قصة زيد وزوجه زينب

قال الله تعالى يخاطِبُ نبيَّه: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ بالإسلام ﴿وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ بالإعتاق، وهو زيد بن حارثة؛ كان من سبي الجاهليَّة، فاشتراه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قبل البعثة، وأعتقه وتبنَّاه ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ زينب بنت جحش ﴿وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ في طلاقها، وكان عازمًا عليه، لتعاليها عليه بحسبها ونسبها ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ﴾ من وقوع حبِّها في قلبِك حين نظرت إليها بعد زواجِ زيد بها، وقلتَ في نفسك «لو فارقها زيد تزوجتها» ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ﴾ أن يقولوا: تزوج امرأة ابنه ﴿وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ في كل شيء، فتزوَّجها ولا تهتم بكلام الناس. [الأحزاب: 37]

هكذا قال كثير من المفسِّرين، وهو صحيح إلا قولهم: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نظر إلى زينب بعد زواج زيد بها، فوقعتْ في قلبه... إلخ، فإنه غير صحيحٍ، بل هو باطلٌ، لوُجوه:

الأول: أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، كان يرى زينب قبل زواجها، وهي بنت عمَّته، فلِمَ يقع حبها في قلبه إلا بعد زواجها؟!

الثاني: أنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، هو الذي خطبها من أخيها عبد الله، وكان يمكنه أن يخطبها لنفسه لو أرادها، بل كان هذا أملها وأمل أخيها حين خطبها منه، فلما صرَّح لهما بزيد، أبَيَا، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36] فقالا رضينا بأمرِ الله ورسولِه.

الثَّالث: أن حكم التبنِّي كان إذ ذاك قائمًا، لم يُبطله إلَّا الإسلامُ بعد، ولم يكن النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لينظر إلى زوج ابنه المتبنَّى نظرة حُبٍّ وشهوةٍ.

الرَّابع: أنه لو كان ما زعموه صحيحًا، لكان قوله لزيدٍ: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: 37] نفاقًا؛ لأنَّه أظهر بلسانه خلاف ما يُضمِره في نفسه! لكن الله عصم نبيَّه من ذلك.

الخامس: أنَّ الله لم يبد حبَّ النبيِّ لزينب، ولا ميله إلى طلاقها ليتزوَّجها، فمن أين أتوا به؟ وكيف أقحموه في تفسير الآية؟!

السَّادس: أنَّ ما أخفاه النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأبداه الله تعالى، هو أمره بزواج زينب، ليبطل حكم التَّبنيِّ، هذا ما صرَّحت به الآية، لا شيء آخر غيره، فكيف يعدلون عن صريحِ القرآن، إلى رواياتٍ لا زِمام لها ولا خطام؟!

من كتاب:" خواطر دينية"

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين