قصة الرجل الذي زار أخًا له في قرية

عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أنَّ رجلًا زار أخًا له في قريةٍ، فأرصد الله تعالى على مَدْرجته مَلكًا، فلما أتى عليه -أي أتى الرجل على المَلك- قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمةٍ تُربّها؟ قال: لا. غيرَ أني أحببته في الله. قال: فإنِّي رسول الله إليك بأنَّ الله قد أحبَّك كما أحببتَه فيه». رواه مسلمٌ في "صحيحه".

الشرح:

«أَرْصَدَ»: أقعد.

«مَدَرْجته»: بفتح الميم والراء بينهما دال ساكنة.

«طريقه»: وكل طريق مدرجة؛ لأنَّ النَّاس يدرجون عليه.

«مَلَكٌ» بفتح اللام واحد: الملائكة وهم مخلوقون من نورٍ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون، ومن جوَّز المعصية عليهم –وهو قول كثير من الأشعريَّة- فقد وَهِمَ وهمًا فاحشًا.

«تُربّها» بضم الراء وتشديد الباء الموحدة: تقوم عليها، وتسعى في صلاحها عنده، وتنهض بسببها إليه، محبَّة الله للعبد ورضاه عنه، وإيصال الخير إليه.

المعنى:

هذان أخوان تحابَّا في الله لا لغرضٍ آخرَ، وذهب أحدهما يزور صاحبه في قريته، فأقعد الله في طريقه مَلكًا يبشِّره بأنَّ الله قد أحبَّه ورضي عنه، جزاء حبَّه أخاه في الله، وتلك بشرى عظيمةٌ، ومنقبةٌ جليلةٌ، لا يظفر بها إلَّا الإخوان المتحابون المخلصون.

ما يستفاد من الحديث

يستفاد منه أمور:

الأول: فضل الأخوَّة في الله تعالى والتَّحابب فيه، وهذا من أوثقِ عرى الإيمان وأفضلِ أعماله، والأخوة وإنْ كانت مطلوبة بين جميع المؤمنين، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «المسلم أخو المسلم» فتلك أخوة عامَّة، مبعثها رابطة الدِّين، وثمرتها محو الفوارق العنصريَّة بين طبقات المسلمين.

والمذكور هنا أخوةٌ خاصَّةٌ، وهي التي تجمع بين شخصين أو أشخاص من نوعٍ خاصٍّ من العبادة، كذكر الله تعالى أو مدارسة العلم، وتشتد هذه الأخوة حتى تصير أقوى من أخوة النَّسب.

فهذه هي المرادة هنا، وهي التي وردت فيها أحاديثَ كثيرةٍ، منها:

- حديث: «ليبعثنَّ الله أقوامًا يوم القيامة في وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ يغبطهم النَّاس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء». قال: فجثا أعرابيٌّ على ركبتيه. قال: يا رسول الله حلِّهم لنا لنعرفهم.

قال: «هم المتحابون في الله من قبائل شتَّى وبلاد شتَّى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه».

رواه الطبراني من حديث أبي الدرداء رحمه الله تعالى وإسناده حسنٌ.

الثاني: أنَّ أخوَّة الشَّخصين في الله تستوجب محبَّة الله لهما، ورضاه عنهما؛ لأنَّهما لم يتآخيا على غرضٍ دنيوي، أو طمعٍ مادِّي، بل كان تآخيهما خالصًا لله تعالى.

ثمَّ من كان حبه لأخيه أكثر، كان حب الله له كذلك؛ لحديث: «ما تحاب رجلان في الله إلَّا كان أحبهما إلى الله عزَّ وجلَّ أشدهما حبًا لصاحبه».

رواه أبو يَعلى والطبراني.

الثالث: فضل زيارة الإخوان والصَّالحين والتردد عليهم؛ لأنَّ ذلك مما يقوي أواصر المحبة، ويؤكِّد روابطها، وفي الحديث: «من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ بأنْ طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنَّة منزلًا». حسَّنه الترمذي.

الرابع: أنَّ الملائكة قد تُكلِّمُ الرجل الصَّالح على سبيل الكرامة، وإنْ لم يكن نبيًّا.

وقد كلَّم جبريل عليه السلام مريم عليها السلام، ولم تكن نبيَّة في قول الجمهور، بل كانت صِدِّيقة كما وصفها الله تعالى بقوله: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة: 75].

وتسليم الملائكة على عمران بن حصين، ثابتٌ معروفٌ كما بينته في "الحجج البينات".

وعلى هذا: فالفرق بين تكليم المَلك للنَّبيِّ وتكليمه لغيره من وجهين:

أحدهما: أنَّ النَّبيَّ يتيقَّن – بعلمٍ ضروريٍ يخلقه الله فيه - أنَّ الذي يكلِّمه مَلك من قِبَلِ الله، وغير النَّبيِّ لا يستطيع أنْ يتيقَّن ذلك؛ لأنَّه غير مأمونٍ من ظهور الشَّيطان له ودعواه أنَّه مَلك، بقصد إغوائه كما حصل لبعض العُبَّاد.

ثانيهما: أنَّ المَلك يُكلِّم النَّبيَّ بشريعةٍ يعمل بها في نفسه، أو يبلغها لغيره إنْ كان رسولًا، وغير النَّبيِّ لا يتجاوز كلام المَلك معه أنْ يكون سلامًا أو بشارة ًبخيٍر أو نحو ذلك مما لا يدخل في التشريع، أو التبليغ، والله أعلم.

" سمير الصالحين"

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين