كف الأذى

 لفضيلة الشيخ محمد عبد التواب

 

 

 

 قال الله تعالي في محكم كتابه:  [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا] {الأحزاب:58}.
وروي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه».
تحذير حكيم من الله عز شأنه، وتوجيهٍ سامٍ من رسوله صلى الله عليه وسلم،  فإن الله جلت قدرته، وهو من بيده، وفي سلطانه، وتحت قهره، ملكوت‏ السموات والأرض، يدعو الناس جميعا إلى نبذ الشر، واطراح الأذى، وإغلاق‏ باب الفتنة، فيخبر في منطق سليم، وصراحة قوية، أن الأذى في نواحيه كلها غرم لا خير فيه، وعب‏ء بغيض يثقل كواهل الأشرار، فلا يحمل عنهم‏ أوزارهم نصير ولا ظهير.
وناهيكم بمن يحتمل إثم الباطل، فيتخبط به في غير هدى ولا رشاد،  وبمن يشعل جذوة الشر، وينفخ فيها حتى تلتهم الأخضر واليابس، ويشيع‏ في الناس عوامل الفساد والإفساد-كيف يسوقه أذاه وعنته وبهتانه إلى موارد الهلكة في الدنيا، وإلى دركات الهوان يوم يقوم الناس لرب العالمين.
لم يخلق الله هذا العالم، ولم يُسخِّر له كل ما في السموات وما في الأرض،  ولم يسبغ نعمه ظاهرة وباطنة، ليقوم الناس بالبغي والعدوان، وليمعنوا في الكيد والبهتان، وليقطعوا صلات التوثق وروابط الائتلاف، وليتحللوا من مسكة العقل‏ وسلطان الضمير، ولكن ليتعاونوا في هذه الدنيا على نشر مبادئ الخير، وتخضيد أشواك العداوة والبغضاء، وليقدموا علي مائدة الحياة أشهى ألوان البر والمرحمة، والحب، والإيثار، فتكون سعادة الدنيا في تذوق حلاوة الفضل والنبل‏ والعدل والإحسان.
إن بسطت يد معروفها صافحتها أيادي العرفان، وإن نطق لسان بمحمدة جاوبته ألسن الشكران، وكذلك إن امتدت يد بسوء غلتها البيئة أو قطعتها،  وإن تسلَّط لسان بشر عقَّدته الأمة أو عقلته.
هنالك لا يجمح بالآثم شره، ولا يجنح لمذمة يكسب خبثها، ويتفيأ شررها.
وهنالك يُصَعِّد البررة الأخيار أبصارهم وبصائرهم، فيشارفون مطالع البر في‏ آفاقها، ويساجلون بالأعمال الطيبة أيامهم وأوطانهم وعشائرهم، فلا تجد إلا بذلاً يَدفع ألم الجوع، ويَمسح ذرف الدموع، ولا تجد إلا دلالة على الهدى تبصر الناس‏ بما يسعدون به وينشطون له، ولا تجد إلا وشائج تترابط، ونفوساً تتحاب،  وأمما يؤيد بعضها بعضاً، تأييد الولاء والنصرة، ويحمد بعضها لبعض عون البر ودفع الشر، وحفاظ الألفة، وجمال المكرمات، وذلك مظهر التساند والتضامن‏ والتعارف، لذى أراده الله من هذا العالم، وفي هذه الحياة: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {الحجرات:13} .
فطوبى لمن كفَّ أذاه، وبذل خيره، وأعان الناس على حاجاتهم، وفتح‏ أبواب البشر والبر والمسرة يدخل على البائسين منها ما يشبع مسغبتهم، ويطفئ حرقتهم، ويسد حاجتهم.
روى الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «سئل‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟قال: إدخالك السرور على مؤمن، أشبعت جوعته، أو كسوت عورته، أو قضيت له حاجة».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «من أصبح منكم اليوم صائما؟فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال: من منكم‏ أطعم اليوم مسكيناً؟فقال أبو بكر: أنا، فقال: من تبع منكم اليوم جنازة؟فقال‏ أبو بكر: أنا: فقال: من عاد منكم اليوم مريضاً؟فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله‏ عليه وسلم: ما اجتمعت هذه الخصال قطُ في رجل إلا دخل الجنة».  وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسلم من سلم المسلمون من لسانه‏ ويده» ما يوضح أنَّ المسلم وإنّ أدَّى جميع الفرائض، والواجبات، والنوافل‏ في نفسه، لا يكون كامل الإيمان إلا إذا شاع أثر ذلك الإسلام فيمن حوله» فسلم الناس من أذى لسانه، في الغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، وافتراء الكذب‏ والإيقاع.
وإلا إذا شاع أثر ذلك الإسلام فيمن حوله فسلم الناس من أذى يده في الأخذ والإعطاء، والبيع والشراء، والغضب، والسرقة، والقتل والضرب، وكل ما يتعلق‏ بذلك من أثر الظلم، والطغيان، والعدوان. فإذا كف المسلم أذاه، وإذا سلم منه‏ الناس، وإذا هجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وجانب المنكرات، ونأى‏ عنها، وحافظ على دماء الناس، وأعراضهم، وأموالهم، فقد استكمل الإيمان‏ ورضي عنه الرحمن، وسعد بعاجلته، ونعم في آخرته.
[لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] {يونس:26}.  وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :  مجلة الأزهر المجلد العشرون رمضان 1368هـ ،  العدد التاسع. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين