قلم الغزالي

«وإنك لتحسب أن القلم الذي بيد الغزالي، كأنه الرمح بيد ابن الوليد»

هذه العبارة التي أصدِّر بها كلامي هي من كلام الدكتور العلاَّمة يوسف القرضاوي يصف بها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى، وقد كنت كلما فرغت من قراءة كتاب للشيخ رحمه الله أهمُّ بأن أكتب في مزايا الكتاب لأحض إخواني على الاستفادة منه، إلى أن وصلت إلى نتيجة تقول: إن جميع كتابات الرجل سواء في الأهمية وإن اختلف الثغر الذي جاهد الغزالي فيه، وإنني بحاجة لوصف جامع لهذه الكتب حتى قرأت كلام الدكتور القرضاوي، وهو يصور لنا صورة بليغة عن قلمٍ مباركٍ بيد عالمٍ ومفكرٍ عبقريٍّ حر..

والغزالي عندما يكتب فإنه يبدع في حسن عرض المقدمات، ويبدع كذلك في سلاسة استخلاص النتائج، والرجل إذا قرَّر أن يكتب فإن الصورة أمامه واضحة، يقول رحمه الله في مقدمة كتاب «علل وأدوية»: «إنني عندما أكتب أقسم مشاعري وأفكاري قسمين! قسماً يتعرف الواقع الإسلامي بدقة - أعنى أحوال أمتنا ما ظهر منها وما بطن!- وآخر يتلمس من توجيهات الإسلام ما يشفى السقام ويدعم الكيان... وفي تعرفي على أحوال أمتنا أميز الأمراض الموروثة عن الوافدة حتى لا أضلَّ العلاج، ولا أسمح للأعراض المتشابهة أن تخدعني عن جراثيمها المختلفة! وفي تلمسي للأدوية أفرِّق بين الإسلام من مصادره المعصومة وبين تاريخه المتفاوت بين مد وجزر، وسواء أكان هذا التاريخ سياسياً أو ثقافياً... وعندما أخطئ -وأنا خطاء- أكون أطوع الناس لمن يأخذ بيدي إلى الصواب، والمشكلة أن المرء قد يطب لغيره، ولا يحسن أن يطب لنفسه، ولا مناص من أن يلهج أبداً بالدعاء المأثور: "اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت"».

عاش رحمه الله وقد نذر حياته في إيقاظ النيام، في عصر كانت سمته تنويم الأيقاظ!!

وصف وشخَّص واقترح الحلول، وبثَّ همومه في كتبه مصحوبة بآرائه لجعلها منطلقات لتصحيح المسار، واستعادة زمام المبادرة، واستلام توجيه الأمور.

كان الغزالي رحمه الله – ولا يزال – مصدر نور، يكاد البعض لم يرَ الإسلام نقياً دون شوائب، شاملاً دون تجزئة، رفيعاً دون ضعة، إلا بعد الاطلاع على مؤلفاته التي تربو على السبعين.

أردت بهذه السطور المعدودة أن ألفت الأنظار نحو كنز فوق رفوف المكتبة الإسلامية، متمثلة بكتب الشيخ رحمه الله.

فلعلَّ أحدنا يشمِّر عن ساعد الجد، ويستلم مؤلفات الشيخ كتاباً  كتاباً يحصِّل بنهاية كل كتاب حصيلة سنيين من عمل المؤلف، وخلاصة تجارب وقراءات ومناظرات وتأملات، فلعلَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين