كفى فوضى ... هيا إلى التخصص ... هيا إلى الإنتاج


بقلم / حسام السباعي
بدأت الثورة السورية ، وانكسر حاجز الخوف ، وتحرر الإنسان السوري ليبدأ طريق الإبداع والعطاء ، ورأينا النماذج الرائعة في عطاءات وإبداعات الشعب السوري في الداخل والخارج ، كل ذلك تعبيرا عن حجم الكبت والقمع والقهر الذي كنا نعانيه ، وتعبيرا عن طبيعة هذا الشعب العظيم في العطاء والبذل والتضحية.
 
العامل الأول:
وقد لاحظ الجميع واشتكى الجميع من الفوضى التي رافقت ذلك العطاء المخلص ، بدءا من النخب السورية أصحاب العقول والقلم والفكر ، وانتهاء بالفرد العادي المتحمس المعطاء. وأسباب تلك الفوضى متعددة ، و أهمها وأبرزها ثلاثة عوامل أساسية ، لو استطعنا التغلب عليها لكان الناتج أفضل بكثير و أضعافا مضاعفة على جميع المستويات.
 
العامل الثاني:
يكمن العامل الأول في طبيعة الشعب نفسه ، هذا الشعب الذي لم تتح له الفرصة على أن يتدرب على منظومة العمل الجماعي من قبل ، ولم يمارسه ضمن مؤسسات حرفية راقية ، وكثير منا لا يعرف أبجديات العمل الجماعي التطوعي ، والذي من أهم أركانه الرئيسية والتي تخص المتطوعين في أي عمل هو تنفيذ أوامر وخطط القائمين على رأس أي مؤسسة مدنية حيث هم الذين خططوا ودرسوا ووضعوا الأهداف والاستراتيجيات وآلية التنفيذ ، فوجدنا أن الجميع من مخططين وإداريين ومنفذين ومتطوعين قد اختلطت مهماتهم  وأضاعوا أوقاتا طويلة في البحث والنقاش والجدل دون الوصول إلى تنفيذ الأعمال على الشكل المطلوب . هذه المعضلة هي التي تؤخر تنفيذ الأعمال ومن أجل حلها لا بد من دورات تدريبية يقوم بها متخصصون في العمل الجماعي يحضرها كل العاملين في هذا الحقل لنتعلم ألف باء العمل التطوعي.
عدم وضوح الرؤية والأهداف في كثير من الأحيان ، وغياب التخطيط الاستراتيجي المبني على أسس علمية مدروسة ، والتشتت حسب مجريات الأحداث ، والانعطاف من عمل لآخر لم يكن من ضمن الخطة ( هذا إن وجدت خطة ) ، وسيطرة العاطفة على العقل في طريقة التفكير ،  مما أدى إلى عدم التركيز وتشتت الجهود وضياع الأوقات والأموال ، وهدر الطاقات.
 
فالعمل المبني على خطط استراتيجية مكتوبة واضحة المعالم والأهداف والرؤى وإن كان بطيئا في التنفيذ في بداياته ، فإنه سيكون منتجا كبيرا في نهاياته ، وحتما هو الأفضل من عمل غير معتمد على خطط واضحة مكتوبة سريع الإنتاج في بداياته يتوقف تدريجيا في نهاياته.
 
العامل الثالث:
فالتخطيط ودقة التنظيم أهم العوامل التي يبنى عليها أي عمل يراد له الاستمرارية والنجاح والازدهار ، وخاصة إذا كنا نتكلم عن أعمال يراد لها البقاء لمئات السنين تتناقلها الأجيال وتتطورها جيلا بعد جيل.
تشتيت الجهود في أعمال متعددة في نفس الوقت. فالإنسان له طاقة محدودة لا يستطيع أن يتجاوزها مهما أوتي من قوة وحنكة وذكاء. هذه الطاقة المحدودة يجب استثمارها في مكان واحد كي تعطي أكلها ناضجة بينة. فعندما تتفتت هذه الطاقة وتتبعثر في عدة اتجاهات كالذي يحمل عدة بطيخات في يد واحدة ، وكالذي يفتح أعمالا تجارية متنوعة في آن واحد وهو لايزال غير قادر على إدارة المحل الواحد ، سيكون مآله الخسارة والتعب المضني ، وعدم الإنتاج.
 
في الدول الصناعية المتقدمة درسوا زيادة الإنتاج ( سواء الإنتاج الصناعي أو البشري ) وتوصلوا إلى نظرية (  20 / 80 ) ، وهذه النظرية مفادها أن يصل الإنتاج إلى بذل 20 % من الطاقة والجهد والمال كي تحصل على 80% من الإنتاج ، بمعنى آخر أقل التكاليف المادية والبشرية  بأكثر إنتاج ، ولم يستطيعوا تحقيق هذه النظرية إلا عندما تم دعمها بمفهوم التخصص .
 
يبذل المتطوعون بالمجتمع السوري 80% من وقت ومال وجهد وسفر ، والناتج كان 20% ، بينما يجب أن يكون العكس هو الصحيح. ولايمكن أن يتم ذلك إلا إذا ركزنا على أمرين هامين:
 
1.     التخصص في العمل وعدم التشتت في أعمال كثيرة لايستطيع تحملها الإنسان بمفرده ، أو مؤسسة بمفردها ، والتركيز على هذا التخصص وفهمه والغوص في أسراره ، كالذي يختص مثلا بتجارة الألماس ، فلا بد أن يعرف كل أسرار هذه المهنة كي يستطيع العمل والنجاح فيها ، ولا بد أن يخدمها بكل حواسه وروحه وعقله ويطورها مع الزمن لتصير هي الأيقونة الخاصة به.
 
2.     ينتج عن ذلك أنه لابد أن يركز المتطوع عمله ونشاطه ووقته مع منظومة واحدة ومؤسسة واحدة فقط لاغير ، ولايشتت جهده في عدة مؤسسات لأنه ببساطة غير قادر على العطاء في جميع هذه المؤسسات وسيكون عطاؤه ضحلا ، وعمله متعبا شاقا ، ونتيجته ستكون حتما 20 بدل ال 80 ، وربما يصل به التعب إلى أن يترك كل المؤسسات في آن واحد.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين