قصة (الحَسَنيْن) في ألمانيا

 
                     
 
بقلم: د/ خالد حنفي
رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا
 
سأحدثكم بأعجب وأندر وأطرف ما حدث لي في حياتي كلها، وما أساَل دمعي، وخشّع قلبي، وأصاب سائر بدني بقشعريرة نادرة.

كنت أتحدث في محاضرة الأسبوع الفائت حول (دور الأخلاق في التعريف بالإسلام) وذكرت قصة حدّثني بها درة ولؤلؤة دعاة ألمانيا ومفكريها الدكتور العالم الرباني أحمد خليفة مدير المركز الإسلامي بميونخ، وقد حدثني بها منذ سبع سنوات تقريبا، وملخصها أنه قرأ إعلانا في صحيفة ألمانية جاء فيه: مطلوب قسيس مسلم يعمدني الإسلام! وترك المعلن عنوانه وهاتفه فاتصل به د/ خليفة فلم يرد فذهب على الفور إلى عنوانه فلم يجده، فسأل عنه جيرانه فلم يجيبوه بل خافوا منه، فترك له رسالة فيها عنوانه للتواصل معه. ثم ركب الحافلة إلى الجامعة التى كان يدرس بها آنذاك، ولما أراد النزول قال وجدت حاجزا يمنعني من النزول ويبقيني لأذهب إلى المركز الإسلامي في نفس الحافلة، وهناك وجدت رسالة من صديق لصاحب الإعلان يقول فيها: إن صاحب الإعلان في المستشفى وحالته خطيرة ويحتاج إليك بشدة، ويلح في طلبك، وترك عنوان المستشفى.
قال د/خليفة ذهبت على الفور إلى المستشفى، وما أن وصلت حتى استبشر فرحا بوصولي قائلا: أنت القسيس المسلم؟! قلت: بلى. وكان في الحجرة قس مسيحي فنادى عليه قائلا ادن منا لأنى سأُسلم الآن. ثم قص قصته فقال: سافرت إلى المغرب سائحا واستضافني مغربي مسلم اسمه حسن وأكرمني وأحسن إلىّ ولم أصدق أنه لا يريد بي شرا ولا يريد أن يقتلنى، فتناومت لأنظر ما يفعل بي، وقد أحس بي وحاول أن يطمئنني لكنى بقيت خائفا منه، ولما أصبح الصباح أحضر الفطور، وبعدها قدمت له ثمن الاستضافة، فرفض قائلا: أنت ضيفي والإسلام أمرنا بإكرام الضيف 3 أيام، ورفض أخذ الأجرة، فاتفقت معه أن أزوره كل عام وأحببته وتعلقت به، وظللت أتساءل في نفسي أى دين يأمر بهذا؟!، وأردت التعرف على هذا الدين فلم يكن أمامي سبيل إلا أن أعلن في الصحيفة عن حاجتى لقسيس مسلم يعمدني الإسلام، لأصبح أخا لحسن وألقاه العام المقبل وقد أسلمت مثله، فحدِّثني عن هذا الدين.
قال د/ خليفة الداعية الحصيف: الإسلام دين الفطرة وهو دين تكاليفه محدودة معدودة متناغمة مع حياة الإنسان وأركانه خمسة، وعندما وصل إلى الحج قال له: أنا مريض لا استطيع السفر هل يمكن أن يحج عنى أخي حسن؟ قال: نعم. ثم قال: ماذا أفعل لأكون مسلما؟ قال: تنطق بالشهادتين فنطق بها وهو فرح مسرور، وقال: الحمد لله الآن أنا مسلم، هل يلزمني تغيير اسمي؟ قال د خليفة ليس شرطا. قال: سأغيره ويصبح اسمي حسن. ثم ودعه د خليفة على أن يتواصل معه، وفي اليوم التالي اتصل بالمستشفى ليسأل عنه فأخبر أن روحه فاضت إلى بارئها بعد أن خرج د خليفة من عنده مباشرة. قال لي د خليفة متأثرا: ولا زلت انتظر لقاء أخي حسن المغربي بأخي حسن الألماني في الجنة إن شاء الله تعالى.
بعد أن فرغت من قصتي، نقلها أحد الشباب المغاربة لأمه في المغرب عبر الهاتف، فبكت وقالت له: إن عمك حسن قد استضاف ألمانيا عنده منذ نحو 20 سنة لعله هو، فسأل عمه فقال له: القصة متطابقة مع الألماني الذي استضفته هل يمكن أن تسأله في أى عام حدث هذا؟
فسألت د خليفة فقال: عام 1981 ، فقال وقع هذا معى في ذات العام
العجيب أن حسن الغربي رجل عادي غير متعلم مدخن ليس إماما ولا شيخا، ولما بلغته القصة قال: الآن آن أوان التوبة الصادقة، والعودة الحقة.
إن هذه الحكاية العجيبة على طرافتها إلا أنها حوت دروسا وعبرا في غاية الأهمية منها:
1-   أهم وسيلة في التعريف بالإسلام والدعوة إليه، وتغيير الصورة السلبية عنه هي الأخلاق والسلوك العملي، فالأوربي يقرأ الإسلام في سلوك وأخلاق المسلمين في الغرب، وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: إن الصحابة نقلوا الأمم إلى الإسلام ولم ينقلوا الإسلام إلى الأمم. وذلك من خلال سلوكهم وأمانتهم في تجارتهم ولم ينقلوه عبر الكتب المترجمة والمحاضرات والمؤتمرات.
2-   أن لا يحتقر الإنسان عمله، فربما كان سببا في هداية غيره من حيث لا يدري.
3-   كان سلوك حسن المغربي الفطري الإسلامي مع حسن الألماني سببا في هدايته وهو لا يعلم، وكثيرا ما يحدث العكس فيتسبب المسلم بسلوك أو خلق قبيح لا يقره الإسلام في الصد عن سبيل الله والتنفير من الإسلام من حيث لا يدري، فيكون بسلوكه هذا فتنة للذين كفروا.
4-   هذه القصة ومثيلاتها أبلغ رد على الذين يفتون لمسلمي أوربا بوجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام! ذلك أن الوجود الإسلامي في الغرب يشكل بوابة كبرى للتعريف بالإسلام وتغيير الصورة السلبية عنه لدى غير المسلمين.
5-   يمكننا توجيه السياحة في عالمنا العربي والإسلامي والاستفادة منها في تعريف زائريها على الإسلام لتحقيق الوصل الحضاري، وإزالة الفجوات التى أحدثها الإعلام عبر التاريخ بين الأمم والشعوب.
 
أسال الله العلى القدير أن يجمعنا بالحسنين في الجنة، وأن يجعلنا هداة للبشرية الحائرة، فنملأ فراغها ونعمر خرابها.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين