قوة الحق تكسر الباطل

 

 

(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (249البقرة) قد لا نبتعد كثيرا عن الحقيقة إن قلنا إنَّ داء الانهزام النفسي قد بدأ يتسلل إلى بعض القلوب بعد خمس سنوات من العمل، ويحق للمرء أن يدهش عندما يرى أنَّ هذا المرض القاتل قد أصاب الكثيرين من المحسوبين على العلم والعلماء الذين حملوا أمانة الدعوة ونصرة الحق، فتخرج بعض النماذج السليبة بين الحين والآخر لتبرر عجزها عن نصرة المستضعفين بجملة من المبررات الخاوية، من مثل عدم القدرة على المواجهة بسبب انعدام التكافؤ في القوة بين الطرفين، وبهذا تصل إلى نتيجة كارثة هي الاستسلام ومصالحة العدو من دون مكتسبات وانتظار القدر الذي سيحل بنا، وهذا كلام يصدر عمَّن يجهل سنن التغيير وحركات التاريخ والتحليل العسكري القائم على التفكير السليم.

لقد كنا نتابع قبل الربيع العربي صور انتفاضة الفلسطينيين وهم يتحدون آليات العدو بالحجارة الصغيرة وبالقنابل يدوية الصنع، ويواجهون بصدورهم العارية أحدث ما ابتكرته التقانة العسكرية، وعلى الرغم من تفوق المحتل إلا أنَّ ذلك لم يوقف الانتفاضة ولم يضعف الفلسطينيين، وكذلك نذكر الحرب غير المتكافئة التي خاضتها غزة مع اليهود، وخرجت منها منتصرة على الرغم من الحصار الخانق الذي فرض عليها من قبل سلطات الاحتلال ودول الجوار (العربي)!

ومهما يكن من أمر، دعونا نتفق على أنَّ هناك تغييرا جذريا دخل ساحة الحرب وطرأ على كيفية إدارتها، فالمعركة اليوم ليست في ميدان واحد، بل دخلت المجتمعات لتحدث خللا كبيرا في الثقة بالنفس، وهي بذلك لا تتوقف عند الأهداف العسكرية وحسب، بل تنتقل لتشمل الحاضنة الشعبية وما يتصل بها.

إنَّ حرب الأمة مع أعدائها منذ زمن طويل تستند استراتيجيا إلى إضعاف نفسية الطرف الآخر وتشتيت قدراته التخطيطية عبر استخدام الوسائل الإعلامية وشبكات المعلومات للتأثير في الرأي العام، أمَّا من الناحية التخطيطية، فالحرب عبارة عن نزاعات في مناطق مختلفة تستخدم فيها أسلحة الجيل السابق، ولكن هذا لا يعني أن نهول من قوة عدونا بحيث نراه العنقاء التي لا يمكن القضاء عليها، فالجيوش العرمرم التي غزت هذه الأرض المباركة لم تنفعها تجهيزاتها المتطورة، ولم تخدمها أسلحتها البيولوجية والكيميائية، فتفوق عليها أصحاب الأرض والحق بالأسلحة الصدئة الخفيفة.

وقد يرى البعض أنَّ الكم هو أساس الحسم في المعارك، وعلى هذه الرؤيا الفاسدة يقررون أنَّ الحرب في سورية محسومة للروس وعميلها، وهذا غلط فادح وحكم يحتاج إلى مراجعة، وخير مثال على ذلك وما تمر به حلب المحاصرة، هو حرب الشيشان الأولى 1994-1996م فقد حقق المجاهدون هناك نصرا غير متوقع على روسية على الرغم من أنَّ ميزان القوة والعدة والعتاد لم يكن متكافئا، بل إنَّ الجيش الروسي أطبق حصارا خانقا على المدينة المقاومة (غروزني) بجيش يصل عدده إلى خمسين ألف جندي، إلا أنَّ المجاهدين الشيشانيين استطاعوا بعدد لا يزيد على ثلاثة آلاف من فكِّ الحصار وشنِّ هجوم معاكس نهش مؤخرة الجيش المحاصِر ممَّا أجبر الغزاة الروس على الانسحاب تاركين خلفهم خسائرهم.

فهناك تجارب حية ما تزال في الذاكرة، نرى فيها القوى العظمى تهزم أمام تشكيلات مقاتلة صغيرة على الرغم من الفارق الكبير في الإمكانيات.

الحديث عن عدم التكافؤ بين قوات الثورة السورية والنظام وحلفائه هو عين ما يريده الأعداء، ولذللك فإنَّ المطلوب هو استيعاب قواعد الحرب الجديدة وإعداد الاستراتيجيات الملائمة والتجهيزات العسكرية، والتركيز على الحاضنة الشعبية التي تعطي الشرعية الحقيقية للثورة والمقاومة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين