتظرون البديل المناسب لهم .. ووضوح هذه الهوية منذ البداية أمر مهم جدا في كتابة تاريخ مستقبل الثورة ، ومستقبل الأجيال القادمة ، ومستقبل العالم .
فلا تنازل عن الهوية .. ولا أنصاف حلول حول إبعاد الهوية من أي حراك أو نقاش أو وثائق ..فالثورة التي تحمل صفة العلمانية لا تثمر إلا استبدادا لأنها تصب في مصلحة الغرب ومتوافقة معه .. والغرب وإن تشدق بالديمقراطية إلا أنه عدو للإسلام .. ويحاربه بمسميات مختلفة .. والمحصلة النهائية لهذه الثورة العلمانية هي الضنك والشقاء للمواطن والإنسان ..
أما الثورة التي تحمل صفة الإسلامية لا تثمر إلا عدلا لأنها تصب في مصلحة الإنسان كإنسان وليس كمصالح ، وبالتالي لا توجد تبعية ولا عبودية إلا لله الواحد الذي خلق الإنسان .. فلا يتجه للغرب ولا للشرق .. فعلمانية الغرب وشيوعية الشرق هي التي دمرت حياته ومزقت روحه وجسده ، فعاش في اغتراب نفسي ، وكذلك المجتمع الذي يعيش فيه مجتمع مغترب عن الواقع الفطري للإنسان ، منفصل عن معتقداته وأخلاقه ومبادئه ..
والمحصلة النهائية لهذه الثورة الإسلامية السعادة والحياة الطيبة للمواطن والإنسان في أي مكان في العالم .
فكيف يلتقي ظلام العلمانية ونور الإسلام في خندق واحد ؟"
 
إن الثورة السورية بحاجة إلى ثورة أخرى إذا استبد أهل العلمانية بآرائهم ، ووضعوا أنفسهم تحت تصرف الغرب ، فيجب الحذر منهم والأخذ على أيديهم حتى لا تدور الثورة المباركة في حلقة مفرغة ، وما آلت إليه الأحوال في مصر وليبيا وتونس ففيها دروس وعبر لكل معتبر ... فالاستبداد العلماني لدى شرذمة من الأبواق المنادية بالعلمانية لا يقل خطرا عن الاستبداد الطغياني لدى الوحش فكلاهما هدفه القضاء على الإسلام ، وكلاهما ليس له قاعدة شعبية ويدعمه الغرب الصليبي الصهيوني ، وكلاهما شعاره أنا أو أحرق البلد .
وقد يقول قائل: أن هذا تطرف وإرهاب وحجر على فكر وكلام ورأي الآخرين ، وهذا كلام غير صحيح ، فالخلاف لا يكون في الجوهر وإنما في الفروع ، فإما أن تكون مسلما أو لا!! وإما أن تحتكم إلى ما أنزل الله أو لا !! وإما أن يكون ولاؤك للمسلمين أو لا !! وإما أن تكون هويتك نابعة من إسلامك وعروبتك أو لا !! وإما أن تكون مع الشعب الثائر قلبا وقالبا أو لا !!!
 
إن الإسلام هو الإسلام لا يتغير ولا يتبدل ، دين الله الخالد رضي من رضي وسخط من سخط .. ومن حق كل إنسان مسلم أن يعتز بإسلامه ، وأن يعيش حياته حياة إسلامية .. ومن حق كل إنسان علماني أن يعود إلى الإسلام بشموله وتوازنه وثباته وايجابياته وواقعيته ..
ومن حق كل إنسان غربي وشرقي أن تصله رسالة الإسلام الخالدة .. والثورة السورية منبر من منابر توصيل هذه الرسالة بالقدوة فعقيدتهم وأخلاقهم وتصرفاتهم وسلوكهم الحضاري في التعامل السلمي والجهادي هي خير وسيلة لإيصال رسالة  للبشرية بأن الإسلام هو الدين الحق وأن العالم لعداوته للإسلام مساند وفاعل في  دمار الإنسان وإنسانية الإنسان ..
 
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:3)       
 
 
 
والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين