كلمات في رثاء الشيخ عدنان السقا (7)

كتب الأخ الشيخ أحمد زاهر سالم:

اللهم عوض الأمة خلفا صالحا عن خيرة علمائها ودعاتها وأوليائها..

قبل ايام توفي العالم الحسيب الشريف مفتي المالكية ورأس الأسرة الكتانية المعمر السيد محمد الفاتح بن العلامة الحسيب محمد المكي بن العلامة الكبير محمد بن العلامة جعفر الكتاني عن مائة عام عاشها في التعلم والتعليم والدعوة وخدمة الامة وإقامة مجالس العلم والذكر أجزل الله مثوبته وأعلى مقامه..

وفجعنا اليوم بوفاة عالم جليل وداعية حكيم وكتلة نور تمشي على الأرض إنه العالم الرباني والمربي الكبير الشيخ عدنان السقا الحمصي في إستانبول شهيدا بكورونا عن قرابة ثمانين عاما فنوَّر الله قبره كما كان وجهه قطعة قمر يشع منه النور في الدنيا وأعلى مقامه وعوَّض الأمة خيرا فقد كان رجلا في أمة يعلم ويدعو ويرشد وينشد ويبكي من خشية الله وحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان صوفيا من تلاميذ الشيخ الكبير العارف بالله عبد القادر عيسى، وهو الذي وجهه لطلب العلم والالتحاق بكلية الشريعة بعدما كان قد بدأ دراسة الطب قائلا له: لعل الله يجعلك طبيب القلوب، وصدق الشيخ الجليل فقد كان الشيخ عدنان بلسما وكلماته شفاء ومجلسه روحانية غامرة يجمع القلوب على الله ويؤلف بين المسلمين على اختلاف مشاربهم ويلتف حوله الشباب بحب واقتداء..

وما أجدره بقول القائل:

وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما

ولكنه كان أيضا عالما عالميًّا واسع الأفق كريما متميزا منوَّرا منوِّرا داعيا الى الله حكيما ناصر الحق ووقف في وجه الظلم وانحاز الى الشعب وثورته ثورة الحرية والكرامة والحق ونصح المجرم الأثيم وكان في صدارة علماء الحق الموقعين على البيانات الهادية التي لو عمل النظام المجرم بها لكنا في احسن حال ولم يلتبس على الشيخ حق بباطل فلم يداهن ولم يغمغم بل صرح ونصح فلم يكن بد من دفع الثمن فهاجر الى جدة التي كانت مهاجره من قبل ثم هاجر إلى إستانبول فأحياها بمجالس العلم والذكر والإرشاد والإنشاد حتى أكرمه الله وهو الكريم فاختاره إلى جواره شهيدا إن شاء الله بكورونا..

وكتب الأستاذ منذر طعمة: 

من مواقف الشيخ عدنان التي لا أنساها أبدا أنه لما كنت طالبا في كلية الشريعة بجامعة دمشق كنت أسكن مع عدد من أصدقائي طلاب العلم في شقة استأجرناها على نفقة مشايخ حمص الذين تكفلوا بدراستنا بالكامل

كان الشيخ عدنان يزور الشقة كل يوم أربعاء-يوم عيد الحماصنة- ويصطحبنا معه في زياراته لمشايخ وعلماء دمشق في بيوتهم أو في جلسات علمية أو مناسبات عامة.

أذكر أنه اصطحبنا معه في زيارة للشيخ بكري الطرابيشي في بيته والشيخ هشام البرهاني في بيته والشيخ نور الدين عتر في بيته والشيخ النابلسي في بيته

ومشايخ آخرين لا يتسع المقام لذكرهم

‏ العبرة:

هذا الفعل يدل على تواضع الشيخ الشديد وأنه كان يريد أن يفتح لنا الطريق ويعرفنا على العلماء عن قرب ويعرفهم علينا.

ملاحظة...

الكثير من طلاب الشيخ كانوا يتأثرون بحاله أكثر من مقالة.

وكتب الأستاذ إبراهيم شلهوم:

فقد عالِم

العالم الربانيّ عدنان السقا

فقد عالمٍ من هذه الحياة ليس فقدًا لصورته ولا لشخصيته، بل هو فقدٌ لميراث النبوة، فكما زيّن الله السماء الدنيا بمصابيح وهي النجوم، كذلك زيّن الأرض بمصابيح وهم العلماء. 

لا تخلو أيامنا من فقد أقمارها، فكلما أفل نجمٌ لحقه نجمٌ آخر. 

جبلٌ أشمّ، وعالمٌ راسخ، والدٌ للجميع، وعطوفٌ على كل مَن عرفه، رجلٌ بأمة، وسراجٌ بمفرده، وشيخٌ يسابق بهمته الشباب، سلسلةٌ متواليةٌ من المكارم والفضائل لا تحصيها كلماتنا، وليس لمثلنا الحديث عن مثله. 

العالم الرباني الذي غرس في ذاكرتي العلمية أن لا تكون كلماتي عادية، بل نسيجٌ من الحروف النابعة من القلب لتستقر في عمق الروح. 

غيّبه الموت وخلّده التاريخ، وأطلق الكون صرخته فينا (أن ذهب زمن النوم يا طلبة العلم ) فها هي السنوات الخدّاعات تكشّر عن أنيابها رافعةً رايات فتنها، فهل من جيلٍ صاعدٍ من العلماء يقول : أنا لها أنا لها - فلله أوسٌ قادمون وخزرجُ.

#ابراهيم_شلهوم

وكتب الشيخ محمد مجير الخطيب: 

ما زلت لم أستجمع القوة بعد لرثاء الشيخ المربي المرشد المعلم بحاله ومقاله وهديه وسمته المحب المحبوب سيدي الشيخ محمد عدنان السقا رحمه الله آنسه الله عوضه الله الجنة ... 

مدرسة التواضع لمن دونه سنًا وعلمًا وقدرًا ... بصدق لا بتكلف ...

مدرسة الحرص على تآلف القلوب واجتماع الكلمة ... 

اللهم اجرنا في مصيبتنا وعوضنا خيراً منها ... 

عظم الله أجر ذويه وآله وطلابه وأحبابه ... 

عظم الله أجر حمص ودمشق وسائر بلاد الشام ...

عظم الله أجر جدة وسائر الحجاز ... 

وقد قال الهادي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ، قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ " 

هنيئا لتراب اسلامبول يضم بحنان وحب خيرة المهاجرين إليها بدينهم.

وكتب محمود الجندلي: 

كنت يتيماً مرة بفراق والدي عام 2017م وها أنا اليوم يتيم ثانية بفراق أبي وجدي وكبير عائلتنا وزوج عمتي "الشيخ عدنان السقا" رحمهما الله وجمعني وإياهم في فسيح جناته.

كان الأمل حديثنا والبسمة شعارنا واللقاء القريب دعائنا..

كنت ابنه لأعوام طوال رعاني ورباني كما لم يفعل أحد غيره..

كنت إذا ما قصرت زاد هو السؤال.. بالشوق باللهفة بالحب بالتواضع بالدلال..

كان يحبني ويحب من أحب ويكرمني بتفقد صحبي بين الفينة والأخرى ولطالما حملني لكم يا أحباب السلام..

احتضنني قرابة العام في منزله، ما أكرهني فيها على الصلاة مرة ولا نهى عليَّ فعلي بسوء ولا زجر، ما عهدت منه سوى اللين ورفق الدعوة، وما كذبني في أمر من قبل وإن قرأ في عيناي أني كذاب أشر.

كان يحاور ويناقش ويستشير ويستشار، إن أخطأ إعتذر وتأسف للصغير قبل الكبير وقال له أصبت.

لطالما دمعت عيناه حزناً على من يسيء له ويشهد الله أنه مسامح لهم ويسأله لهم الصلاح والهداية وأنهم لا يعلمون.

هو الحب متجسد به وكل الكلام في حسنه قطرة من بحر فضله وجوده..

فقدتم شيخاً عالماً ومربياً فاضلاً وأنا فقدت أبي وروحي ونور قلبي وبوصلتي.

الحلقة السابقة هـــنا