كفاكم إراقة الدماء...

 
 
 
الأستاذة: سميرة بيطام
 
 
 
يقول عليه الصلاة و السلام :"المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله و لا يحقره ، التقوى ها هنا".." كل المسلم على المسلم حرام ، دمه و ماله و عرضه"..
بتحية الإسلام ، أفتتح وصالي معكم عبر كل العالم العربي و الإسلامي ...
 
هي دماء تسري في عروقكم ..هي الحياة تدب في كل أنحاء أجسادكم ..هو الوعي يداعب فكركم في أن تقارب الزمان أضحى واضحا للعيان ،حروب في كل مكان ،قتلى لأبرياء ، تشريد للأطفال ،صراخ لأمهات و أرامل..فوضى و دخان و رصاص و دمار ..كل شيء في خراب مفحم بسواد الحداد..
 
إن كان لأجل اقتصاص الحق ،فأي حق ثمنه دماء عربية؟ و إن كان لتحقيق مآرب شخصية فأي مصلحة تعلو فوق مصلحة القدس الحبيبة، وتحرير كل رهينة مكبلة داخل السجون و إنقاذ المرضى في المستشفيات بسبب خرق الرصاص لأجسادهم وبسبب كدمات المعاول و العصي فهم لم يكونوا عصاة و لا متمردين..
 
نال مني التعب و أنا بعد لم انتصف في اسطري..لأني سأكتب على اغلي ما يملكه المسلم دمه.. انها دماء زكية لم يلوثها لا كحول و لا مخدر ،بل تنضخ حينما تطلبها الشهادة الحقة لتفوح برائحة المسك المسجى ،لكن ليس لأن يقتل الأخ أخاه بسبب شيء غير واضح المعالم ، أي منطق يطرق العقول و أي سبب يدفع لإراقة الدماء؟ و أي فدية تقدم ضريبة الانتصار انه الدم العربي المسلم .
 
يحزنني ما يقع اليوم بل يبكيني ،لما آلت إليه فواصل المشاهد بل يجعلني انهض من مكاني بحثا عن مسكن لحزني لأنه ليس بي غضب و إنما حزن عميق..فهل تبدو الصور جميلة على شاشات التلفزيون و المسلمون في تناحر...
 
هل لي ترجمة لما يحدث فضلا منكم..هل لي من إعراب من فطاحلة الأدب و اللغة لأصول أبعاد هذه الفوضى المدمرة؟.
 
أنا عاجزة عن الوصف و لا عن الشرح .ولا أقدر و من حقي أن لا أقدر..دموعي تغلبني و لا تترك لي متنفسا عميقا و هادئا و حروفي تخونني لأنها تمردت من بين أناملي فمن أين لي بقوة الهدوء ومن سيطمئن ألمي ؟.
ربما هي خارطة إباحة الدماء الزكية.و ربما هي خارطة إضعاف نسل خير امة أخرجت للناس و ربما هي خارطة لزرع الكره و الحقد بين أبناء الجلدة الواحدة..لا اعرف..أين هو الاحتمال الصحيح.
 
أتخيل عن حجم القوت الذي سيشبع البطون الجائعة ليس جوع البطن و إنما جوع الكرامة و السلم و الأمان..فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى إسلامه ،أو زنى بعد ثلاث: كفر بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس" ، فما عدا هذه الأسباب فان حرمة المسلم أقدس من حرمة الكعبة الشريفة ، أين هي موازين الاعتدال؟ أين هي بصيرة القلوب قبل بصيرة العيون؟ أين هم دعاة السلام ليحطوا رحال السلام بالقوانين أو بالفتاوى الصائبة الغير مظللة؟ أين هي ادوار البطولة و الفصل بين المتخاصمين بالعدل؟ أين العدل من العالم؟ أين هي الدساتير المبجلة لحقوق الإنسان؟ أين القانون الجنائي الدولي ليكيف الجريمة فيما إذا كانت جريمة قتل أو اغتصاب للحق أو تطاول على الحرمات أو استهزاء بالدماء الزكية..
 
أليس لهذه الهيئات القانونية ثقل شرعي لإنصاف العدالة و حفظ حقوق الإنسان؟.
آم أن الثقة مفقودة في هذه الهيئات لأنها لم تخدم ولو لمناسبة واحدة شعبا مهضوم الحقوق و لم تصن كرامة المسلمين من الفتن؟ إذن ربما الدور ليس لها بل لأئمة الإنصاف و الفقهاء.
 
فان كان المسلم يحب أخاه المسلم فلما يهدر دمه ؟، فالرسول عليه الصلاة و السلام يقول " والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا" .إذن المبدأ واضح و الحرمة بائنة ..فلما اراقة الدماء ؟.
 
و في تفاسير القرآن الكريم ورد أن من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب من الله ،فلما الدماء مستباحة هنا و هناك ؟فالفساد حرام ، ثم ألم تحاور الملائكة الله عز و جل كيف سيخلق من يفسد في الأرض و يسفك الدماء و هي من تسبح بحمده؟.
 
و الله عز وجل يقول في محكم تنزيله" فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم" سورة محمد الآية 22.
ما دام الجزاء هو جهنم فما معنى أن تكون في الحياة الكثير من التجاوزات و المظالم؟.
 
و ما جدوى أن يلقب بلقب المسلمون؟ فالإسلام بريء من هذه الفوضى ، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم " مثل المسلمين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ".
 
كفاكم إراقة للدماء... الدول الأجنبية لا تتقاتل فيما بينها في حين مشاهد القتل في العالم العربي والإسلامي..أليست هذه مفارقة؟ ..الدماء أصبحت رخيصة في كل شبر من المعمورة.. لماذا؟.
 
ألم تقدر علوم الوعظ و الارشاد أن توقف ما يحدث؟ ألم تستطع الجمعيات و الهيئات المحبة للسلام أن تصنع الحلول بالسلام و الأمان؟ ألم يقدر دعاة الأمة أن يسهموا في إقرار بنود الصلح؟..
الم يقدر العالم برمته أن يزرع هدنة في القلوب قبل أن تزرعها توقيعات المصلحين على الورق؟ لما كل هذا التعقيد ؟ هل أصبح العالم يصحو على صوت الرصاص و ينام عليه و كأنه أنشودة لابد أن تسمع كل يوم؟...من أين لنا بثقافة إراقة الدماء؟..
 
لكل من ينبض قلبه حبا لله و لكل من يسري في عروقه دم العروبة و دم الإسلام أخلصوا في الدعاء في هذا الشهر الكريم أن يحقن الله الدماء ، فكل زائل لا محالة و الكل ميت إلى غير عودة إلى يوم البعث ،و لكن ذنوب ما يحدث تبقى عالقة إلى يوم الدين..عزائي في لا حول و لا قوة إلا بالله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين