(الخطابة فنّ)
عن عائشة رضي الله عنها:
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قرَأ هذه الآياتِ يومًا على المِنبَرِ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سبحانه وتعالى عمّا يشركون...(67)}(الزمر) ورسولُ اللهِ يقولُ هكذا بإِصبَعِه يُحرِّكُها يُمجِّدُ الرَّبُّ جلَّ وعلا نفسَه : (أنا الجبَّارُ أنا المُتكبِّرُ أنا الملِكُ أنا العزيزُ أنا الكريمُ) فرجَف برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المِنبَرُ حتَّى قُلْنا : لَيَخِرَّنَّ به
أخرجه ابن حِبّانَ في صحيحه
سباحة في الحديث
1- الإشارة بكلمة (هذه الآيات) قبل أن تُقرأ تنبيهٌ واستحضار للذاكرة كي لا يضيع شيء من الكلام، وهذا اسلوبٌ تربوي نجده كثيراً في أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم.
2- وقراءتها على المنبر ليسمعها الكثير من الصحابة بيانٌ لأهميتها، والحاضرون في خطبة الجمعة أكثر عدداً في غيرها من الصلوات.
3- وتشير (قراءة الآيات) أنها غير الكلام الذي تجيء الآيات في طياته، وتُقرأُ مجوّدة مرتّلةً وتجويد القراءة في القرآن مطلوب لتتميّز عن كلام البشر، ومن يفعل غير ذلك جانب الصواب.
4- اكتشف علماء الفلك مجرّة في السماء الدنيا قطرها خمسون مليار سنة ضوئية وبينها وبين أقرب مجرة إليها أضعاف مسافة القطر، فكم قطر السماء الدنيا؟!.
5- والسماء الدنيا للسماء الثانية كحلْقة في فلاة، والسماء الثانية للسماء الثالثة كحلْقة في فلاة، - وهكذا – فكم عِظَمُ الإله الذي يقبض هذه المخلوقات العظام بيمينه، سبحانه وتعالى؟.
6- لن يُقدّر البشر عظمة ربهم إلا أن يكون حبُّه وخشيته في قلوبهم، إنه سبحانه صاحب الاسماء الحسنى، من جمعها وفهمها حق فهمها وعمل بمقتضاها كان من الناجين، اللهم ارزقنا هذا الفهمَ وحُسنَ العمل، وارضَ عنا يا رب.
7- الحركة في الكلام دليل على أمور كثيرة، منها:
أ- الانفعال الإيجابي الذي تنتقل عدواه إلى المستمع الرائي.
ب- أسلوبٌ من أساليب التأكيد للفكرة المطروحة.
ت- الإيحاءُ بصدق الحديث والإيمانِ به ودعوةٌ إلى التصديق والاهتمام.
ث- الدعوة إلى تعظيم الإله وتمجيده
8- حين يطرق سمعك كلام الله تعالى يمجّد نفسه تأخذك القشعريرة وترى نفسك تقترب من الله حباً وخشية وعبادة وسمعاً وطاعة. ونقلُ حديث من لا تسمعه أذناك ولا تراه عيناك، ويُحس به قلبك وتحنّ له أضلاعُك أمرٌ في غاية التأثير الإيجابيّ، وهذا أسلوب تعليمي رائع آخر يستعمله المعلّم الناجح لإيصال الأثر إلى المتعلّم.
9- تكرار الضمير (أنا) في ثنايا الأسماء الحسنى أربع مرات يعزز المعنى ويقرب الصورة، ويحيطها بشعاع رائع من القداسة والعظَمة، فتفعل في النفس فعلها.
10- اختيار الأسماء الحسنى الثلاثة (الجبار، المتكبّر، العزيز)التي توحي بالقوة والسيطرة والهيمنة والعظمة والقوة أسلوب تربوي نسميه " التعظيم" ينشر ظلال الخشية والرهبة والتذلل لهذا الإله العظيم الذي يستحق العبادة والطاعة. وهذا نسميه أسلوب (الترهيب).
11- اختيار الاسم الرابع (الكريم) وفيه ما فيه من العطاء والكرم والمدد والإحسان يوحي بأن مع العبادة والطاعة أجرٌ كريم يناله المؤمن، وهذا نسميه أسلوب (الترغيب) وكثيراً ما يجتمع الأسلوبان (الترهيب والترغيب) – ومن الناس من يستجيب للإسلوب الاول " وهم الأكثرية" وبعضهم – اصحاب النفوس الشفافة – يستجيبون للأسلوب الثاني (الترغيب)، "وهم الأقلية".
12- للجماد إحساس وشعور، رجَفَ برسول الله وكاد يخِرُّ خوفاً وخشية وإجلالاً وتعظيماً، وهو الجمادُ. ولعلنا نتذكر جذع الشجرة الذي أنّ لفراق الحبيب حين تركه، وقد كان يتكئ عليه في خطبه السابقة، وصعِد المنبر، فسمع الصحابة أنينه. أفلا يليق بالإنسان أن يخشى الله تعالى ويحبه ويطيعه؟!
13- حتى قُلْنا : لَيَخِرَّنَّ به) تصوير للحالة النفسية للصحابة، يقصد منه :
أ- التفاعل مع الحدث.
ب- تصوير الأثر الإيجابي للخطيب الصادق في دعوته المتمكن من إيصال المعلومة حية نابضة، وما خرج من القلب دخل القلبَ، وما خرج من اللسان لم يتَعَدَّ الآذان.
14- استعمال الكلمات المناسبة والموحية ذات الاثر البيّن في إيصال الفكرة
أ- وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ.
ب- وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ.
ت- يمجّد الربُّ نفسَه.
ث- أسماء الله الحسنى الدالة على القوة والعظمة.
ج- رجف وخرّ، فيهما الحركة ذات الإيقاع السريع المفاجئ
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا.
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول