‏كلمة? مع انطلاقة عام جهاد شامي جديد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الهدى محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فهذه سنوات أربع مرت على شعبنا السوري المصابر، مرت بحلوها ومرها، وأفراحها وأتراحها، اختلط الجراح فيها ببشائر النصر، وامتزج الألم بالأمل، علت فيها الرايات، وصدحت فيها الحناجر، وهتفت فيها الجماهير: لا للظلم، لا للاستبداد، لا للسجون، لا للفساد ... وحفرت أيامها بأذهان السوريين ومشاعرهم ندباً لا تمحوها تقلبات الزمن، فمناظر الأشلاء وضحايا سلاح الكيمياء، والبيوت المدمرة والقرى والأحياء الخاوية، والبراميل المتفجرة، والبطون الخاوية، ومناظر تعيد ذاكرة البشرية إلى الوراء حيث لا ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء.. 

 

يا أهل الشام .. يا أهل الأرض المباركة، يا عزوة الإسلام وحصن العروبة، ويا حاملي اللواء وأهل الثغور إلى يوم الدين.. لقد أطلقتم بثورتكم شعلة يقظة في الأمّة لن تخبو بإذن الله حتى تسترد الأمة مكانتها التي تستحقها في صدارة الأمم ، وسطّرتم بجهادكم ملحمة لم يعرف التاريخ الحديث لها مثيلاً، وكتبتم بدماء شهدائكم أسفاراً من نور ستحيا بها الأرض من بعد موتها، وبلغت آهات الثكالى والأرامل وأنّات المعذبين والمهجرين ضمير كل من فيه أثارة من حياة فأعادت للإنسانية روحها وللحياة معناها وجدواها. 

لقد كانت هتافاتكم الفطرية، لن نركع إلا لله، وما لنا غيرك يا الله، والموت ولا المذلة، إيذاناً بولادة جديدة لإنسانية كريمة تعلن أن كرامتها لا تتحقق إلا بإعلان الوحدانية للواحد الأحد، وأن كل الطواغيت بأسمائهم وقيمهم ومؤسساتهم ومكرهم الكبّار إلى زوال وبوار { ومكر أولئك هو يبور}. 

 

ثورتكم نور أراد أكابر مجرميها أن يطفئوها وهي تزداد ألقاً لوضوح أهدافها وصفاء شعاراتها، والأمل بالله أنها ستنير دروب الحياة بالكرامة والحرية والعدالة ورفع الإصر والأغلال رغماً عن أنف الأحزاب المتكالبة عليها من كل حدب وصوب والعصابات الإجرامية التي تتغذى على الحقد وتتنفس الانتقام وتحمل عقدة الاضطهاد وتهتف للثأر من النساء والأطفال والعجائز والحجر والشجر. 

 

وليس هذا التكالب مما يخاف على ثورتنا، فلم يشهد التاريخ باطلاً ترك الحق دون أن يمكر به أو يسعى إلى وئده في مهده، وقد كان هذا من أوائل ما سمعه صلى الله عليه وسلم من بشائر النبوة من ورقة بن نوفل عندما قال له: ( يا ليتني أكون فيها جذعا عندما يخرجك قومك ) قال صلى الله عليه وسلم: ( أو مخرجيّ هم ؟) فقال له: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا وأخرجه قومه وأوذي، لكن ما نخشاه على ثورتنا هو عدم الالتفات إلى نقاط ضعفنا، وثغرات مسيرتنا فيتسلل منها شياطين الإنس والجنّ .

 

لقد عانت بلادنا وأهلونا من استبداد طال واستطال، وأفسد وشوّه وقطع الأوصال، فأصبحت الانتهازية ذكاء، والشجاعة تهوراً، والشحّ تدبيراً ،والسفه كرماً، والجبن كياسة، والشكّ والريبة في بعضنا فطنة، والله يقول: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ). 

وإذا أردنا أن نستكمل عدة النصر وأسبابه، فعلينا أن نجمع إلى نصاعة أهداف ثورتنا وأحقيّة مطالبها ثورة على المفاهيم التي غرستها سنوات الاستبداد العجاف في بنياننا الاجتماعي والنفسي فإن الله { لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } ولعل أوجب ما نحتاجه لنكون محلاً لتنزل نصر الله وأهلاً لتمكينه وتحقيق وعده بمنه تعالى وكرمه:

 

1) إعادة التركيز على أهداف الثورة الأصلية في الحرية والكرامة والعدالة.

2) التركيز على الأهداف المشتركة بين السوريين وتثبيت هويتهم وقيمهم الجامعة.

3) احترام التخصص والتنوّع والتكامل بين مكونات الثورة بدل التفرّد أو التضاد.

4) عدم الانشغال بالجزئيات والفرعيات عن الأهداف الكبرى الجامعة.

5) الرجوع إلى الله والاعتماد عليه ثمّ على الإمكانات الذاتية.

إننا بحاجة إلى ثورة حقيقة على أمراضنا التي استغلها أعداؤنا لحرف ثورتنا عن مسارها ، وزرع الفرقة في صفوفنا، واليأس في نفوسنا، إن ثورة بحجم ثورتنا والمكر الكبّار الذي تتعرض له، كل ذلك يحتاج منا إلى مراجعات وتقويم وتصويب نتوب فيها من الزلل ونتطهر من الخطايا الفردية والجماعية { إن الله يحبّ التوابين ويحب المتطهرين }. 

 

يا أهل سوريا الشام .. يا أهل العزّة والكرامة والعزيمة والمضاء :

لقد انتدبكم الله لشأن عظيم واختاركم لدور جسيم، وعندما تكون النفوس كباراً فستتعب في مرادها الأجسام، وأنتم بإذن الله أهلٌ لأن تكونوا روّاد الأمّة في صحوتها ونهضتها فلنكن مع الله يكن الله معنا ولنحفظه -سبحانه– فيحفظنا، وخير مواساة لنا قول الحق جلّ وعلا { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ولنذكر السنة الربانية في قوله تعالى: { إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحُ مثله وتلك الأيام نداولها بين النّاس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين }. 

 

وإلى لقاء قريب بإذن الله في دمشق الفيحاء وحلب الشهباء وحمص العديّة وحوران الأبيّة وفي كل مدينة وقرية و بادية وسهل وجبل من أرض الشام الحبيبة في ظلّ عزّ وحرية وكرامة وعدالة ونصر وتمكين، والله معنا ولن يترنا أعمالنا.

تقبل الله شهداءنا ، وشفى الله جرحانا ومرضانا، وفك الله أسرانا، وشد من أزر مجاهدينا، وجمع كلمتنا على ما يحب ويرضى من القول والعمل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

?‏المجلس الإسلامي السوري?

 26 جمادى الأول 1436هـ الموافق لـ17 آذار 2015م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين