كلمات في وداع أستاذنا العلامة الشيخ محمد سعيد الطنطاوي رحمه الله تعالى

أخبرني الأخ الحبيب الشيخ عبد الرحمن حجار قبيل ظهر يوم الثلاثاء أن شيخنا محمد سعيد الطنطاوي في العناية المركزة في مستشفى فقيه بجدة، وأنه في حاجة للدعاء، فدعوت الله له بالشفاء، وبعد ساعتين أخبرني بوفاته. 

فبادرت إلى كتابة هذه الكلمات في صفحتي، معزيا بشيخنا رحمه الله تعالى ربما تتاح لي الفرصة لكتابة كلمة واسعة تليق بمقامه العلمي والدعوي والتربوي.

توفي تمام الساعة الواحدة والربع ظهر يوم الثلاثاء 25 من شهر الله المحرم 1441 الموافق 24 / 9 / 2019 في مستشفى فقيه بمدينة جدة شيخنا الكبير العالم الصالح، الولي الزاهد، الأديب المؤرخ، البحَّاثة النسَّابة الداعية المربي فضيلة الشيخ محمد سعيد الطنطاوي رحمه الله تعالى وأجزل ثوابه.

توفي عن مائة عام؛ إذ هو من مواليد دمشق سنة 1341 هـ - 1923 م.

وهو آخر الفرسان الأربعة، وأصغر إخوة الشيخ علي الطنطاوي، يصغره بسبعة عشر عاما، وهو - بحقّ- بقيَّة السلف الصالح.

تعرفت عليه أول قدومي إلى مكة المكرمة في رمضان 1400 وزرته في بيته في حي العتيبية بمكة المكرمة، ثم تكررت لقاءاتي به في جامعة أمّ القرى حيث كان مستشارا علميا لمديرها آنذاك الشريف راشد الراجح، كما تكررت زياراتي له في بيته بالعزيزية، وانتفعت بصحبته. وكثيرا ما خرجت بصحبته إلى منى حيث يختارها لنزهته، ويداعب طفلي البكر أحمد ويمازحه. ويذكِّرني دائما بما كان من كلماته في طفولته المبكرة. 

وكان يكرم ضيوفه ويستقبل العشرات في كل يوم ويخدمهم بنفسه.

وهو آية في الحفظ ومعرفة التاريخ واستحضار أحداثه وأشخاصه فضلا عن استحضار الكثير من الشعر وسهولة نظمه عليه منذ طفولته.

سألني مرة عن أسماء إخوتي فقلت له: سعد وعهد ومجد ورعد وفهد. فأعجب بالأسماء وحفظها. 

وفي زيارة لابني أحمد له قبل عام مع عمه: فهد ومع أبنائه يعقوب ومجد، وهو في المستشفى، ذكَّره بأسماء إخوتي جميعا ولم تغب عن ذاكرته وهو في فراش مرضه أسماؤهم.

وللشيخ رسائل ومقالات مفيدة، ولديه مشاريع علمية كثيرة بدأ بها ولم ينجزها، منها ما يتصل بتاريخ مكة المكرمة، وله تصحيحات نادرة على أكثر الكتب التي قرأها. فضلا عن تقريرات علمية دقيقة عن بعض الكتب التي طلب منه أن ينظر فيها ويبدي رأيه بها.

وكان حريصا على صلاة الجماعة لا تفوته صلاة في المسجد، ويذهب ويعود ماشيا، وينثر الفوائد والنوادر مع كل من يسلم عليه. ويستحضر أسماء من زاره ولو بعد زمن. وكنا في كل زيارة نخرج بفوائد ودروس.

زرت مجلسه بصحبة كثير من العلماء والأعلام والأصحاب، وحضرت مجالسه الخاصَّة الجميلة مع شقيقه الأكبر الأستاذ علي الطنطاوي في منزله بمكة المكرمة في العزيزية. 

ولما انتقل إلى جدة بعدما ضعف بصره، وأقام قريبا من بيت ابنة أخيه السيدة أمان ترددت على زيارته في كل مرة أزور فيها جدة.

وكان من أكثر الملازمين له الحريصين على خدمته الأخ الحبيب الحفي الوفي بالعلماء وخدمتهم الأستاذ عبد الرحمن حجار جزاه الله خيرا، وهو الذي وسَّده في قبره في المعلاة بمكة المكرمة بعد أن صُلي عليه بعد صلاة فجر يوم الأربعاء 26 من المحرم 1441 في المسجد الحرام بحضور جمع كبير من أحبابه وأصحابه. 

ومن المعلوم عند عارفيه أنَّ شيخنا" لم يذبح ولم ينكح". أي: لم يأكل اللحم ولم يتزوج. ليس رهبنة أو بُعدا عن السنة- حاشاه-، بل لأن نفسه تأبى اللحم، ولأنَّ شروطه في الزوجة التي يطلبها لم تتحقَّق له في هذه الدنيا.

رحم الله تعالى شيخنا الجليل، وجمعنا به في مستقر رحمته ودار كرامته.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مجد مكي مع فضيلة الشيخ محمد سعيد الطنطاوي وسبطه الفاروق بن أسامة أبو طوق في زيارة له بعد صلاة المغرب من يوم الأحد ٨ من شوال ١٤٣٨

مع الأخ الحبيب الشيخ عبد الرحمن حجار حفظه الله تعالى وجزاه خيرا ، الذي لازم الشيخ وخدمه ووسده في قبره رحمه الله تعالى

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين