كلمات في رثاء الأستاذ الداعية المربي الأديب محمد رشيد العويد (4)

كتب الأستاذ زهير سالم

إنَّا لله وإنا إليه راجعون..

وعظم الله أجرنا جميعا.. وختم لنا ولكم بخير ما ختم لعباده المتقين..

وهذا عصر فرقة الأحباب..

وفرقة الأحباب واحدة من الابتلاءات، التي يشتد ثقلها على القلوب والصدور؛ وقد عشناها من قبل أفانين وألوانا.. منذ أخرجنا من وطننا في أواخر السبعينات من قرن مضى، فارقنا الوالد والوالدة والشقيق والشقيقة والعم والخال ... وفارقنا إخوة يستنير البدر بنور وجوهم، ابتلعتهم رمال تدمر، وفارقنا آخرين ضربوا مثلنا في الأرض؛ إباء أن يذلوا، ففروا الى مجاهل الغربة وانتشروا نجوما تحت كل نجم.. فكان لنا بحق، تحت كل نجم نجم ..

وما زلنا في عصر كورونا تنكدر فينا النجوم.. حتى تظن أنه قد جاء تأويل قوله تعالى: " وإذا النجوم انكدرت "

من قلب أضنته فرقة الأحباب طبقا عن طبق..

أنعى إليكم الاخ الأديب الجميل الدكتور أحمد فوزي الهيب.. رحمه الله تعالى..

كان متقدمنا في كلية اللغات في جامعة حلب. هو خريج الدفعة الأولى، وكنت من خريجي الدفعة الثانية.. ولكن كم وكم

حلمنا معا، سهرنا معا، تذاكرنا الحقوق والواجبات معا.. وسرنا على الدرب الطويل معا؟!!!

رحمك الله أيها الاخ الأديب المفكر الداعية وتقبلك في الصالحين..

وخالص مشاعر العزاء والمواساة لأسرته ولأحبابه وإخوانه..

وأنعى إليكم في صباح فرقة الأحباب الأخ الأديب الرفيق شقيق الروح محمد رشيد العويد..

قضينا سني الدراسة في كلية اللغة العربية معا، وكنا كل مساء نلتقي أجسادا وقلوبا وأرواحا على طاولة واحدة للدرس نفكك معا عبارات "مغني اللبيب " أو نجري التطبيقات على كتاب ابن عصفور الممتع في التصريف..

رحمك الله أخي أبا رشيد وتقبلك في الصالحين وأجزل مثوبتك ورفع قدرك، وتقبل منك جهدك وجهادك..

اللهم احفظ لنا من بقي من أحبابنا..

اللهم بذكرهم كنّا ندفئ برد غربتنا الشديد فعوضنا وعوض طريق الدعوة خيرا

وخالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيد ولإخوانه وأحبابه

عظم الله أجرنا وأجركم ورحم الله أحبابنا وأسكنهم فسيح جناته

وإنا لله وإنا إليه راجعون

لندن: ١ جمادى الآخرة ١٤٤٢- ١٦/ ١/ ٢٠٢١

زهير سالم مدير مركز الشرق العربي

وكتب الأستاذ محمد عبد الله نجيب سالم:

* تعزية الدكتور محمد رشيد العويّد:

في ليلة السبت الثالث من جمادى الآخرة من عام 1442هجري ـ الموافق 16/1/2021 ميلادي انتقل إلى رحمة الله تعالى الأديب التربوي المربّي الدكتور (أبو البراء محمد رشيد العويد) الرقاوي الحلبي، في دولة الكويت بسبب مرض السرطان، عن عمرٍ جاوز 74 سنة.

وُلد رحمه الله في مدينة حلب عام 1947م، وهو من عائلة مهاجرة من مدينة الرقة السورية.

أنهى مختلف مراحل الدراسة في حلب، وتخرج من كلية الآداب بجامعة حلب عام 1971م، ثم حصل على دبلوم التربية من جامعة دمشق عام 1972م، ثم على دبلوم الدراسات العليا في جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1974م، ليغادر فترةً إلى السعودية حيث عمل مدرساً في مدينة جدة، لينتقل بعدها إلى دولة الكويت في العام 1973م، فيبقى مقيماً فيها حتى وفاته.

عمل في الكويت مدرساً للغة العربية عدة سنوات، ثم عمل في الصحافة الكويتية مديراً ومحرراً لعدد من المجلات الأسبوعية والشهرية، وتولى تحرير مجلة ((النور)) التي يصدرها بيت التمويل الكويتي.

وللفقيد أكثر من ستين مؤلفاً، معظمها في قضايا المرأة والأسرة والطفل والتربية، وهو التخصص الذي عرفته الجماهير عبره، فكانت كتاباته كلها في خدمة قضايا الأسرة والمجتمع، جامعاً بين القيم الإسلامية والمعاصرة الحديثة، فكان له أعظم الأثر في عموم متابعيه.

وكنت في بداياتي قد قرأتُ مجموعته الكاملة ( رسالة إلى حواء) في ستة أجزاء ، وكان رحمه الله قد فتح باباً في مجال غريب وقتها (أوائل الثمانينات): وهي الكتب المختصرة التي يكون فيها كل موضوع عبارةً عن نصف صفحة أو صفحة ، ولا يزيد عن صفحتين في أطول العناوين ، حيث كانت العادة وقتها أن أي عنوان في أي كتاب لا بد أن يتضمن على الأقل خمس صفحات فأكثر ...ولم تكن قد عُرفت عادة المواضيع المختصرة في أفكار بسيطة في أقل من صفحة ...في عالم الكتب العربية ...فكان هذا مما ساهم في انتشار هذا الكتاب (رسالة إلى حواء) حتى إنه طُبع عشرات المرات ، وجاوزت نسخه (ربع مليون نسخة) في ذلك الوقت !

وكانت رؤيته في مؤلفاته أن خير الكلام ما قل ودل ...وكان يرى أن هذا العصر السريع يستلزم الفائدة اللطيفة السريعة ...والمعلومة الخفيفة الحكيمة.

وفي عام 2001م التقيتُه في لقاء جمعنا أثناء عملي مع الصديق الدكتور جاسم المطوع، ونتج عنها حلقة في برنامج (البيوت السعيدة) الذي كان يقدمه الدكتور جاسم على ART، ثم حلقة في برنامج (حوار بلا أسوار)، ثم قمت بإعداد الأسئلة وأصل المادة الحوارية لحلقته في برنامج (علماء مبدعون) ـ وهو برنامج خُصّص لمحاورة كبار العلماء والعظماء المعاصرين في العالم الإسلامي ـ...وتتابعت المجالس التي جمعتني به.. فكان بحقٍّ مِسْكَها وعبيرها.

لقد عُرف الأستاذ محمد رشيد العويد بدماثة الأخلاق ولطيف المعشر وهدوء النفس وحكمة التعبير ولطافة المنظر وطيب الجوهر ...وكم من مراتٍ سعى فيها للإصلاح بين زوجين متخاصمين.. وكم من مرةٍ أرشد في بناء الأسرة وحل الخلافات وتعزيز القيم والأخلاق.

كان بحقٍّ صالحاً مصلحاً رحمه الله تعالى ...فإنا لله وإنا إليه راجعون

عزاؤنا لأسرته الكريمة وابنه المنشد براء العويد وكل محبيه.

ـ الفاتحة لروحه الكريمة.

وكتبت الأخت الأديبة الأستاذة ابتهال قدور:

محمد رشيد العويد، الأخ الأكبر والزميل المخلص، للحقيقة سأعترف بأن خبر وفاتك قد أحدث فوضى بداخلي، فوضى لا ينجي منها إلا الصمت والتأمل والتفكر.

أحداث وأحداث كنت فيها حاضرا بالنصح والتخفيف وغرس الأمل فكيف ستختزل في أسطر؟

رجل عرفته أواخر الثمانينيات، عملنا في مؤسسة واحدة لمدة تجاوزت العشرين سنة، لا أذكر أنني التقيت بمن يشبهه لطفا ودماثة.

كان بشوشا هادئا مسالما لا يرد طلبا لأحد بل قلما يقول لا حتى على حساب راحته ووقته وأهله.

وانعكست هذه الصفات على خطه في الكتابة ففضل تلك الكتابات التي لا تثير ضجة ولا تحدث خدوشا.

رجل لم يهدأ ولم يعرف طعم الراحة كأنه كان في سباق مع الزمن يسير برؤية واضحة وخطى واثقة وأهداف محددة.

اتفقنا حينا واختلفنا أحيانا لكنه حتى في دفاعه عن خطه كان رقيق الكلمة هادئ النبرة، ودود لا يجرح ولا يقول ما يغضب.

تضيع مني الكلمات أبا البراء، ولا أدري ما أقول غير أن الرجل يبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم.. وقد كنت حسن الخلق فإني أسأل الله لك الفردوس الأعلى من الجنة.

الحلقة السابقة هــنا