قصةُ الخضر عليه السلام مع السائل-1-

عن أبي أُمامةَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا أحدثكم عن الخَضِر؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «بينا هو ذاتَ يومٍ يمشي في سوق بني إسرائيل، أبْصره رجلٌ مُكاتَبٌ فقال: تصدَّق عليَّ بارك الله فيك، فقال الخضر: آمنت بالله، ما شاء الله من أمرٍ يكون ما عندي شيء أُعطِيكَهُ، فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت عليَّ فإنِّي نظرت السَّماحةَ في وجهِك ورجوت البركة عندَك، فقال الخضر: آمنت بالله، ما عندي شيءٌ أعطيكه إلَّا أنْ تأخذَني فتبيعَني، فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟

قال: نعم، الحقُ أقول: لقد سألتَني بأمرٍ عظيمٍ أمَا إنِّي لا أخيِّبُك بوجه ربي، بعني قال: فقدَّمه إلى السَّوق فباعه بأربعِ مئة درهم، فمكث عند المشتري زمانًا لا يستعمله في شيءٍ، فقال له: إنَّك إنما اشتريتني التماس خيرٍ عندي فأوصني بعملٍ، قال: أكره أنْ أشقَّ عليك إنَّك شيخٌ كبيرٌ ضعيفٌ.

قال: ليس يشقُّ عليَّ قال: فقم فانقل، خذ فانقل هذه الحجارة - وكان لا ينقلها دونَ ستةِ نفرٍ من يوم -، فخرج الرجل لبعض حاجته، ثمَّ انصرف وقد نقل الحجارة في ساعةٍ، فقال: أحسنتَ وأجملتَ وأطقتَ ما لم أركَ تطيقه.

قال: ثمَّ عرض للرجل سفر، فقال: إنِّي أحسبك أمينًا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، قال: فأوصني بعملٍ، قال: إنِّي أكره أنْ أشقَّ عليك، قال: ليس يشقُّ عليَّ، قال: فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك، قال: فمضى الرجل لسفره فرجع الرَّجل، وقد شيَّد بناءه.

فقال: أسألك بوجه الله ما سببك وما أمرك؟ قال: سألتني بوجه الله، ووجه الله أوقعني في العبوديَّة.

فقال الخضر: سأخبرك من أنا؟ أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكينٌ صدقةً فلم يكن عندي شيء أعطِيَه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي فباعني، وأخبرك: أنَّه من سُئل بوجه الله فردَّ سائِله وهو يقدر، وقف يوم القيامة جلده ولا لحم له، يتقعقع فقال الرجل: آمنت بالله شققت عليك يا نبيَّ الله، ولم أعلم فقال: لا بأس أحسنت وأتقنت، فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا نبيَّ الله، احكم في أهلي ومالي بما شئت، أو اخترْ فأخلِّي سبيلك، قال: أحبُّ أنْ تُخلِّي سبيلي فأعبد ربي، فخلى سبيله، فقال الخضر: الحمد لله الذي أوثقني في العبوديَّة ثمَّ نجَّاني منه». رواه الطبراني وغيره.

قال الحافظ المنذري: وحسَّن بعض مشايخنا إسناده وفيه بُعْدٌ. اهـ.

قلت: لأنَّ فيه بقيَّة، وهو مُدلِّسٌ.

الشرح: أبو أُمامة([1]) بضم الهمزة، اسمه صُدَي - بالتصغير-، ابن عَجْلان بفتح الغين وسكون الجيم، الباهلي صحابيٌ فاضلٌ، حصلت له كرامةٌ حين بعثه النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومه.

فروى الطبراني وأبو يعلى والبيهقي في "الدلائل" بإسنادٍ حسنٍ، من طريق أبي غالب عن أبي أُمامة، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومي، فانتهيت إليهم وأنا طاوٍ، وهم يأكلون الدَّم، فقالوا: هلمَّ، قلت: إنما جئت لأنهاكم عن هذا الطَّعام، وأنا رسولُ رسولِِ الله إليكم، أتيتكم لتؤمنوا به، فكذَّبوني وزَبروني

وأنا جائعٌ ظمآنٌ، قد بَراني جهدٌ شديدٌ فنمتُ، فأتاني آتٍ بشربة لبنٍ فشربت ورويت وعظم بطني، ثمَّ قال لهم رجلٌ منهم: أتاكم رجلٌ من سراة قومكم لم تتحفوه فأتوني بلبن، فقلت: لا حاجة لي به وأريتُهم بطني، فأسلموا عن آخرهم.

قال ابن حِبَّان: كان أبو أُمامة مع عليٍّ بصفين. اهـ.

ومات سنة ست وثمانين، وله ست ومائة سنة.

والخضر اسمه بليا بن ملكان بن نافع بن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح، فهو ابن عم جد إبراهيم عليه السلام، وكنيته أبو العباس.

وسبب تلقيبه بالخضر: ما جاء في الصَّحيح عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنما سُمِّي الخضر؛ لأنَّه جلس على فروةٍ بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء».

والفروة: أرض بيضاء لا نبات فيها، وهو المراد بقوله تعالى عن موسى وفتاه يوشع ابن نون: ﴿فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا٦٥﴾، هكذا جاء مفسَّرًا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في "الصحيحين" وغيرهما من طرق.

ومبتدعةُ هذا العصر لا يقبلون هذا التفسير، ويقولون: إنَّ القرآن لم يُعيِّن فتى موسى ولا العبد الذي وجداه فنحن لا نعينهما!!

وكأنَّهم يعترضون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث أقدم على تعيين شيء لم يعينه الله!، وإنْ تعجب فعجبٌ من الشَّيخ محمد محمد المدني الذي عمد في كتابته عن قصة موسى والخضر رضي الله عنه إلى تفنيد الحديث الوارد فيها، وهو في الكتب السِّتة وغيرها من طرق، ثمَّ عقَّب برأيه المتكلّف الفاسد، ولم يبْدِ من حُجَّةٍ في تفنيد الحديث إلَّا إطلاق لفظ الروايات عليه، حيث قال: جاء في الروايات!، وتقول الروايات!، ولعلَّه يعتقد أنَّ إطلاق لفظ «الروايات» عذر كاف عند الله في ترك الأحاديث الصَّحيحة وإهدار جانبها!.

ثمَّ إنَّ الخضر معمَّرٌ محجوبٌ عن الأبصار كما قال التعلبي في "تفسيره".

وقال ابن الصَّلاح: هو حيٌّ عند جمهور العلماء، والعامَّة معهم في ذلك، وإنما شذَّ بإنكاره على المحدثين. اهـ

وتبعه النووي وزاد: أنَّ حياته متَّفقٌ عليها بين الصُّوفيَّة وأهل الصَّلاح، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به أكثر من أنْ تحصر. اهـ

قال الحافظ: والذي جزم بأنَّه غير موجودٍ الآن البخاري، وإبراهيم الحربي، وأبو جعفر بن المنادى، وأبو يعلى بن الفراء، وأبو طاهر العبادي، وأبو بكر بن العربي وطائفة، وعمدتهم الحديث المشهور عن ابن عمر وجابر وغيرهما، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال –في آخر حياته-: «لا يبقى على وجه الأرض بعد مئة سنةٍ، ممن هو عليها اليوم أحدٌ».

قال ابن عمر: أراد بذلك انخرام قرنه، وأجاب من أثبت حياته بأنَّه كان حينئذ على وجه البحر، أو مخصوص من الحديث كما خصَّ منه إبليس بالاتفاق. اهـ

وبالضرورة لم يقصد الحديث فناء العالم وانقراض الدنيا كما فهم بعض ملاحدة العصر لجهله، وبنى على ذلك أنَّ المحدِّثين يعتمدون على صحَّة السَّند فقط، وإنْ كان الحديث يخالف الواقع المشاهد، وإنما أراد الحديث انقراضَ ذلك القرن وانقطاعَ الصحابة حتى إذا ما ادعى أحدٌ أنَّه صحابي بعد المائة الأولى عرفنا أنَّه كاذبٌ.

وقد ادَّعى صحبة النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم مُعمَّرون كذَّابون، كـ «رتن الهندي» وأمثاله، فكان هذا الحديث دليلًا على كذبهم.

قال الحافظ في "فتح الباري": وقد بيَّن ابن عمر في هذا الحديث مراد النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّ مراده أنَّ عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك ينخرم ذلك القرن، فلا يبقى أحدٌ ممن كان موجودًا حال تلك المقالة، وكذلك وقع بالاستقراء فكان آخر من ضبط أمره ممن كان موجودًا حينئذٍ أبو الطفيل عامر ابن واثلة، وقد أجمع أهل الحديث على أنَّه كان آخر الصَّحابة موتًا.

وغايةُ ما قيل فيه: إنَّه بقي إلى سنة عشر ومائة، وهي رأس مئة سنة من مقالة النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم والله أعلم.

قال النووي وغيره: احتجَّ البخاري - ومن قال بقوله -، بهذا الحديث على موت الخضر، والجمهور على خلافه، وأجابوا عنه بأنَّ الخضر كان حينئذ من ساكني البحر فلم يدخل في الحديث، قالوا: ومعنى الحديث «لا يبقى» ممن ترونه أو تعرفونه، فهو عامٌّ أريد به الخصوص.

وقيل: احترز بالأرض عن الملائكة.

وقالوا: خرج عيسى من ذلك وهو حيٌّ؛ لأنَّه في السماء لا في الأرض، وخرج إبليس؛ لأنَّه على الماء أو في الهواء.

وأبعد من قال: إنَّ «اللام» في «الأرض» عهديَّة، والمراد أرض المدينة.

والحقُّ: أنَّها للعموم وتتناول جميع بني آدم.

وأمَّا من قال: المراد أُمَّة محمَّدٍ سواء أمة الإجابة وأمة الدعوة، وخرج عيسى والخضر؛ لأنَّهما ليسا من أمته، فهو قولٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ عيسى يحكم بشريعته فيكون من أمته، والقول في الخضر إن كان حيًا كالقول في عيسى والله أعلم. اهـ كلام الحافظ بن حجر.

نقلته بتمامه لما فيه من الفوائد، والبحوث المتعلِّقة بالخضر كثيرة، نكتفي منها بما كتبناه.

«رجل ٌمكاتبٌ»: من الكتابة وهي أنْ يتفق السَّيد مع عبده أنْ يؤدِّي له مالًا منجَّمًا على أقساطٍ، ويكتب العبد على سيده كتابًا، أنَّه إذا أدَّى المال كان حرًّا، فالعبد مُكَاتبٌ بفتح التاء وكسرها وكذلك السَّيد؛ لأنَّ المكاتبة مفاعلةٌ بينهما.

والمكاتبة بهذا المعنى: اسمٌ إسلاميٌّ كما قال الأزهري في "التهذيب".

و«اللبِن»: بكسر الباء، الطوب الذي يبنى به، الواحدة لبنة.

المعنى: اشتمل هذا الحديث على معجزتين للخضر عليه السلام:

إحداهما: نقله الحجارة في ساعةٍ مع أنَّه كان لا ينقلها أقل من ستةِ نفرٍ في يومٍ.

ثانيتها: ضرب اللبنِ وتشييد البناءِ في مدَّةٍ لا تتسع لذلك بحسب المعتاد.

ولا غرو أنْ يعطى هاتين المعجزتين فإنَّه إلى جانب النبوَّة التي أكرمه الله بها باع نفسه في الله وعرَّضها للعبودية؛ لئلَّا يرد سائلًا رجا الخير عنده، وسأله بوجه الله، فشكر الله صنيعه، وأطلقه من وثاق الرِّق إلى ميدان الحرية ليواصل عبادة مولاه، ويتفرَّغ لمشاهدة عظمته وسناه، وهكذا الطاعات تنجي من الآفات، وصنائع المعروف تقي مصارع السُّوء.

ما يستفاد من الحديث

يستفاد منه أمور:

الأول: جواز دخولُ الأسواق وأماكنِ التجارةِ، وقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يدخل السُّوق بمكَّة والمدينة، وكذلك الصَّحابة، ولما عيَّر المشركون النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بدخول الأسواق ﴿وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ﴾ -[الفرقان: ٧]، ردَّ الله عليهم بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: 20].

وأمَّا حديث: «أحبُّ البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق».

رواه أحمد، والبزَّار، وصحَّحه الحاكم من حديث جبير بن مطعم.

وقال الحافظ: إسناده حسنٌ، فهو محمولٌ على الغالب لما يحصل غالبًا في الأسواق من الأَيمْان، وكثرة الصخب والغفلة، ولهذا ورد الحث على الذَّكر في الأسواق ومواطنِ الغفلة.

ففي "سنن الترمذي" بإسنادٍ حسنٍ عن عمر رحمه الله تعالى، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «من دخل السُّوقَ، فقال: لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلِّ شيءٍ قدير، كتب الله له ألفَ ألفَ حسنةٍ، ومحا عنه ألفَ ألفَ سيئةٍ – يعني من الصغائر - ورفع له ألفَ ألفَ درجةٍ».

وروى البزار والطَّبراني بإسنادٍ لا بأس به عن ابن مسعود رحمه الله تعالى، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ذاكرُ الله في الغافلين، بمنزلة الصَّابرِ في الفارِّين».

قال ابن العربي المعافري المالكي في "الأحكام": لما كثُر الباطل في الأسواق وظهَرت فيها المناكر، كرَّه علماؤنا دخولها لأرباب الفضل والمهتدي بهم في الدِّين تنزيهًا لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها.

قال: وأمَّا أكل الطَّعامِ فضرورة الخلق، لا عار ولا درك فيها، وأمَّا الأسواق فسمعت مشيخةَ العلم يقولون: لا يدخل إلَّا سوقَ الكتبِ والسِّلاحِ، وعندي أنَّه يدخل كل سوقٍ للحاجة إليه، ولا يأكل فيه، فإنَّ ذلك إسقاطٌ للمروءة، وهدمٌ للحشمة، ومن الأحاديث الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الأكل في السوق دناءةٌ». وهو حديثٌ موضوعٌ، لكن رويناه من غير طريقٍ، ولا أصل له في الصِّحة ولا وصف. اهـ

قلت: هذا الحديث رواه لوين، والطبراني، وابن عدي، والعقيلي من طريق عمر بن موسى الوجيهي، عن القاسم، عن أبي أُمامة.

وعمر الوجيهي: كان يضع الحديث، كما قال ابن عَدي، وقال ابن مَعِين: ليس بثقةٍ، ولم يثبت في هذا الباب شيء كما قال العقيلي.

وحديث: «الأكل والنوم عورتان فاستروهما»، لا أصلَ له، ومن طريف ما يحكى في هذا أنَّه شوهد من يأكل في الطريق فليمَ، فقال: تاقت نفسي للأكل ومعي خبز فلا أمْطلُها؛ لأنَّ مُطْل الغنى ظلمٌ.

وفي "سنن" الترمذي، وابن ماجه عن ابن عمر قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام، صحَّحه الترمذي.

الثاني: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يحدث أصحابه بقصص الأنبياء والصَّالحين، لما فيها من العِبر الدَّاعية إلى تهذيب النُّفوس، وتزكية الأخلاق، وتطهير القلوب، وقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ﴾ [يوسف: ١١١] أي: العقول.

الثالث: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يستأذنُ أصحابَه في أنْ يحدِّثهم، «ألَا ُأحدِّثكم عن الخضر؟»، حرصًا منه على إيناسهم، وترغيبًا لهم في سماع ما يلقيه عليهم، ليحفظوه وينتفعوا به في أنفسهم ويبلِّغوه غيرهم من باقي أفراد الأمة، امتثالًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ليبلِّغ الشَّاهد منكم الغائب».

الرابع: أنَّ السؤال بوجه الله عظيمٌ، لا ينبغي لمن سئل به أنْ يرد السَّائل خائبًا، بل يعطيه ما يتيسَّر، فهذا الخضر باع نفسه في سبيل هذا السؤال.

ويَظهر أنَّ هذا كان جائزًا في شريعته، أمَّا في شريعتنا فلا يجوز للإنسان أنْ يبيع نفسه أو أحدًا من أولاده، بل لا يجوز له أنْ يتزوَّج الأمةَ المملوكة لغيره؛ لئلَّا يعرِّض ذريته للاسترقاقِ، وقد ورد التشديد في السؤال بوجه الله.

وفي منع السائل إذا سأل به، ففي "معجم الطبراني" بإسنادٍ جيِّدٍ عن أبي موسى الأشعري – واسمه عبد الله بن قيس - أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ملعونٌ من سَأل بوجهِ الله، وملعونٌ من سُئل بوجهِ الله، ثمَّ مَنع سائله ما لم يسأل هُجْرًا».

و«الهُجْر»: بضم الهاء وسكون الجيم: القبيح.

وفي "سنن الترمذي" بإسنادٍ حسنٍ عن ابن عبَّاس، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا أخبركم بشرِّ النَّاسِ؟ رجلٌ يُسْئَل بوجه الله ولا يُعطِي».

«يُسْئَل» بضم الياء وفتح الهمزة، و«يُعطِي» بضم الياء وكسر الطاء.

يتبع

المصدر: " سمير الصالحين"

الحلقة الأولى هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين