كثرة الأحزاب دليل على الخراب

المتابع لما يجري في العالم يرى كيف تسعى الدول الغربية المستعمِرة للسيطرة على الشعوب في البلدان المستعمرة والمستضعفة بما يسمونه بالديموقراطية- وهو مصطلح برّاق يراد منه أن تعمل الشعوب لمصلحة جلاديها- ولذلك يسيرون في إعلامهم بالدعوة إلى الحرية التي من مقتضياتها تشكيل الأحزاب والركض وراء تحقيق أهدافها الضيقة على حساب البلاد والعباد.

وهذا الأمر حذرنا منه القرآن تحذيرا واضحا، ولكننا للأسف لا نستمع للقرآن الذي يصرخ فينا ليل نهار! وقد قال الله تعالى لنا بعد أن ذكر شيئا مما يخص الرسل وأن على أتباعهم أن يكونوا خلفهم أمة واحدة ولكنهم تفرقوا، فقال الله في شأنهم: (فتقطعوا أمرهم بينهم زُبرا كل حزب بما لديهم فرحون) ونهى الله عباده عن يشابهوا المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا فقال: ( ..ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون)

وكثرة الأحزاب ليس من علائم الخير، بل هو من الأسس الواضحة الدلالة على كثرة التفرق والاختلاف، ولنا في ما جرى في تركيا خير دليل، فالرئيس الحالي لتركيا عمل خلال عشرين سنة ما لم تعمله أي جهة في تركيا لأكثر من مئة عام، ومع ذلك في الانتخابات لم يصل إلى 50% من أصوات الناخبين، فهل يعقل أن نصف الشعب التركي لم ير تلك الإنجازات التي قام بها رئيسهم ولا سمعوا بها، ولذلك لم يمنحوا رئيسهم أصواتهم؟

إن المسألة ليست كذلك، بل إن هذه الأحزاب المتصارعة لا تهمها مصلحة الوطن ولا المواطن إنما يهمها أن تصل إلى الحكم بأيّ وسيلة، ثم ينقلب كل ما تعمله في مصلحة الحزب وإنجازاته حتى يتمكن من الاستمرار في الحكم، فكل الأحزاب المناوئة لحزب العدالة مثلا لا تسعى لمصلحة تركيا ولكنها تسعى لإبراز حزبيتها ولو على حساب تدمير الوطن ودينه وقيمه، وهذا بالضبط هو ما تريده الدول المستعمرة التي لا ترى الحق في الحياة الحقيقية في الدنيا إلا لها، ولذلك ظهرت التصريحات في الجرائد الغربية المشهورة والبرلمانات فيها إلى ضرورة هزيمة الرئيس التركي؛ لأنه يريد أن ينهض بتركيا ويجعلها في مصاف الدول القوية، وهم لن يسمحوا بهذا، هذا الكلام سمعه كل الشعب التركي ومع ذلك فنصف الشعب لم يصوت للرئيس بل صوت لمصلحة الدول الغربية التي تريد تدمير تركيا وإرجاعها إلى ما قبل مئة عام.

وفي كثير من الدول العربية تشيع أفكار هدّامة مبتناها على أن من ضرورات الإصلاح ومقتضياته تشكيل الأحزاب في البلاد لأن ذلك من دعائم العمل والنهوض، وهذا من أكبر الأكاذيب التي يراد ترويجها على الشعوب وخصوصا في الدول العربية والإسلامية، لأن كثرة الأحزاب لن تكون إلا في مصلحة الخراب، وأن على الأمة الإسلامية والعربية تحديدا أن تفيق لما يدبره الغرب المستعمر من أنه لا يريد لدولنا أن تنهض أو تنمو، بل يريدها أن تبقى تلف وتدور في فلك تلك الدول الفاشية الكافرة، وعلى الصلحاء وأهل العلم أن لا يبددوا طاقاتهم في مثل هذه الأعمال التي تصب في خراب البلاد وعليهم أن لا يضيعوا أوقاتهم في تشكيل الأحزاب التي لا يراد منها إلا التفرق والتشتت، فإن الراكض وراء تشكيل الأحزاب هو كالراكض وراء السراب ولن يحقق لبلده أي هدف.

ولنا أن نتخيل أنه في بلدنا الأردن أكثر من خمسة وثلاثين حزبا تقدمت للترخيص قُبل منها قرابة الثلاثين حزبا، وكلها تتسمى بأسماء لا تمتّ إلى الإصلاح بأي شيء بل هي تتسمى بأسماء معززة للفرقة والاختلاف، فبالله عليكم كيف يمكن أن تتفق مثل هذه الأحزاب على رفعة الوطن، لا شك أنها ستشبعنا كلاما موهوما حول الوحدة والنهوض، ونصير معه نحن الشعب كالقابض على الريح

والهدف المنشود وطريق تحقيق الأهداف قد بينه لنا ربنا في كتابه يوم قال: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد

 

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور

الاثنين 15/5/2023م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين