قراءة شحرور للقصص القرآني تحريف وتخريف (6)


تسويغه لفعلة قوم لوط



مركز نون للدراسات القرآنية/ فلسطين

يستمر شحرور وهو يقرأ القصص القرآني بالتحريف والتخريف والتلبيس في آن معاً، حيث يحرص أحيانا على التقديم بمقدمات مقبولة، ليخدع بها القراء ثم يبدأ بدس السموم، ولا يلبث إلا قليلاً حتى يخرج كل مخزونه النفسي من القاذورات على الدين وأهله، وهو يتظاهر بتصحيح الفهم والغيرة على الدين.
يستهل الشحرور قراءته لقصة لوط عليه السلام بذكر نسب لوط كما قال: " حسب ما اتفق عليه أهل العهد القديم من الكتاب المقدس، وعلماء الأنساب وأصحاب التواريخ" [1]، والذي لا يقدم ولا يؤخر.
ويبدأ في إيراد العبر المستخلصة من القصة ليقرر في أولها أن الله تعالى لا يخضع في اصطفاء الرسل لأي معيار زماني أو مكاني، حيث يمكن أن يبعث رسولاً لقوم بعينهم في زمان ومكان معينين، وقد يجتمع أكثر من رسول في زمان أو مكان واحد.



• الهجوم على السنة تحت ستار الانتصار للمرأة!!



والعبرة الثانية عنده، تتعلق بامرأة لوط التي جعلها الله تعالى وامرأة نوح مثلاً للذين كفروا، كما جعل امرأة فرعون ومريم ابنة عمران مثلاً للذين آمنوا، ثم يطرح سؤالاً ويجيب عليه:" والسؤال الآن: لماذا يفعل سبحانه ذلك، وفي الرجال عشرات من أعلام الكفر وأئمة الإيمان كان يمكن أن يضرب بهم الأمثال؟ والجواب: هذا درس لكل من يعلي شأن الذكر في المجتمع ويحط من شأن الأنثى، ولكل من يجعل المرأة تابعة للرجل رهينة لإرادته، ولكل من يزعم أنها ناقصة عقل ودين، وأن الله خلقها من ضلع أعوج، وأن المهمة الأولى والأخيرة للرجل هي تأديبها والأخذ على يدها"[2] . 
إن القرآن يعلي من شأن الإنسان ويكرمه دون تفرقة بين ذكر أو أنثى، ويشنع على الذين يفعلون ذلك، والفكرة التي صدّر بها الشحرور كلامه لا خلاف عليها من حيث المبدأ، لكنه ينطلق منها لينقض على الدين نفسه بأصليه الكتاب والسنة، فيسخّف من السنة النبوية ويسفه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يعرض بآيةّ القوامة، ولا ننسى بأن الشحرور يرفض السنة ولا يحتج بها أصلاً.
إن حديث ناقصات عقل ودين، ورد في الصحيحين، والكلام عن نقصان العقل والدين ليس من باب الانتقاص أو التنديد بالنساء، بل هو تقرير لحقيقة خَلقية ترتبط بالوظيفة والدور اللذين أناطهما الله تعالى بالمرأة، ومعاذ الله تعالى أن يحاسب الله الناس على ما خلقهم وما لا إرادة لهم فيه.
إن نقصان العقل يرتبط بزيادة العاطفة، حيث المرأة مؤهلة أكثر من الرجل لرعاية الأبناء والحنو عليهم، وبالتالي فهذه منقبة لا منقصة، ونقصان الدين سببه كما أخبر النبي عليه السلام، أن المرأة ينزل عليها دم الحيض والنفاس فتتوقف عن الصلاة، وهو أمر خارج عن إرادة المرأة، لأنه هكذا خلقها الله وهكذا شرع لها، وقد قال النبي عليه السلام لعائشة عندما تضايقت لكونها حاضت وهي في الحج ( ذلك أمر كتبه الله على بنات آدم)[3]، قال تعالى في سورة المعارج: ? إن الإنسان خُلق هلوعا، إذا مسه الخير منوعاً، وإذا مسه الشر جزوعاً، إلا المصلين?، وما دامت المرأة تحيض ما يقارب خمس عمرها بعد البلوغ، وتنقطع عن الصلاة كل تلك الأيام ولا تُطالب بالقضاء، فإن ذلك مما يقلل مقاومتها لهذه الطبيعة الإنسانية مقارنة بالرجال، إضافة إلى الضعف الناتج عن غلبة العاطفة على العقل.
والطريف أن حديث الرسول هذا كان لجماعة من النساء اللاتي أدين معه صلاة العيد، وكان فيه ملاطفة لهن ولم يكن شتماً ولا تحقيراً، بل كان كلام الرسول عليه السلام، لهن فيه من الدهشة والتعجب كيف أن النساء مع نقصان عقولهن ودينهن قادرات على أن يذهبن بلب الرجل الحازم، وكأنه ينبههن إلى ضرورة الحذر من استغلال هذه الطاقة في دفع الرجال إلى الظلم والمعصية.
وكذلك الأمر فإن حديث الرسول عن أن المرأة خُلقت من ضلع، والوارد في الصحيحين وغيرهما، لم يأت في سياق التحقير بل في سياق وصية الرجال بالنساء أن يصبروا عليهن ويتعاملوا معهن بالحلم والأناة والرحمة، لأنهن خُلقن من ضلع، وهذا يتضمن شكل الضلع ووظيفته، فالانحناء والعوج الذي في الضلع مهم لحماية الأعضاء الداخلية بالنسبة لجسم الإنسان وهو ما لا يتحقق لو كانت الأضلاع مستقيمة، وكذلك فإن طبيعة المرأة (بعوجها ) وانحنائها هي التي تؤدي إلى أن تحنو على الأطفال وتحيط كل من في البيت بعاطفتها ورعايتها، وهذه العاطفة الزائدة اللازمة هنا لها آثار سلبية في سياقات أخرى، مطلوب من الرجال مراعاتها والصبر عليها حفاظاً على الأسرة التي هم قوامون فيها.
وأما تعريض الشحرور بآية القوامة وهو يتحدث عما أسماه تأديب الرجل للمرأة، فلعلي أفرده في مقالة قادمة سيما و" للمجدد المجتهد شحرور!!" كتاب خاص أفرده لقضايا المرأة والأسرة أفاض فيه في هذا الموضوع.



• الإصرار على فكرة الكوارث الطبيعية 



وثالثة الأثافي، أقصد العبرة الثالثة من قصة لوط عند شحرور، هي:" أن ما رأيناه عند عاد وثمود من تدمير يحل بفعل الكوارث الطبيعية عقاباً على فساد العقيدة ( أي على الشرك أو على الإلحاد إطلاقاً)، أصبح عقاباً على فساد العقيدة والسلوك"[4]. 
حيث يتجلى إصراره على أن العقوبات التي كانت تحل بالأقوام السابقين، كانت ( كوارث طبيعية)، وقد أوردنا كلامه عن طوفان نوح من قبل، ثم يطيل الاقتباس عن الجيولوجيين عن أن منطقة البحر الميت هي منطقة زلزالية نشطة، وعن القوى البركانية التي تحررت، والسؤال الموجه للشحرور: إذا كان ما تعرض له قوم لوط ليس أكثر من زلازل وبراكين طبيعية في منطقة زلزالية نشطة، فما جوابه عن إمطار القوم بحجارة السجيل المنضود المسومة عند ربك؟: ? فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ? [ هود: 82].



• تكذيب القرآن وتسويغ الشذوذ



قال تعالى:? ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر?[ العنكبوت: 28-29].
يُصوّب شحرور فهمنا للقرآن الكريم بتأكيده أن الشذوذ الجنسي كان سابقاً لقوم لوط الذين لم يكونوا أول من قارفوه بزعمه!!، والمشكلة، برأيه، أن المفسرين لم يفهموا التنزيل على الوجه الصحيح، وذلك أنه :" حين نظر المفسرون في الآية 28 مسلوخة عما بعدها، ظنوا ان عبارة:? ما سبقكم بها من أحد من العالمين? وصف للفاحشة التي ورد ذكرها في الآية، ... بينما هي في حقية الأمر وصف للعلنية في المجالس والمنتديات، نقول هذا ونحن نعلم أن المثلية، سواء أكانت لواطاً بين ذكر وذكر، أم كانت سحاقاً بين أنثى وأنثى، هي بالأصل شذوذ تكويني في هرمونات الذكورة لدى المفعول به في اللواط، واضطراب تكويني في هرمونات الأنوثة لدى الفاعلة في السحاق، يدفع الأول إلى التماس اللذة عند ذكر مثله، ويدفع الثانية إلى تفريغ شهوانيتها عند أنثى مثلها، وهذا يعني أن اللواط كان موجوداً قبل قوم لوط بشكل غير علني وعلى الصعيد الفردي، إلا أنهم جعلوه ظاهرة عامة اجتماعية تمارس علناً في المجالس والمنتديات" [5].
ثم يورد العقوبات التي أنزلها الله بقوم لوط ليقرر:" فإننا لا نستطيع أن نقتنع بأن هذه الويلات المخيفة، جاءت عقاباً على سيئة اجتماعية يصعب كثيراً أن نضعها تحت عنوان الفواحش؛ لأنها أقرب إلى الحسن والقبح منها إلى المعروف والمنكر في جانب، وأقرب إلى الأخلاق الاجتماعية المصطلح عليها منها إلى العقائد"[6].


والرد على هذا الكلام المتهافت من وجوه:


1) أنه إذا كان الشحرور قد التبس عليه فهم آية العنكبوت، فإن غيرها واضح الدلالة صريحها، في أن إتيان الرجال هو الذي لم يسبق أحدٌ قومَ لوط في اقترافه، ولم يرد ذكر العلنية والمجاهرة في تلك الآيات، وذلك في قوله تعالى: ? ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ?[ الأعراف: 80- 81]. فهنا الآية الثانية بدل مطابق من الأولى.
2) أن الآيتين اللتين أراد شحرور التلبيس فيهما لا تؤديان إلى ما زعمه، فالآية الأولى تحدثت عن سبقهم بالفاحشة، وهي إتيان الرجال، ثم ضمت إليها جريمتين أخريين هما قطع السبيل وإتيان المنكر في ناديهم، وإذا قبلنا دعوى الشحرور بأن إتيانهم المنكر في ناديهم هو فاحشة سبقوا العالمين بها، فإن الآية الكريمة قد تضمنت ثلاثة أمور، لا أمراً واحداً، حيث جملة :? أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر?، هي بدل اشتمال[7] من :? إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ?، وبالتالي فالفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين تشمل الأمور الثلاثة الواردة في الآية التالية، وأولها وأولاها إتيان الرجال بدلالة استقلاله في آية أخرى، أما حصر الأمر في آخر الثلاثة ذكراً في الآية فتدليس من الشحرور وتلبيس.
3) ومتابعة للنقطة السابقة فإن الراجح في المنكر الذي يأتونه في ناديهم هو جنس المنكر الذي يشمل فعلتهم الفاحشة وغيرها، وأما قطع السبيل فهو قطع الطريق وليس كما ذهب كثيرون من أنه قطع النسل من خلال إتيانهم الرجال وترك أزواجهم من النساء، وإن كان المعنى صحيحا من حيث كونه نتيجة لشذوذهم، لكن القرآن عرفنا بأن ديارهم بسبيل مقيم أي طريق رئيسي للتجارة والترحال، ولعلهم استغلوا موقعهم ذاك في العدوان على المسافرين قتلاً ونهباً، وإمعاناً في القهر والإذلال ابتدأوا يعتدون عليهم جنسياً، وبالتالي فاعتبار قطع السبيل فاحشة من جانبين: أنهم يعتدون على أبناء السبيل جنسياً بعد قطع الطريق، ثم لأن الأصل حماية أبناء السبيل ورعايتهم لا العدوان عليهم وإذلالهم.
4) أما زعم شحرور بأن الشذوذ الجنسي كان سابقاً لقوم لوط عليه السلام، بدلالة وجود رجال ونساء لديهم اضطرابات وخلل تكويني في هرمونات الذكورة والأنوثة، فلا قيمة له بعد التقرير القرآني الحاسم في أنه لم يسبقهم إليه أحد من العالمين، ثم إن وجود الخلل الهرموني ليس دليلاً على وقوع الشذوذ إلا على سبيل الاحتمال الضعيف، ذلك أن الشذوذ يختلف عن الزنا والذي فيه انجذاب متبادل بين الجنسين، بينما الخلل الهرموني – الذي يتحدث عنه شحرور- قد يحصل لدى أفراد محدودين جداً، وليس غريزة متبادلة بين طرفين.
5) لقد نسي الشحرور وهو يكذب القرآن ويحرف في تأويله، ويدعي أن الخلل الهرموني عند بعض الذكور أدى بهم قبل قوم لوط إلى تلك الفعلة الشنيعة، أقول لقد نسي أن القرآن الكريم وهو يشنع على أولئك القوم، لم يشنع على المفعولين الذين كانوا يؤتَوْن، بل على الفاعلين الذين يأتون، وهذا يرجح أن ابتداء تلك الجريمة كان من باب الاستقواء والقهر والإذلال من قوم لوط الذين كانوا قطاع طرق، وهذا ما يفسر لنا مسارعتهم إلى بيت نبي الله لوط ليعتدوا على ضيوفه، وقد كان عليه السلام يكرم الضيوف ويحميهم وهذا سبب قول قومه له: ? قالوا أولم ننهك عن العالمين?[ الحجر: 70].
6) يلاحظ أن الشحرور يهون من أمر الفاحشة، ويجرئ عليها، ويختلق المبررات والمسوغات لاقترافها، وهو يزعم أن هناك اضطرابات خَلقية تكوينية في الهرمونات تدفع إليها، ثم وهو يقرر بأن تلك الفعلة لا تدخل ضمن المنكرات المحرمة، بل هي أقرب إلى أمور التحسين والتقبيح، متناسياً أن وجود الغريزة ليس مسوغاً لفعل المحرم، فإن الله تعالى لا يكلف الناس أكثر من وسعهم، وهل يسوغ اقتراف الزنا لوجود الانجذاب الغريزي المتبادل بين الجنسين؟ 
---------
[1] ) شحرور، القصص القرآني، 2/ 185.
[2] ) السابق، 2/ 186.
[3] ) رواه البخاري ومسلم.
[4] ) شحرور، القصص القرآني، 2/ 186.
[5] ) شحرور، السابق، 2/ 188.
[6] ) السابق، 2/ 188.
[7] ) ابن عاشور، التحرير والتنوير، مجلد 10/ جزء 20/ ص 240.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين