قيام دولة المغول

     تُعد المناطق الواقعة بين نهري جيحون وسيحون غربًا، وحدود الصين شرقًا؛ الموطن الأصلي للمغول، وهي ما يعرف بـ (منغولية)، وهم مجموعة من القبائل البدوية التي تعيش على الرعي والصيد، وتنتقل من مكان لآخر بحثًا عن الكلأ، كغيرها من المجتمعات البدوية، ويُعدُّ التتار إحدى تلك القبائل.

     برز المغول قوةً عالمية خارج منغولية نهاية القرن السادس الهجري، واستطاعوا في وقت قصير تأسيس أكبر امبراطورية عرفها التاريخ، حيث تكونت امبراطوريتهم خلال ثلاثة عقود، وكانت النواة الأولى لمملكتهم؛ عندما حظي جدهم الأول (بدانتسار) بزعامة القبائل التي تعيش حولهم، وفي عام: (1139م) انتصر هؤلاء المغول على الجيش الصيني انتصارًا كبيرًا، كان البداية الفعليَّة لنهوضهم، وفي هذه الأثناء كان العالم الإسلامي منقسمًا إلى دويلات وإمارات متنازعة فيما بينها، وكانت الخلافة العباسيَّة أعجز من أن تناهض هذه الدولة الناشئة، أو تقاومها، وبالتالي فإن النتيجة الحتمية للمعركة القادمة مع المغول واضحة منذ البداية.

     في عام (602 ه 1206م) تمَّ تنصيب جنكيز خان (خان أعظم) على جميع ساكني الخيام في منغولية، وكان يتمتع بشخصية قيادية فذة، نبغت في التنظيم وبناء الجيوش، واكتشاف نقط الضعف لدى الأعداء وتسخيرها لصالحه، وبعد أن استقرت له الأوضاع في مناطق الصين ومنغولية؛ قرر الخروج من هذا النطاق، والانطلاق في بناء امبراطورية، تشمل العالم المعروف آنذاك، ووضع نصب عينيه إسقاط الخلافة العباسيَّة في بغداد، وأخذ ينشر قوانينه المعروفة في التاريخ بـ (الياسا)[ الياسا: هو القانون الذي وضعه جنكيز خان دستوراً لإمبراطوريته]، فاستطاع التغلب على كل من وقف في وجهه، حتى أصبح حاكمًا على نصف العالم المعروف في ذلك الزمن.

     رأى جنكيز خان أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية هي التمركز في أفغانستان وأوزبكستان، وجعلها قواعد إمداده، وذلك لبعد المسافة بين الصين وبغداد، كما رأى أنه لا يستطيع محاربة الخلافة العباسية وفي ظهره شعوب مسلمة تحاربه؛ فكان لا بد من الاستيلاء على هذه المسافات الشاسعة بينه وبين بغداد، أي محاربة الدولة الخوارزمية، التي كانت تضم بين طيَّاتها عدة أقاليم إسلامية هامة، مثل: أفغانستان وأوزبكستان، وتركمانستان وطاجكستان، وباكستان وأجزاء من إيران، وكانت عاصمة الخوارزميين: مدينة أوجندة في تركمانستان، وقد كان بين جنكيز خان وملك الخوارزميين شبه اتفاق على حسن الجوار، لكن جنكيز خان لم يكن ممن يهتمون باتفاقياتهم، أو يحترمون عهودهم، فوضع من الأسباب ما برر له حربه للخوارزميين. [يرجع نسب الخوارزميين إلى مملوك تركي كان والياً على خوارزم، في عهد السلطان السلجوقي: ملكشاه بن ألب أرسلان، واستطاع أبناؤه من بعده الاستقلال بحكم خوارزم، عام: (538 ه)؛ بعد حروب طاحنة بينهم وبين السلاجقة، وتنصيب قطب الدين محمد بن أنوشتكين الخوارزمي ملكاً عليهم، اعترف به الخليفة العباسي، وأرسل إليه الخلع، والتشريفات، وقد بقيت الدولة الخوارزمية حتى سقطت على يد المغول عام: (628 ه) بعد أن قتلوا آخر ملوكها جلال الدين الخوارزمي، وتفرق بعده الخوارزميون في البلاد، فانضم بعضهم للخلافة العباسية في بغداد، ودخل قسم منهم في خدمة سلاجقة الروم، وأوى الآخرون إلى الأيوبيين في مصر].

     بدأ جنكيز خان تنفيذ ما عزم عليه، واستطاعت جيوشه دخول أكبر المدن الإسلامية في تلك البلاد وتدميرها، وارتكاب أبشع المجازر فيها، وكان على رأس المدن التي اكتوت بنارهم: مدينة بخارى وسمرقند، ومرو ونيسابور، وغيرها من مدن تلك البلاد، ولم يستطع الخوارزميُّون التصدي لهذا السيل الجارف من جيوش المغول؛ غير ما كان من انتصار جلال الدين منكوبرتي عليهم في سهول بيروان عام: (618 ه) لكنه كان انتصارًا مؤقتًا، ما لبث جنكيز خان أن ثأر له، وأنزل بالخوارزميين السيف.

     ولقد كان الخوارزميُّون قد استنجدوا بالخلافة العباسيَّة مرارًا، لتمدهم بقوات في حربهم ضدَّ المغول؛ لكن شيئًا من ذلك لم يكن، بل لقد عمل الخليفة العباسي الناصر لدين الله على إذكاء نار الفتنة بين الخوارزميين، والتصدي لمشروعهم المقاوم للمغول؛ منتقمًا بذلك لما كان بينه وبينهم من خلافات، ومتغافلًا عن حقيقة الخطر المغولي الذي يهدد دولته، لذا ذمَّه المؤرخون، وتناولوا أعماله بالنقد اللاذع، وزالت بعد ذلك دولة الخوارزميين، وأصبح الطريق إلى بغداد مفتوحًا أمام المغول.

     آل أمر المغول بعد وفاة جنكيز خان إلى ابنه (أوكتاي) الذي واصل زحفه باتجاه العراق لإسقاط الخلافة، وتعاقبت بعده الأمراء على المغول، إلى أن جاء هولاكو، فوضع له هدفًا مرحليَّاً يصل بعده إلى بغداد، وهو القضاء على الفرقة الإسماعيليَّة الباطنيَّة [تُعدُّ الإسماعيلية امتدادًا للدعوة الفاطمية في مصر، قام بنشرها في بلاد فارس وما حولها الحسن بن الصباح، وهو من أصل يمني، هاجر أبوه إلى الكوفة، ومن ثم إلى قم، ثم إلى الري حيث ولد الحسن، وقد سبق الحديث عن دعوته في مبحث دولة السلاجقة]، والاستيلاء على قلاعهم، واستطاع عام: (654 ه) الاستيلاء على قلعة (الموت/آلموت) آخر قلاع الإسماعيليَّة شمال إيران، ولم يستطع زعيمهم مقاومة هولاكو؛ فأعلن له الخضوع، وقبَّل الأرض تحت قدميه.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين