قلب التقرب إلى الله عزوجل وجناحاه

 

 

بقلم الفقير إلى عفو الله وراجي رحمته: مجد مكي

 

هذه الأوراق التي أقدِّمها بين يدي القراء الكرام هي مجموعة من الخطب ألقيتها في جامع الرضا بجدة، كما ألقيتها دروساً في جامع الروضة بجُدة أيضاً، حيث كنت أ لقي فيه درساً بعد صلاة العشاء من كل يوم اثنين، لمدة تزيد على عشرين عاماً، وغالب هذا البحث مستفاد من كتاب (التقرُّب إلى الله عزَّ وجل) للعلامة الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى ، وتُعَدُّ هذه الخطب والدروس المكتوبة نواة لمشروعات علمية وبحوث منهجية، أستقصي فيها الموضوع من جميع جوانبه ، ولعلَّ الله سبحانه يُيسِّر لي إتمامها، وقد قام أخي الكريم طارق عبد الحميد قباوة بجمع هذه الأوراق المتناثرة وطبعها، وقام الأخ الكريم بلال عبد المجيد البيانوني بترقيم بعض الأحاديث، وقمتُ بمراجعتها وتصحيحها، وقد شجَّعني الأخ الكريم طارق على نشرها في حلقات متسلسلة على موقع الرابطة، سائلاً المولى سبحانه أن ينفعني والقرَّاء بها، راجياً أن يكرموني بدعواتهم وملاحظاتهم.
ـ 1 ـ
قلب التقرُّب إلى الله عزَّ وجل  وجناحاه:
بيَّن الله تعالى طُرق التقرُّب إليه، وما يجب أن يكون عليه حال المؤمن المتقرب إلى الله سبحانه، فقال:[أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا] {الإسراء:57}.
فقلب التقرُّب إلى الله تعالى: الأعمال الصَّالحة مع الإخلاص فيها.
وجناحاه: هو رجاء رحمة الله والخوف من عذابه. وبذلك يحصل الفرار إلى الله تعالى. قال تعالى:[فَفِرُّ=وا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ] {الذاريات:50}.
والطائر يفرُّ من المخاوف إلى وكره ومأمنه بجناحيه، والمؤمن بجَنَاحَي الخوف والرجاء يفرُّ إلى العزيز الغفار.
دعاء الله سبحانه خوفاً وطمعاً:
قال تعالى في صفة عباده المقرَّبين السابقين بالخيرات:[تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ] {السجدة:16}.[ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ] {الأعراف:56}
الله سبحانه شديد العقاب وغفورٌ رحيم:
كما أمر الله عباده أن يكونوا على علم يقين بأنَّ الله تعالى شديد العقاب، وأنه غفور رحيم:[اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {المائدة:98}.
وقد أمر الله تعالى رسوله الكريم أن ينبئ عباده بهذا النبأ العظيم، فقال تعالى:[نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ] {الحجر:49ـ50}.
نعيم الجنة وعذاب النار:
وقد ذكر الله تعالى لعباده الجنَّة ورغَّبهم فيها، وذكر النار وخوَّفهم منها، وقَرَنَ بين ذكرهما في كثير من الآيات القرآنية، وأفرد في بعض الآيات كل واحدة منهما، مقابل ما أفرده في موضع آخر، وذلك ليكون المؤمن راجياً رحمة الله تعالى، خائفاً من عذابه وعقابه.
قال الله تعالى:[إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ] {الانفطار:13ـ14}.
وقال تعالى: [إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ(43) طَعَامُ الأَثِيمِ(44) كَالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ(45) كَغَلْيِ الحَمِيمِ(46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الجَحِيمِ(47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحَمِيمِ(48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ(49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ(50) إِنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ(51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ(53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ(54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ(55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلَّا المَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجَحِيمِ(56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ(57) ]. {الدُخان}.
وهكذا قَرَن سبحانه بين آيات الثواب والعذاب، وأهل الجنة وأهل النار، وحال أهل الجنة وحال أهل النار، ليكون المؤمن راغباً راهباً ، طامعاً خائفاً.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين