كم علمانيا في سوريا؟- 1 -

 

 

 

 

كم علمانيا في سوريا؟

 

 

   

-1-

    

أبو طلحة الحولي
       الشعب السوري والعلمانية :        
تاهت سوريا أربعين عاما في تيه العلمانية والمادية والليبرالية واليسارية والنظم الفلسفية المختلفة برعاية آل الوحش ، وكل الأديان والملل والمذاهب والأفكار كان لها صوت ووجود إلا الإسلام فماذا كانت النتيجة ؟
   إن أي دين أو مذهب أو ملة أو فكرة أو فلسفة تتناقض مع الفطرة أو تصطدم بها فتسير في عكس طريقها مصيرها الفشل والزوال ..  
إن الشعب السوري المسلم لا يعرف ما هي العلمانية ؟ ولكنه يعرف انه كان مقهورا مضطهدا باسم العلمانية، وكان مجبرا بالحديد والنار على الإيمان بها ، ممثلا في حزب البعث والمذاهب الأخرى ، ولهذا لم تفعل العلمانية شيئا لتقدم سوريا ، ولنهضة سوريا ، ولبناء سوريا ، فقد تمزق الإنسان السوري إلى أجزاء شتى ، وأصبح لدينا الإنسان الغير منتمي ، الفاقد لخصائصه وتوازنه ووجوده وكرامته وتكوينه المتوازن بين الجسد والروح ، وأصبح لدينا الإفلاس الفكري والحضاري ، والتخلف في كافة الميادين الاقتصادية والسياسة والعسكرية والاجتماعية ..
لقد فقد الإنسان في سوريا ـ مهما كانت عقيدته ـ إنسانيته ، ولذا لم تكن هذه الثورة ثورة على الاستبداد والظلم فقط ، بل ثورة على ما سلب من الإنسان من إنسانيته وآدميته وكرامته ..
انها ثورة للخروج من التيه ، تيه الروح ، وتيه الجسم ، وتيه العقل ، وتيه الحياة .. وتيه الهدف ...
ثورة ضد البعد عن الله .. ضد الأيدلوجيات والمناهج التي صارعت فطرة الإنسان السليم ، وبالتالي فشلت في المحافظة على هوية الأطفال والفتيان والفتيات والرجال والنساء ...
ثورة ضد النفوس الشهوانية والعقول المستعبدة للبشر ..
ثورة ضد سرقة ثروات الأمة ومدخراتها وخيراتها ...
إن هذه الثورة المباركة لم تكن تحدث لو كان للإنسان السوري إنسانيته ، وفق التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة ، ولم تكن تحدث لو كان الإنسان السوري يعرف وجهته ، ومنهجه ، وأنه ليس ضائعا تائها في هذا العالم الكبير ، تقذفه أمواج الانحلال والتغريب والاستعباد الفكري والثقافي والجسدي .
لقد ثار الشعب ليعود إلى طهارة الروح ، ونظافة الجسم ، وسلامة العقل .. فالنفوس الجائعة المتعطشة للسلام الداخلي والسلام المجتمعي والسلام الإقليمي والسلام العالمي ، لن تستطيع العيش إلا ضمن المنهج الذي وضعه خالقها ..
 
 
انطلقت الثورة في سوريا من المساجد لا البارات ، وانطلقت ترفع السبابة للسماء صادحة "يا الله مالنا غيرك يا الله " ، ولم تنطلق لترتمي في أحضان الغرب أو الشرق الذي يكفر بالله ، فما المزعج في ذلك ؟
   
هل المزعج في هذه الثورة أصوات التكبير .. والبسملة في بداية كل حديث أو لقاء أو انشقاق ؟
هل المزعج في عودة الناس إلى ربهم ، آيبون تائبون عابدون لربهم حامدون ..
هل المزعج في انطلاقة المرأة في موقفها الحضاري الرائد في الصبر والتضحية ومساندة الثورة قولا وفعلا بكافة الأنشطة الثورية وهي ممسكة بحجابها ، متحلية بأخلاقها ، فلا عري ، ولا إسفاف ، ولا إفساد ؟
هل المزعج أن الشهداء يخرجون من المساجد ، ولا يخرجون من المسارح والكباريهات والمراكز الثقافية !!؟؟
هل المزعج أنه لا توجد للعلمانيين راية أو اسم جمعة أو كتيبة سلمية أو جهادية مع الثوار والجيش الحر ؟
هل المزعج أنه لا توجد للعلمانيين سيطرة تلقائية على الحراك الثوري ؟ وأنهم يطلبون من الغرب والشرق المساعدة ليكون لهم وطئ قدم في الحراك الثوري ؟
هل المزعج أن يعيش الشعب السوري حياته بالإسلام ؟ وأن يحكم بما أنزل الله !!
هل المزعج أن الثوار أقصد الشعب السوري لا يعطي للعلمانيين بالا .. فما هم في نظره إلا الوجه الأخر للغرب ؟
إذا كان الشعب السوري لا يتوقف عن ترديد الهتافات والشعارات الإسلامية في كل يوم ، وفي كل لحظة ، بشكل إفرادي ، ثم تكتمل اللوحة بأزهى الألوان ، وأجمل صورة في يوم الجمعة لتكون الشعارات والهتافات جماعية ، " الله ربي ، ومحمد نبي ، والإسلام ديني والقرآن كتابي " ويرفع شعارات عديدة " يا الله مالنا غيرك يا الله " ، " قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد " ، " هي لله ، هي لله " ، " للجنة رايحين ، شهداء بالملايين " فكم علمانياً في سوريا ؟
كم علمانياً لا يريد محمدا قائده إلى الأبد !! ؟
كم علمانياً لا يريد الإسلام منهج حياته !! ؟
كم علمانياً لا يريد القرآن دستوره !! ؟
كم علمانياً لا يريد الشهادة في سبيل الله !! ؟
كم علمانياً لا يريد الحرية !! ؟
كم علمانيا يجاهد في سبيل الله ، يدافع عن نفسه وعن عرضه وعن ماله وعن وطنه !!!!؟
إذا كان الشعب السوري يهتف يا الله ، فكم علمانيا يهتف يا علمانية ؟
وأين هم ؟
إنهم شرذمة قليلة ، ومكان تواجدهم في الفنادق الفارهة ، وخلف الفيسبوك ، وعند الإعلام المستغرب والغربي .
 
لحساب مَنْ ؟ :
 
إن الشعب السوري مسلم بشكل طبيعي ، في قيمه ومبادئه وأخلاقه وسلوكه وحياته ومماته ، وسلمه وحربه .. فإلى أين ستأخذنا الأصوات المنادية بالعلمانية ؟
   لحساب مَنْ ؟ تغيير هوية الشعب السوري .. 
لحساب مَنْ ؟ تريد من الشعب السوري أن يؤمن بعبودية الغرب وقد ثار على عبودية وحشه الذي حكمه ؟
لحساب مَنْ ؟ يحارب الشعب السوري ويقتل ويدمر ؟
لحساب مَنْ ؟ تعقد المؤتمرات لتخرج علينا بإعلان استبدادي : تجمعنا لإسقاط الأسد وإبعاد الإسلاميين عن الحكم ..
لحساب مَنْ ؟ التخويف من الإسلام والمسلمين ..
لحساب مَنْ أيها العلمانيون ؟
لحساب الشعب السوري .. والشعب السوري شعب مسلم سني .
لحساب أنفسكم !! ومن انتم ؟ ألستم من الشعب السوري المسلم أم من غيره ؟
لحساب أجندة خارجية غربية وشرقية !! فإن كان كذلك فأنتم خونة ..  ولا مكان للخونة مهما كان نوعهم وتلونهم وأطيافهم في الشعب السوري .. فالشعب السوري المسلم وطني ، ولا يزايد على وطنيته أحد .
لحساب مَنْ ؟ وأنتم  ترددون ما يقوله الغرب عن الإسلام ، وعن الشريعة ، وعن الإصلاح ، وعن الرجل ، وعن المرأة ، وعن التخلف ، وعن التطور ..
لحساب مَنْ ؟ ترتجفون وتخافون من الإسلام ؟ وهو الذي أعطاكم الأمان والحرية في كل ما تقولونه وتفعلونه .
لحساب مَنْ ؟ هذا الخوف والرعب من الثورة ، والانقلاب على الثورة التي تنادي بإنسانية الإنسان ليكون هناك مشروع حضاري يشمل الروح والجسد ، والرجل والمرأة ، والحرية والعدالة ، والبناء والنهضة ..
ألستم عبيدا لفكر الغرب .. فأين حريتكم الفكرية ؟
ألم تنادوا بتحرير العقل والفكر أيام الوحش المظلمة فلماذا تغلقون عقولكم ولا تحرروها في هذه الأيام المنيرة ؟
وأتساءل : هذا التحالف المجوسي والصفوي والروسي مع الوحش ، والكيد الصليبي الصهيوني والتواطؤ الغربي والشرقي بصمته ومهله الذي يدمر الإنسان كوجود وكيان مدمرا معه الحرية والعدالة والإصلاح والإنصاف والسلام ، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فيدمر الأخضر واليابس والكائنات الحية والحجر والهواء .. هذا التحالف هل تستطيع العلمانية أن تقف ضده ؟
هل تستطيع العلمانية أن تفصل فكرها وتحرر عقلها من تبعية الغرب وتعلن أنها مع الإسلام ضد الغرب الذي يتاجر بالديمقراطية وحقوق الإنسان !!؟
ثم هل يستطيع العلمانيون أن يقرروا إذا كانوا مسلمين أم لا ؟ فإن كانوا مسلمين فلماذا العلمانية ؟ والإسلام أفضل وأشمل وأثبت وأوضح وأنقى منها !!!
إذا كنتم مسلمين وتتحدثون عن حقوق الإنسان فلماذا لا نشبك بين أيدينا ؟ ونبني من جديد الإنسان .. الإنسان المتوازن بين روحه وجسده ..
لماذا لا نشبك بين أيدينا ؟ وننشر فكرنا وعقيدتنا وأخلاقنا وقيمنا للعالم ، فهم عطشى للقيم ..
لماذا لا نشبك بين أيدينا ؟ ونتعاون فيما اتفقنا عليه .. وننصح بعضنا فيما اختلفنا فيه.. ويعذر بعضنا بعضا ..
وإذا كانوا غير مسلمين فلماذا الاختباء وراء اسم العلمانية ؟ أظهروا ديانتكم !! ولكم حقوقكم وعليكم واجبات  بلا لف أو دوران أو تبعية ..
  { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } (سورة النساء : 63 )

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين